■ مهدي الشيعة: محمد بن الحسن.. موجود في سرداب وحمل في الجنب وليس في البطن ■ مهدى السنة: محمد بن عبدالله.. لم يولد بعد.. وسيحمل فى الرحم ■ خوارقه: جبريل سيقبل يده التى سينبت منها العلم ظل كثير من غير المختصين يعتقدون أن «المهدي المنتظر – الإمام الغائب» هو معتقد يخص المسلمين الشيعة وحدهم، فهو إمام آخر الزمان الذى يخرج فى وقت غير معلوم- يأملون أن يكون قريبا - ليمكن للشيعة فى الأرض، منتقما من أعدائهم والساخرين منهم، وحينئذ تعود إلى إيران -الدولة الشيعية- هيبتها القديمة حينما كانت مركزا لدولة الفرس، غير أن دراسة أعدت داخل أروقة الأزهر نفت عنه صفة التشيع، أو بمعنى أدق لم تقصره عليها، بل كشفت أن الفكرة وردت فى عقيدة كل جماعة مغلوبة على أمرها، مرت بفترات ضعف، فنسجت سيناريوهات لعودة الغائب، ذلك الشخص المخلص الذى سيعوض صبرها خيراً، ويضعهم فوق الأمم، وما عليهم إلا الانتظار والتمهيد. أكدت الرسالة التى أعدها الباحث فوزى مختار حسين، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، للحصول على درجة الماجستير قبل عامين تحت عنوان «الأديان السماوية وعودة الغائب» أن فكرة المهدي المنتظر أو عودة شخص من إحدى ثغرات الزمن، بعد مرور آلاف السنين من اختفائه، ليخلص أتباعه، ويمكن لهم فى الأرض- كما يعتقد الشيعة فى إمامهم الثاني عشر المنتظر- ليست مقتصرة على المسلمين الشيعة، أو السنة- الذين يعتقدون فى ظهور مهدي آخر الزمان، ولكن بطريقة مختلفة عن الشيعة. المهدي المنتظر ليس شخصا، بل فكرة انتقلت من قبل ظهور الأديان السماوية، إلى وقتنا الحالي، ارتبطت بصورة أساسية بفترات الضعف، فما إن تبدأ جماعة أو مجتمع فى الانهيار، أو التعرض لغزو حتى يلجأون إلى الغيب، معلقين آمالهم على ذلك الشخص الغائب الذى سيعود يوماً، ليعيد لهم قوتهم، حتى إذا كانت تلك الأفكار والصفات التى ينسبونها إلى ذلك المنتظر تتعارض مع العقل، والتفكير العلمي. يرجع أصل فكرة الإمام الغائب، إلى ما قبل ظهور الأديان السماوية، وفى ذلك يقول الباحث «إن الفكرة موجودة فى الأديان الوضعية، مستشهداً بقول الشهرستاني، إمام فى علم الكلام وأديان الأمم ومناهج الفلسفة، إن فكرة الإمام المنتظر وجدت منذ القدم فى الديانات الوضعية مثل «الزرادشتية»، حيث كان من ضمن ما أخبر به زرادشت فى كتاب الأفيستا إنه قال سيظهر فى آخر الزمان رجل اسمه اشيزريكا، ومعناه الرجل العالِم، يزين العالم بالدين والعدل، ويوقع الآخر فى أمره، وملكه عشرون سنة، ثم يظهر بعد ذلك اشيزريكا على أهل العلم، ويجيء بالعدل، ويميت الجور، ويرد السنن المغيرة إلى أوضاعها الأولى، وتنقاد له الملوك، ويتيسر له الأمور، وينصر الدين الحق، ويحصل زمانه الآمن والدعوة والسلام». يمضى الباحث فى استعراض تاريخ الفكرة فيقول: إن اليهود هم أول من أتاحوا حيزاً لفكرة الإمام الغائب فى عقيدتهم، بين أصحاب الديانات السماوية، إذ ظهرت الفكرة فى البداية بصورة ضعيفة، مع وقوع القدس فى أيدى الرومان، وأخذت فى الانتشار، وقبل ظهور المسيح بسنوات قليلة كانت قد وصلت إلى أن أصبحت عقيدة راسخة. والإمام الغائب عند اليهود «من ولد داود النبي، إذا حرك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم، سيأتى آخر الزمان ليخلصهم من أعدائهم، ويعيد إليهم مجدهم وسلطانهم، ويرجعهم إلى أرض فلسطين»، وتطلق أسفار اليهود على ذلك المنتظر أسماء مختلفة «الملك- النبي- المسيا- المسيح» والمسيح هنا المقصود به المخلص، وجمعوا عليه ثلاث صفات «النبوة والملك والكهنوت». ويوضح أحمد شلبي، صاحب موسوعة «التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية»، أن هذه العقيدة لم تتكون فى عقلية اليهود إلا فى العصور المتأخرة، وأن أساسها لا شيء، إنما ولدت بعد إحساس اليهود بالذلة والصغر، مع اعتقادهم الكاذب بأنه شعب الله المختار». تعامل اليهود مع ذلك المنتظر على أنه حتمى الوجود، وبدأوا ينظمون فيه الشعر، واعتمدوا عليه فى احتلال فلسطين، وعملياتهم الاستيطانية، من منطلق ضرورة عودة اليهود إلى الأرض المقدسة، حتى يظهر المهدي. ومن بين فرق اليهود السبعين أو أكثر، لا تنكر عودة الغائب سوى فرقة «الصدوقيين». لخص الباحث دوافع اليهود فى القول بعودة ملكهم ذاك إلى أربعة دوافع: دينى، حيث دفعهم شدة حبهم لهارون وتعلقهم به إلى القول أن أحداً من نسله سيأتى آخر الزمان ويصلح حال الأرض ويُمكن لهم فيها، ودافع سياسى، حيث رأى زعماء اليهود أن الاضطهاد والحرمان والتعذيب قد يسبب اليأس فى نفوس أتباعهم، وذلك سوف يضعف مركزهم السياسى والديني، فبدأوا يروجون إلى أن الحكم سيرجع إليهم على يد الملك المنتظر، مشيراً إلى أنه نتج عنه سياستهم الاستيطانية لفلسطين بادعائهم نزول ملكهم هناك، بالإضافة إلى دوافع اجتماعية وهى الهروب من البطالة والبحث عن الحراك المجتمعي. اعتبر الباحث أن قضية المهدي المنتظر عند الشيعة هى إحدى النتائج المترتبة على فكرة الإمام الغائب عند اليهود، موضحاً عناصر الشبه بين الحالتين فى أن اليهود يعتقدون أنه بعودة مسيحهم سيضم مشتتى اليهود من كل أرجاء الأرض، ويكون مكان اجتماعهم القدس، وهى الفكرة ذاتها عند الشيعة، إذ يعتقدون فى إمامهم أنه سيجمعهم ولكن فى الكوفة، بالإضافة إلى اعتقاد اليهود فى مسيحهم أنه سيخرج الأموات من قبورهم لينضموا إلى جيشه، وعند الشيعة الفكرة ذاتها من إحياء المهدي الأموات وضمهم إلى معسكره. وأضاف الباحث: اليهود يقولون إنه بعد مجيء المسيح سيخرج جثث العصاة ليشاهد اليهود تعذيبهم، وعندما يخرج مهدي الشيعة سيخرج أصحاب النبى من قبورهم (أبوبكر وعمر) بالإضافة إلى السيدة عائشة. وأن مهدى اليهود يقتل ثلثى العالم، وكذلك مهدى الشيعة، وأخيراً قول اليهود إنه فى عهد مهديهم ستكثر الخيرات وتنبع من الجبال لبناً وعسلاً، وتطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف، وهو الأمر ذاته عند مهدى الشيعة، ففى عهده عند الشيعة سينبت من الكوفة نهران أحدهما من ماء والآخر من لبن. تناول الباحث فكرة ظهور المهدى عند المسلمين، سنة وشيعة، ففى السنة اختلف اعتقاد أهل السنة فى مجيء المهدي المنتظر، فالبعض اعتقد فى ذلك معتمدا على بعض الأحاديث الصحيحة التى تتحدث عن المهدي، وأنكر آخرون ذلك، من منطلق أن القرآن لم يتحدث عن المهدي، وأن ليست كل الأحاديث التى تتحدث عنه صحيحة، إلا أنه أكد فى الوقت ذاته على أن حتى المؤمنين بظهوره، يختلفون فى ذلك عن الشيعة. وأوضح الباحث الاختلاف بين مهدى الشيعة والسنة فى أن مهدى الشيعة يسمى محمد بن الحسن ولد بالفعل وأنه موجود فى سرداب وحُمل فى الجنب وليس فى البطن، فى حين أن المهدى عند السنة يسمى محمد بن عبدالله، لم يولد بعد، وسيحمل فى الرحم. أما فيما يتعلق بالخوارق فلقد نسب الشيعة لمهديهم المنتظر العديد من الخوارق أولها أنه مشى وعمره أربعون يوماً، وأن الخضر سيمشى بين يديه، وجبريل سيقبل يده، وأن العلم ينبت فى كفه كما ينبت الزرع، وأن أتباعه إذا نظروا فى كفوفهم علموا حكم المسألة التى يبحثون عنها، وغيرها من الخوارق التى لم يعترف بها السنة ولم ينسبوها إلى الإمام المهدي، ومن الاختلافات أيضاً أن الشيعة يعتقدون أن المهدى المنتظر سيحكم لليهود بالتوراة والمسيحيين بالإنجيل. ولقد حدد الباحث الأفكار المترتبة على ترسخ فكرة عودة الغائب عند المسلمين فى «كثرة الجدل بغير حق، المؤدى إلى إهدار الوقت وظهور الغلو والتشدد فى غير موضعه، بالإضافة إلى استغلال تلك الفكرة من قبل دجالين وكذابين ادعوا عبر التاريخ أنهم المهدى المنتظر لكسب تعاطف الناس وأتباعهم». وأشار إلى أن تلك المسألة كان لها أثر أكبر عند الشيعة، لما تمثله من عقيدة رئيسية لديهم، إذ أدى ذلك إلى ظهور أحاديث ونسبها إلى الرسول، والتأثير على العبادات، إذ لا يشترط عندهم صلاة الجمعة طالما لم يظهر الإمام، ويجيزون أداءها ظهراً. واختتم الباحث رسالته بالتأكيد على أن فكرة عودة الغائب دخيلة على المسلمين، حيث إنها ظهرت أول ما ظهرت عند المجوس، وأن فكرة عودة الغائب مهدت لليهود احتلال فلسطين وساعدهم المجتمع الدولى المسيحي، لأن عقيدتهم تؤكد أن عودة اليهود إلى فلسطين تمهيداً لظهور المسيح وعودته.