ينتهج تنظيم "داعش" استراتيجية جديدة للحفاظ على بقائه، في ضوء تصاعد عمليات الاستهداف الأمني والعسكري لقياداته مؤخرا، حيث ترتكز استراتيجيته الجديدة على التحول من مركزية القيادة إلى اللامركزية وتعزيز القدرة الاستخباراتية في مواجهة حروب المخابرات التى يتعرض لها لإجهاضه والإيقاع بقياداته. وعلى مدار أعوام متتالية ساعدت تسريبات متعاقد الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن على موقع ويكيليكس تنظيم داعش الإرهابي على معرفة أساليب أجهزة المخابرات في التواصل والتراسل وجمع المعلومات، الأمر الذي ساعد التنظيم على التمدد جغرافيا واكسبه قدرة إضافية على استخدام التواصل المشفر بصورة جيدة ومحاربة أجهزة المخابرات المعادية له بنفس أساليبها واسلحتها. ووفقا لمحللين غربيين فقد استفادت داعش من تسريبات سنودن على موقع ويكليكس فى تعزيز قدرات التنظيم على استخدام وسائل الاتصال الشخصية والابتعاد عن الاتصالات الإليكترونية التى عادة ما تلتقطها أجهزة المخابرات الغربية وتتنصت عليها، وفق ما كشفته تسريبات ويكيليكس وسنودن الذي كان على دراية واسعة بأساليب عمل الوكالة لمكافحة الإرهاب وجمع المعلومات. وبحسب تقارير المخابرات الغربية فقد قام زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي بتفويض جانب من سلطاته إلى قيادات التنظيم الأدنى وطالبهم بفعل الشىء ذاته مع الكوادر الأدنى منهم وذلك للحفاظ على بنية التنظيم وقدراته الحركية فى حالة مصرع قياداته العليا وضمان عدم إصابته بالشلل حتى فى حالة اختفاء أبوبكر البغدادى لسبب أو لآخر وهو الهدف الأول والأثمن لأجهزة المخابرات الغربية والإقليمية. وبحسب تقارير أمنية أمريكية فقد نقل البغدادى صلاحياته وجانب من سلطاته إلى مجلس شورى داعش الذى يضم وزراء التنظيم للحرب والمالية والشئون الدينية، وأن البغدادى قد استفاد من تجربة تنظيم القاعدة الذى أصابه شىء من الوهن بعد مصرع واصطياد قياداته للصف الاول وعلى رأسهم أسامة بن لادن في عملية مخابراتية أمريكية استهدفته على الأراضي الباكستانية. ويعد تنظيم القاعدة هو المصدر الأساسي الذى تتشكل منه القوة البشرية التي تعمل لحساب داعش وإلى جانبها عدد من ضباط البعث العراقي السابقين ممن لديهم دراية بأساليب الأمن الداخلي وأعمال المخابرات وجمع المعلومات، ويكنون العداء للغرب والولاياتالمتحدة وجميعها عوامل تكاتفت معا لتعطى داعش زخما قويا وقدرة على التحرك وتنفيذ العمليات الإرهابية باحترافية عالية. وبحسب خبراء الأمن الغربيين، جاءت خطوة تفويض السلطة من القيادة العليا لداعش إلى قيادات الصف الثاني لتعطى التنظيم مرونة أكبر في تحركه واستقلالية للقيادات الأدنى في تكييف أمورها وفقا للمواقف التى تواجهها بسرعة وفاعلية ليس على صعيد العمليات القتالية فقط التى ينفذها التنظيم بل وعلى صعيد عمليات التمويل والتجنيد والتعبئة لعناصره. ووفقا لاستراتيجية عمل داعش الجديدة ونظرية تفويض السلطة المركزية لقيادات الصف الثانى، من المرشح لخلافة أبوبكر البغدادى زعيم التنظيم الحالى فى حالة اختفائه نائبه ابو العلاء العفرى الذى كان النائب الاول لابو مصعب الزرقاوى القيادى المتطرف السابق فى العراق، وفى الصف الثانى لخلافة البغدادى يأتى العنصر الارهابى الخطر المعروف بالاسم ابومسلم التركمانى وهو احد ابناء منطقة تل عفر العراقية القريبة من الموصل ومسئول قوة العمليات الخاصة لداعش فيها بحكم سابق انتمائه للجيش العراقى والقوات الخاصة العراقية إبان حكم صدام حسين . ويأتى ذلك برغم ما تردد من تقارير إخبارية تشير الى مصرع كلا الرجلين فى غارات جوية لقوات التحالف ضد داعش على مدينة الموصل، ولم تتسنى بعد التأكد من صحة تلك التقارير، كما تشير تقارير أجهزة المخابرات وجمع المعلومات الكردية إلى أن العفارى قد يكون على قيد الحياة وقد يكون الخليفة الأوفر حظا للبغدادى، لكنه وعلى الجانب الآخر هناك من يستبعد هذا الرأى على أساس أن العفارى من أصول تركمانية وأن قانون القيادة فى داعش يحول دون تولية عربي من أصل قرشى منصب القائد الأعلى للتنظيم. وهناك تقارير أمريكية تقول الغارات الجوية الامريكية على العراق استطاعت استهداف واصطياد أبوبكر البغدادى في الشهر الماضى، وقال وزير الدفاع الأمريكى اشتون كارتر إن البغدادى إما أن يكون قتيلا – وهو الاحتمال الأبعد – أو مصابا بشدة وهو الاحتمال الأقرب. وأوضح خبراء الأمن والمخابرات في الولاياتالمتحدة أن الفجوة المعلوماتية عن أسلوب قيادة داعش وهياكلها التنظيمية و العملياتية لا تزال كبيرة وبها كثير من النقاط الغامضة التى تبحث عن معلومات استخباراتية عالية الدقة للكشف عنها، كما كشفت التقارير المخابراتية الغربية عن الاستغراب بشأن قدرة داعش على التجنيد وشن الهجمات فى مناطق عديدة من القارة الافريقية وفي نيجيريا تحديدا وكذلك فى إفعانستان وذلك منذ مايو الماضى. ويعتبر المراقبون أن نجاح داعش فى التمدد على هذا النحو خارج سوريا و العراق يعطى مؤشرا على نجاح التنظيم فى الحفاظ على سرية تحركاته وخططه، كما أن ذلك يعطى مؤشرا قويا على قدرة التنظيم فى السيطرة على المعلومات الخاصة به وإبقاء التنظيم ذاته هو مصدر معظم المعلومات المتداولة عنه يطلق منها ما يشاء للعلن ويحبس منها ما يشاء وفقا لتقديراته وحساباته الخاصة. كما أصبح تنظيم داعش بفضل تكتيكات قياداته أكثر قدرة على تحقيق المفاجأة العملياتية عسكريا على الأرض وهو ما بدا جليا فى معارك التنظيم للسيطرة على مدينة كركوك الكردية هذا العام وهو ما اكدته قيادات اجهزة المخابرات فى حكومة كردستان الاقليمية بشمال العراق . وأشار تحليل الحطام الناتج عن عمليات استهداف بالطائرات الامريكية فى شرق سوريا هذا الشهر الى مستندات كانت بحوزة احد قادة عمليات داعش ممن لقوا مصرعهم بها تعليمات حول أمن الاتصالات عبر الهواتف المحمولة والمناورة باستخدام الشرائح الذكية واستخدام المحمول في تنفيذ عمليات التفجير وغير ذلك من أساليب " الإرهاب الذكى" كما كشفت المستندات عن تمكن داعش من إنشاء مصانع جديدة للمفرقعات ومفخخات التفجيرات والشراك الخداعية بتمويل ذاتى من التنظيم فضلا عما رشح من معلومات عن استخدام داعش لنوعيات من الاسلحة الكيماوية فى عملياتها القتالية فى سورياوالعراق، ويقول المراقبون ان البغدادى لا تزال له قوة روحية ومعنوية فى قيادة تنظيم داعش ربما تفوق بكثير براعته العملياتية. ولفتت التقارير الميدانية في كل من سوريا و العراق إلى قيام داعش باستخدام مقذوفات صاروخية مزودة بمواد كيماوية محظورة ومعبأة بمادة الكلور السامة فى أعمال قتالها مع قوات التحالف الدولى والقوات العراقية وكذلك ضد قوات الدفاع الشعبى الكردستانية / البشمركة / التى أكدت مصادرها أنها استولت على كميات من اقنعة الوقاية من الغازات السامة بحوزة مقاتلى داعش الفارين من منطقة الحسكة السورية، تشير إلى أنهم يستخدمون أسلحة كيماوية ويريدون وقاية أنفسهم منها. كما أكدت قوات البشمركة الكردية إلى أن المقذوفات التى تطلقها داعش باتجاههم تصاحبها موجات من التوهج باللون البرتقالى الداكن وأنه بناء على تحليل شواهد انفجار تلك المقذوفات يتأكد أنها مقذوفات كيماوية وفقا للعلم العسكرى، وقالوا إن من تلك الشواهد أيضا إصابة القوات الكردية التى تم اطلاقها عليها بحالات من الغثيان و الاغماء و التشنجات العضلية تصحبها آلام مبرحة وحرقة في العين والأنف، كما أن رائحة انفجار مقذوفات داعش تشبه " البصل العفن " وجميعها تعد وفقا للعلم العسكرى شواهد استخدام الاسلحة الكيماوية . وفى واشنطن لم يستبعد مجلس الامن القومى الامريكى احتمالية استخدام داعش لمقذوفات الغاز السام فى معاركه، وقال اليستر باسكاى إن واشنطن تتابع وتحلل التقارير الميدانية الواردة فى هذا الصدد ، وكانت جبهة النصرة فى سوريا – المتحالفة مع القاعدة – قد اتهمت داعش باستخدام غاز الكلور السام فى عملياته العسكرية ضدها، وكذلك تم رصد استخدام مقذوفات غازات سامة من مادة السارين فى المعارك الدائرة فى سوريا منذ اغسطس 2013 و تراوحت اصابع الاتهام انذاك بين الاشارة الى داعش او الى النظام السورى وكان احد تلك الاستخدامات لغاز السارين قد وقع انذاك فى احد ضواحى العاصمة دمشق وخلف 1500 قتيل.