القيادات الهاربة تحاول المتاجرة بدم الأمير الراحل ضغوط من عبود الزمر للإفراج عن صفوت عبدالغني ليقود التنظيم وضعت وفاة عصام دربالة قائد الجماعة الإسلامية، مستقبل التنظيم فى مهب الريح، فالرجل كان يمسك بكل خيوط الجماعة ومفاصل التنظيم، وكذلك يسيطر على الهيكل التنظيمى لحزب البناء والتنمية، وقد يجعل غيابه الأفراد يعاودون التفكير مرة أخرى فى التراجع، وطرح مبادرة جديدة مع الدولة، لكن الخوف الآن هو أن تسقط الجماعة كليًا بعد رحيل عصام دربالة فى قبضة وسيطرة أمثال عاصم عبد الماجد وطارق الزمر، ورفاعى طه، وممدوح على يوسف، قائد الجناح العسكرى السابق، إلى الأبد، ويزول كل أمل فى إعادة انتخاب مجلس شورى التنظيم، وإعادة القيادات التاريخية التى تمت إقالتها مثل على الشريف، وفؤاد الدواليبى، وكرم زهدى، خاصة أن القائد المؤقت الحالى أسامة حافظ، أضعف بكثير من دربالة، والقيادات الحالية فى الداخل هم أشد وطأة عليه، كما أن نفوذ قيادات الخارج الهاربة، وتحكمها فى التمويل، مع اعتزال ناجح وكرم زهدى، واكتفائهما بالتوجيه الفكرى، سيؤثر بالطبع على مواقف الجماعة. بداية فإن دربالة تولى مسئولية الجماعة عقب الانقلاب الأبيض المخطط له على القادة الإصلاحيين، كرم زهدى، وناجح إبراهيم، وعلى الشريف، وفؤاد الدواليبى، وكانت الإشكالية الأساسية داخل الجماعة فى هذا الوقت الذى تولى فيه قيادة الجماعة، فى حجم التباين بين قيادات تتبنى النهج الإصلاحى التدريجى بالإسهام فى نهضة المجتمعات من خلال أدوار فكرية ودعوية، ومساهمات فى الشأن الاجتماعى، مع تصحيح علاقة الجماعة مع السلطة، ومع الحكام ومع الدولة، فى مقابل قيادات تتبنى التغيير الفوقى من خلال الوصول إلى السلطة والانفراد بالحكم بما يقتضى إعلان الحرب على الحكم القائم، واستهداف رأس الدولة وتغييره، وكان دربالة يؤمن بذلك، ويؤمن أن المرحلة تستوجب مؤازرة الإخوان بكل ما يلزم تحقيقًا لذلك المقصد. مشكلة دربالة التى تسببت فى القبض عليه، هو رفضه إجراء أى تطوير منهجى وفكرى على قضية «الحاكمية» فى فكر الجماعة الإسلامية، وفى معسكرات الجماعة الأخيرة فى أسيوط وسوهاج، كانت تلك المسألة مثار جدل كبيرًا، وكان الخوف من خلق جيل بعد عدة سنوات يؤمن بهذا الفكر القديم العنيف، واعتناق نهج التغيير الفوقى بزعم أن «المشروع الإسلامى» لن يتحقق إلا بوصول الحركة الإسلامية إلى السلطة. كان دربالة الرجل زئبقيًا، فكان قليل الكلام ولا يظهر فى الإعلام كثيرًا، ويفضل أن يكون متأخرًا فى كادر وخلفيات الأحداث المفصلية، ويترك لغيره القيام بتلك المهام مع رسم الخطوط العريضة للتحرك، وكان صفوت عبد الغنى، وفريقه من قتلة رفعت المحجوب يتصدرون المشهد بعد أن سيطروا على التنظيم. وفى كل الندوات العلنية التى شارك فيها دربالة كان يتحدث فى عموميات وعلى سبيل تنظير القضايا وتأصيلها فكريًا وسياسيًا، أما الحديث التنظيمى والإدارى ففى الغرف المغلقة، وكان مناورًا بارعًا، ولا يتخذ موقفًا حاسمًا من مواقف وتصريحات القيادات الهاربة إلى تركيا وقطر، ويترك الحرية كاملة للمحرضين ودعاة الصدام مع الدولة، وفى نفس الوقت يحرص على إظهار أن الموقف العام للجماعة هو التزام السلمية، لكنه كان يعسكر الجماعة حول أفكارها القديمة. نجح دربالة فى إيهام أجهزة الأمن، أنه سيقوم بعمل ندوات ضد داعش والتكفير، كما سيقنع قواعد الجماعة بالانسحاب من دعم الإخوان، وممارسة المعارضة سلميًا، إلا أنه خالف المتفق عليه، ورصدت الداخلية اتصالاته مع رفاعى طه، ومحمد شوقى الإسلامبولى، الهاربين إلى تركيا، واللذين يتنقلان إلى سورية، فيما أشرف بنفسه على مجلة جديدة أصدرتها الجماعة الإسلامية، بعنوان (بناء)، تحض فى مواضيعها على ممارسة العنف ضد أجهزة الدولة. نتيجة هذه السياسة السابقة، وجدنا أكثر من 500 من أعضاء الجماعة متورطين إما فى مظاهرات حول أقسام الشرطة، أو فى أعمال عنف، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ابن القيادى محسن بدوى، وابن القيادى الراحل محمد مختار، وغيرهما من الذين حملوا السلاح بفعل التحريض المباشر وغير المباشر. وكذلك وجدنا عددًا كبيرًا قد هربوا للخارج، وتحولوا بكل عنف ناحية الفكر القديم، ومنهم قاتل فرج فودة، «أبو العلا» الذى لا يكف هو ورئيس الجناح العسكرى السابق ممدوح على يوسف، عن مهاجمة النظام، واعتباره نظامًا مرتدًا. ورغم إنكار الجماعة أنها ارتدت عن مبادرة وقف العنف، فإن مسارات العنف المسلح التى تبدأ فى الأغلب من ردود الأفعال، ثم البحث عن الأدلة الفقهية على هذه الردود، وبعدها تغيير هيكلة التنظيم وسيطرة التيار المتشدد عليه، ثم طرد القيادات المعتدلة، وبعدها استخدام السلاح، أثبتت الوقائع أنها تمت بالفعل داخل الجماعة فى عهد دربالة. حاولت الجماعة مرارًا أن تنفى صلتها بالعنف، ونجحت بالفعل فى اللعب على الأجهزة الأمنية بحكاية المبادرات، والمصالحات، ودعواتها لنبذ العنف التى تأتى فى آخرها مذيلة ب(من الطرفين)، وتحمل اتهامًا مبطنًا للدولة بممارسة العنف مع الإخوان، واستفادت من تلك الحالة لتبقى بوابة خلفية لجماعة الإخوان، ومعبرًا فى بعض الأحيان عنها، ونجحت فى العمل على ضم عناصر جديدة للتنظيم، عن طريق تسويق ماضيها القديم، وادعاء ثوريتها ضد النظام وعدم قبولها بالتخلى عن مرسى أو الإخوان. واستفادت الجماعة من كل أطروحاتها الخاصة بالمصالحة، أو الخاصة بما يجرى فى الدولة، من تسويق نفسها دعائيًا وأمنيًا، أن لها دورًا، وأنها جماعة كبيرة، وقوة حقيقية كبيرة على الأرض، وهذا ما جعل أجهزة الدولة تتغاضى عن توجيه ضربات حقيقية للجماعة، رغم علمهم بتورطها فى التحريض المباشر وغير المباشر. ونجحت الجماعة الإسلامية فى أكبر عملية خداع للنظام، عن طريق دعمها للإخوان، وتحريضها على النظام، وغضها الطرف عن أتباعها الذين يشاركون فى الفعاليات الإخوانية، فى الوقت الذى تسوق فيه على جانب آخر نبذها للعنف، واستمرارها فى مبادرة وقف العنف القديمة، وكل هذا عن طريق قيادات الخارج الذين يحرضون من أماكن تسكينهم فى تركيا والسودان وقطر، وقيادات الداخل الذين يتحدثون عن السلمية من أسيوط والمنيا وسوهاج. هذا كله كان فى حياة دربالة، لكن ماذا بعد وفاته؟ هل ستتجه الجماعة إلى العنف بالفعل، أم تتشتت وتتفتت؟ طبعًا سيستغل قيادات الخارج ومن على شاكلتهم من القيادات الهاربة الحدث، وسيوظفونه لصالح أهدافهم، ودفاعًا عن مواقفهم ومصالحهم فى الخارج باتهام الدولة بقتل الشيخ عصام، والمتاجرة بدمه لشحن الشباب وتعبئتهم بمزيد من الكراهية والحض على العنف ضد الدولة ومؤسساتها. أما عن الجماعة ذاتها، فهى ستسير ناحية التشتت، أو ناحية السكون، وإبقاء الحال على ما هو عليه، حتى يخرج صفوت عبدالغنى من السجون ليقود التنظيم بنفس طريقة دربالة، فقد كان الأخير يمسك بكل مفاصل التنظيم، والأهم هو صلته بممولى الجماعة، الذين يوجد أغلبهم فى دول الخليج، ولذا فإنه بعدما تم القبض عليه، ظل موقع البناء والتنمية الإلكترونى متوقفًا ولم يتم تحديثه لعدة أشهر. القيادات الحالية التى من المفترض، أن تتولى قيادة الجماعة هى عبد الآخر حماد ورجب حسن وكلاهما شرعيان، وعبود الزمر يكتفى بدور الموجه الأكبر، وطارق الزمر وممدوح على يوسف، ومحمد شوقى الإسلامبولى، وعاصم عبد الماجد، كلهم هاربون للخارج وليس منظورًا عودتهم الآن. أما عن القائم بأعمال القائد فهو أسامة حافظ، وهو أضعف من السيطرة على التنظيم بالكامل، ولذا فإن البديل الأوفر حظًا، والذى من المفترض أن يقود الجماعة بنفس طريقة دربالة فهو صفوت أحمد عبد الغنى، ويعاونه علاء أبو النصر. على هذا فإنه من المتوقع أن يقوم عبود الزمر بمحاولات للضغط من أجل الإفراج عنهما، بحجة تهدئة أوضاع الأفراد بعد وفاة دربالة، خاصة أنه يرسل إشارات كثيرة للدولة، عبر حسابه على موقع تويتر، يتحدث فيها عن دعوته الجماعة للمشاركة فى الانتخابات. الجماعة الإسلامية بعد وفاة دربالة فقدت الأب والمؤسس، وفقدت الممول، والقائد، وفقدت الفكر المميز، الذى تستطيع من خلاله ضم عناصر جديدة، ولذا فإنها بعده ستتجه ناحية التقوقع، وليس ناحية العنف، لأن عناصر قوة التنظيم وهى القدرة على التمويل، والقدرة على تحريك الجماهير، والقدرة على ضم العناصر الجديدة، لا تتمتع بها، كما أنها فقدت باقيها عقب وفاة دربالة. ورغم كل البيانات التى أعقبت وفاته، فإن وفاة دربالة سيعقبها تشتت للتنظيم، وعودة للتفكير فى المراجعة للأسلوب والطريقة التى تدير بها الجماعة ذاتها، والتى نتوقع أنها إما أن تذهب للقيادات التى لا تستطيع إجراء حوار مع قادتها التاريخيين المقالين مثل كرم زهدى، و رفاعى طه والإسلامبولى.. إلخ، أو تذهب لقيادات أخرى تبقى الأمور على حالها للحفاظ على بقاء التنظيم، الذى تذروه الآن الرياح، ولا تبقى منه ولا تذر، سوى بقايا تاريخ طويل، والأخير هو المتوقع، من جماعة جربت العنف فتراجعت، وجربت طريقة دربالة فلم تفلح.