مشروعى فى مواجهة صريحة مع التطرف وأهله بعض الفتاوى الموجودة الآن تجعل الدين ضد الحياة نريد «حياة النبى» لا «عصر النبى».. والبعض حول الإسلام من «مشروب للطاقة» إلى «حقن مخدرة» نسف التراث «فكرة متطرفة وغير حضارية».. والشباب يسمع فى اليوم الواحد عن دعوات لهدم البخارى ومسلم وقتل باسم الإسلام وصراع تحت لواء الدين كل فتوى بعيدة عن الإنسانية وتحرض الشباب ضد الوطن «ليست من الإسلام».. وهناك محاولات ل«تفريغ الدين من إنسانيته» ب«تحريم كل شىء» قصرت وكان عندى أخطاء فى بعض «الأطروحات الدعوية» ولدى عذر لعدم وجود مادة علمية كافية وتصور كامل راودتنى «الأسئلة الصعبة» عن الدين ووجدت الإجابة عند جدى والإيمان «متغلغل» فى قلبى منذ الصغر الإسلام «دين شعبى» وليس من حق أى تيار احتكاره أو الحديث باسمه أو استغلاله للسيطرة على الناس بعض الملحدين «متألمون نفسيا» ولم يقدروا على مواجهة مشكلاتهم مشروعى تحت «المظلة الفكرية» ل«على جمعة» هناك حملات ل«تشويه الأزهر» ونرحب ب«النقد البناء» معز مسعود قدم ردودًا علمية على الملحدين التنمية البشرية «مش عيب ولا حرام» الإعلام شارك فى انتشار «ثقافة الضجيج والصوت العالى» «المانشيت» غلب القيم فى الصحافة.. و«التوك شو» يبحث عن «الإثارة» أخطأت فى دخولى العمل السياسى وأعتذر للجميع هناك «زلزال» فى نظرة الناس للدين وتشكيك فى كل الثوابت جلست إلى عمرو خالد فى الليلة التالية لتفجير مبنى القنصلية الإيطالية بالقاهرة، فكان طبيعيًا أن يفرض الحدث نفسه على الحديث. دخلت به إلى منطقة الجد مباشرة بعيدًا عن الأسئلة المدونة فى أوراقى: «هل كنت متوقعًا أن نصل إلى هذه النقطة؟». بدا واثقًا بأكثر من أى مرة سمعته يتحدث فيها: «طبعًا». قلت له: لماذا؟، فألقى بتفسيره الخاص: «أنت إذا لم تدرك فقه حب الحياة ستكون مقبلًا على فقه حب الموت.. أن تصبح الدنيا بلا قيمة، ومعها يصبح سهلًا أن تحضر شابًا وبدلا من أن تملأه حبًا فى الحياة تغذى داخله الرغبة فى التخلص منها». يبدأ الأمر بفكرة سلبية، ومنها إلى التشدد، ومنه إلى العنف والإرهاب. فى حضرة عمرو خالد تتداعى الأسئلة وإن كان عازفًا عن الإجابة عن بعضها فتحاشى الحديث عن أى شأن سياسى. لا يعود الأمر إلى تخوف لديه، أو هروب من الواقع القائم الآن، بل إن التجربة لا تزال عالقة فى الأذهان، ومنها تعلم أن لكل امرئ دوره «حتته»، بحسب تعبيره. أسس عمرو خالد فى العام 2012 حزب مصر المستقبل، ك«أول حزب تنموى فى مصر يسعى إلى تحقيق نهضة وتنمية فى كل القرى والمدن فى البلاد من أجل تحقيق مشروعات تخدم المصريين». دخل الداعية الأهم والأبرز إلى ميدان جديد مدفوعًا برغبة فى الإصلاح، أن يفتح الباب أمام «طريق ثالث»، وفق ما قاله عند تأسيس مشروعه السياسى، غير أن الظروف أتت ضد رغبته. فى السابع عشر من يوليو لعام 2013 أعلن الرجل اعتزاله العمل السياسى بشكل تام، معللًا بأن رسالته الإصلاحية والدعوية غير متناسبة مع متطلبات العمل السياسى. سألت عمرو خالد: «هل أخطأت»، فأجاب بصراحة: «أنا أعتذر عن دخولى فى أى عمل سياسي، قلت إننى أخطأت وأعتذر للناس كلها». قطعت الإجابة الطريق أمام ما بعدها، هو لا يفضل العودة إلى الوراء، بل يريد أن يتحدث عن مشروعه الذى يعمل عليه منذ عام كامل، إنه تجديد الخطاب الدينى. سألت: «ما سر اختفائك طوال الفترة الماضية، أقصد بالتحديد الفترة ما بين اعتزالك العمل السياسى بعد تجربة حزب مصر إلى خروج مشروعك الجديد – برنامج الإيمان والعصر - إلى النور؟» رد: «بعد اعتزالى العمل السياسى كان السؤال أو القضية إن شئت الدقة: هل نستطيع أن نقدم رؤية جديدة فعالة لدور الدين فى الحياة؟». هناك زلزال حدث فى نظرة الناس للدين والإيمان، ما بين تطرف، وعنف، وتشدد، وإسالة دماء، ثم «داعش»، وعلى الجهة الأخرى إلحاد، وتشكيك فى كل ثوابت الدين، ومحاولات لهدم التراث. لك أن تتخيل شابًا (بين 18 و25 عامًا) يسمع فى اليوم الواحد دعوة لهدم البخارى ومسلم، وأخرى للقتل باسم الإسلام، وصراع باسم الدين، وإلحاد، وإنكار لوجود الله. بلغته الخاصة: «ملايين الشباب اتلخبطوا وبقى عندهم شعور مش عارف أكون إيه من كل إللى بيتقال». هذه الظروف تسببت فى إصابة الشباب ب«زلزلة نفسية» طالت كل ثوابت الحياة وليس الدين وحده على أهميته فى حياة المصريين. كان السؤال الذى شغله: «ما الدور الذى يستطيع أن يقوم به الدين؟». يرى عمرو خالد الدين فى دورين، أولهما: الإجابة عن أسئلة العصر، وثانيهما: تلبية احتياجات المجتمع. إذا لم يملأ الدين هذا الفراغ تحدث فجوة. قلت له: «هل أدى الدين دوره»؟ فقال: «الواقع أننا لم نجب عن أسئلة العصر، ولم نلب احتياجات المجتمع». يقول: «هناك احتياج حقيقى لتجديد الخطاب الدينى.. مش موضة.. ولك فى دعوة رئيس الجمهورية والحكومة لتجديد الخطاب الدينى دليل.. هناك إشكالية وفجوة كبيرة نتيجة أن الحياة تسير بسرعة ولها متطلبات وأسئلة فى حين أن ما يقدم من الدين متأخر على الأقل 70 عامًا، والدليل أن آخر كتب تباع بكثرة فى فروع الفقه والتفسير والحديث (فقه السنة)، و(فى ظلال القرآن) لسيد قطب رغم تحفظ الكثيرين عليه، و(شرح رياض الصالحين)، بينما آخر برنامج كمبيوتر صادر فى 2015». سألت: «ما الحل إذن؟»، فرد: «نجيب عن أسئلة العصر». قلت له: «من أين نبدأ؟»، فقال: «كل المحاولات السابقة بدأت من الدين، فكانت النتيجة إشكاليات مستمرة لأنك هتشد الحياة لورا، أما مشروعنا فيبدأ من الحياة». طلبت منه أن يحدثنى أكثر عن تفاصيل المشروع، فقال: «بعد فترة بحث وجدنا أن هناك 5 مناطق تحتاج إلى تجديد، وهى: الأخلاق، والعمل والإنتاج، وفهم القرآن حتى لا يفهم فى (سكة التطرف)، وسنة النبى، والمفاهيم الموجودة فى الإسلام مثل «مشروب للطاقة» حولناه بسوء فهم إلى «حقن مخدرة» كما فى القضاء والقدر، وبناء على هذه النقاط قضيت السنة الماضية فى بحث مع هؤلاء العلماء بشكل دورى يومى حتى خرج المنتج فى شكله الحالى». ورد اسم الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على لسان عمرو خالد كواحد من المشاركين فى المشروع، فسألت: ماذا عن دور الدكتور على؟. أجاب: «المشروع تحت مظلة فكر الدكتور على جمعة، هو صاحب مدرسة فكرية نتعلم ونستفيد منها». سألت: «ما مفهومك لتجديد الخطاب الدينى؟». أجاب: «تجديد الخطاب الدينى هو إزالة ما ألصق بصحيح الإسلام من مفاهيم خاطئة وسلبية، فكما قلت إن الإسلام فى حقيقته مشروب للطاقة تحول إلى حقنة مخدرة، وأن يقدم الدين - الصالح لكل زمان ومكان – احتياجات العصر الذى يعيش فيه». لقد أحدثت أسطورة «صالح لكل زمان ومكان» جدلًا كبيرًا على طول المناقشات بين دعاة الدولة الدينية وأصحاب الفكر الحديث، فكان التشكيك فى هذه المقولة مدخلًا للتكفير، والاتهام بالردة. قلت له: «الدين يتوافق مع العصر أم يتوافق العصر مع الدين؟»، فقال: «الدين فى أساسياته وعمقه يحمل من الرؤية ما يجعله متوافقًا مع كل زمان ومكان، لكن لو عايز تشد الزمان والمكان لورا مش هيحصل». أخذ عمرو خالد يسأل هو هذه المرة: «هل تريد أن تعيش عصر النبى أم حياة النبى؟»، ثم أجاب: «عصر النبى يعنى أوقف الزمن، أما حياة النبى فتعنى أخلاقه.. النبى لو عايش فى هذا العصر سيعيشه بأخلاقه لا بعصره.. نحن نريد حياة النبى أما العصر فيختلف ويتغير». كان لافتًا بالنسبة لى أن يتحرك عمرو خالد فى مشروعه ل«تجديد الخطاب الدينى» قبل عام أو يزيد، أى قبل دعوة القيادة السياسية لنفس المشروع. دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ما وصفه ب«ثورة دينية»، خلال كلمته فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف (1 – 1 – 2015)، ومن هنا طرحت استراتيجيات كثيرة قدمتها هيئات دينية وعلماء لتجديد الخطاب الدينى غير أن أيا منها لم يدخل طور التنفيذ حتى الآن. تحركت القيادة السياسية نحو مشروع تجديد الخطاب الدينى بدافع رئيسى يتمثل فى انتشار العنف باسم الدين، ومن هنا كان لابد من تنقية الدين مما ألصق به من أجزاء تبرر للعنف وتحرض عليه، فقد ذكر الرئيس فى حديثه أثناء الاحتفال بالمولد الدينى أن هناك نصوصًا دينية تعادى الدنيا كلها. كان مفهومًا أن تتحرك الدولة بكل قوة تجاه المشروع فى ظل تصاعد مواجهتها الحاسمة مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من التيار الإسلامى. وضعت ملاحظتى أمام الرجل: هل كنت متوقعًا أن نصل إلى هذه النقطة، أن يشيع العنف والتطرف باسم الدين، ويصبح الدين متهمًا فيكون تجديد الخطاب الدينى أولى خطوات الرد على هذا الاتهام؟. رد بسؤال: أنت عايز نتكلم من برج عاجى ولا من احتياجات الناس؟.. هل أنت متصل مع الشباب واحتياجاتهم أم تقول كلاما دون أن تدرك الاحتياجات؟، ثم قال: «الآن هناك احتياج لهذا الموضوع أنا أتحرك معه، أنا أتحرك مع احتياج الوطن، والدليل خطابات قيادات الدولة، والحكومة، والأزهر، هناك احتياج حقيقى لتجديد الخطاب الدينى». بدبلوماسيته المعروفة ابتعد عن «المنطقة الخطر»، قلت له: «هل كنت متوقعًا أن يلجأ هؤلاء (لم أحدد المقصود) إلى العنف؟». فقال: «إذا عشت المفاهيم الخاطئة فإن التشدد يؤدى إلى عنف ومزيد من التطرف، الموضوع يبدأ بأفكار سلبية غير صحيحة، تؤدى للتطرف الفكرى، الذى يستتبعه العنف، وإذا كنت تقول لى هذا يؤدى إلى هذا أقول نعم الأفكار السلبية تؤدى إلى العنف». بهذه الدرجة؟، فرد: «بالأشكال الشديدة ده ماكنتش متخيل الأمور تمر بسهولة، وكنت متأكد من أن هذا الفكر يقود لكدا طبعًا». قلت له: «أى فكر؟»، فقال: «الفكر البعيد عن الإنسانية». يقول إن الفكرة الأساسية لمشروعه هى الإنسانية، إذ يرى أن هناك محاولات وقعت خلال ال100 سنة الأخيرة ل«تفريغ الإسلام من إنسانيته». أما كيف كانت هذه المحاولات فيوضح: «التفريغ عبر التشدد، وتحريم كل شيء (إن كل حاجة حرام)، والنظر للدنيا على أنها محتقرة ومرفوضة». يقول عمرو خالد: «إن أجزاء كثيرة من الفتاوى الموجودة الآن تجعل الدين ضد الحياة وليس جزءًا منها». ويواصل: «هذه الأفكار أدت إلى مفاهيم من بينها أن الدين ضد الحياة، وهذا غير حقيقي، فبينما الدين ضد توسيع فكرة البدعة حاول البعض تحويل كل شيء إلى بدعة، وبينما الدين يحترم العرف طالما لم يكن حرامًا نحن حرمنا العرف». بفعل هذه الأفكار والمفاهيم ظهر شباب يفضلون الانعزال عن الحياة، وخرجت إلى النور فكرة «الاستعلاء الإيمانى»، وأصبحنا أسرى أن العلم ضد الإسلام، وأن الغرب ضد الإسلام، والإسلام ضد الغرب. كان الحديث عن تحريم كل شيء مدخلًا للاشتباك مع بعض الفتاوى الغريبة، فسألت: «كيف تنظر إلى الفتاوى التى توصف بالمتشددة؟»، فرد: «أى فتاوى بعيدة عن الإنسانية أو تدفع الشباب لطرق بعيدة عن الإنسانية، ووحدة الوطن، والحب، والاحترام، وتؤجج ثقافة الكراهية، ضد الإسلام وإنسانيته التى نؤمن بها». ضربت أمثلة بفتاوى مناقضة لأعراف اجتماعية موروثة مثل تحريم الاحتفال بعيد الميلاد، أو عيد الأم، وقلت له: «ما رأيك فى هذه الفتاوى؟». قال: «أنا مش مفتى، لكن القاعدة التى انطلق منها والتى أخذتها من كتاب المتشددون للدكتور على جمعة أن هذه من أعراف المجتمعات التى لا تتناقض أصلًا مع الإسلام.. أنا شخصيًا بحتفل بعيد ميلادى، وبحتفل بعيد الأم مع أمى، لأننى لست منعزلًا عن الحياة، وبتعامل مع أمى بإنسانية». كما يرى فإن كل هذه المفاهيم غريبة عن الإسلام، وتحتاج إلى إزالة، وهذا هو مشروعه. ■ ■ ■ لاحظت أن عمرو خالد طوال حديثه لم يذكر اسم أى جهة سوى تنظيم «داعش» الإرهابى، وقد حاولت أن أجره للحديث عن «الإخوان المسلمين»، ففضل أن يتحدث عن أفكار لا جماعات بعينها. قلت له: «لماذا تتحدث عن داعش فقط؟»، فقال: «بل كل فكر متشدد ومتطرف دون تسمية الأسماء». سألت: «لماذا حددت داعش بالاسم؟»، فرد: «لأن الأمر يتعلق بقتل وإسالة دماء على مستوى العالم، فقد أصبح موضوعًا دوليًا، فكان لنا أن نشتبك معه لنقول إن الإسلام ضد هذا الفكر». يقول: «نحن فى مواجهة صريحة مع الأفكار المتطرفة، بعيدًا عن أى أحداث داخلية، نحن متأكدون أنها ستنتهى قريبًا، ثقة فى حفظ الله لبلدنا». قلت له: من خصمك إذن؟ فقال: «ده مش بس مشروع ضد التطرف، إنما هو مشروع يستهدف إعادة الفاعلية لدور الدين فى الحياة، فقد تسببت هذه المفاهيم السلبية فى فصل العمل عن الإيمان، مش أقم الصلاة وأقم معها الحياة، بل تحول كل منهما إلى موضوع منفصل، وعندما يخرج أحد ليدعو إلى فصل الدين عن الدنيا نزعل، بينما نحن نمارسه». أعدت السؤال بصيغة أخرى: «هل يمكن أن تحدد لى خصمك بشكل واضح؟»، قال بلهجة حاسمة: «المشروع مش جاى يحارب حد، إنما جاى يدافع عن حقيقة الإسلام، ولو لمس مع حد معندوش نفس مفهومنا للإسلام فدى مشكلته». سألت: «أليس مشروعك ضد التطرف؟، فرد: «نعم»، فاستتبعت: «وماذا عن أصحابه؟»، فقال: «بالتبعية». يقول: «هذا مشروع ينافح عن الإسلام بمنتهى القوة.. نحن نقول هذا هو ديننا المضيء، وهذا هو الفهم المستنير.. هل سيتعارض مع بشر؟.. نعم، لكن هذا ما نؤمن به». هل المتشددون ضد عمرو خالد؟ أجاب بنبرة فاح منها حزن داخلى: «لو كانوا منصفين وأدركوا فكرة الإنسانية فى الإسلام هيغيروا رأيهم.. أنا مش جاى بهذا المشروع بقولهم هيا بنا إلى حلبة الصراع بل هيا إلى الحق». وفق ما يراه، فإن إقبال الشباب على الدين كان من الممكن أن يكون 10 أضعاف لولا التشدد، فقد جعلنا الدين ضد الحياة، والحقيقى أنه لا صدام بين الدين والحياة، وهذا أيضًا كان سببًا من أسباب الإلحاد. حاول الراجل طوال حديثه أن يقول: إن ما يقدمه ليس حلًا نهائيًا بل إنه «محاولة»، فأعاد على جملة ختم بها مقدمة كتابه الخاص بالمشروع: «كلامى ليس كلامًا نهائيًا، لكنه فكر إسلامى جديد أطرحه لنفكر ونتحاور فيه معًا». قال لى: «هذا فكر قابل للنقد، أسميه (وش أول)، تعالوا نتحاور عليه، وقد نجحت بشكل مبدئى فى عرضه على الشباب، والدليل أن هناك 6 ملايين متابع على (تويتر).. إحنا نجحنا فى عرض الفكر بشكل أولى على الشباب، فنحن نؤمن بأنه إذا كان الخطاب عظيمًا وقويًا، لكنه بعيد عن العرض على الشباب سيصبح بلا قيمة». سألت: «من أين نبدأ؟»، فرد: «نبدأ من الحياة.. نحن لا نريد أن نعود إلى الماضى ونطوع له العصر.. هذا أمر مستحيل لسبب بسيط هو أن الدنيا تتطور بسرعة جدًا، وعلى ذلك فالصحيح أن نبدأ من الحياة، من العصر الحالى، ونبحث، لنعرف أسئلته ومشكلاته، ثم يتوجه لها الدين ويجيب عنها برؤية جديدة». ■ ■ ■ على هامش تجديد الخطاب الدينى ظهرت دعوات ل«هدم التراث» تحت زعم التجديد، وكان أكثرها تطرفًا ما كان يقدمه الباحث إسلام بحيرى فى برنامجه «مع إسلام»، لدرجة وصلت إلى تقديم بلاغ ضده من الأزهر الشريف يتهمه ب«التطاول والهجوم على الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي وأئمة الفقه، وصولاً بالهجوم على الأزهر وشيخه، وتوجيه النقد غير المستند على دليل صحيح، والذى يفتقد إلى أدب الحوار واحترام العلماء، مستغلا حرية التعبير والاتصال المكفولة دستوريًا فى هدم تراث الأمة»، وفق نص البلاغ. سألت: «هل لديك تخوف من أن يكون تجديد الخطاب الدينى مدخلًا لهدم التراث؟»، فعاد بى إلى الوراء: «التراث مجموعة من الأفكار والمناهج المستمدة من خبرة علماء عبر التاريخ الإسلامى بشكل تراكمى»، ثم سأل: «هل تريد هدم ما يقرب من مليون كتاب يحمل مناهج فكرية متراكمة؟.. هل هذا عقل؟ أم نوع من التطرف يشبه التطرف الذى نعانى منه؟». يرى عمرو خالد أن مثل هذه الدعوات تؤجج «التطرف الآخر»، وتجعل له مبررًا: «هدم التراث فكرة متطرفة، وغير حضارية، ولم ترد فى أى فكر عالمى». كيف نتعامل معه؟ يقول: «نأخذ المفيد ونترك غير المفيد، نأخذ مناهجهم ونترك مسائلهم، نأخذ من الفقه ما يواكب احتياجات الزمن، أما أن تريد هدم التراث فهذا غير مقبول». سألت: «ماذا عن البخارى والتشكيك فى أحاديث واردة به؟»، فرد: «البخارى كتاب لجمع الأحاديث، عظمته فى منهجه، فقد خط صاحبه نظاما علميا دقيقا لصحة الأحاديث، وهو تجربة عالمية فريدة فى الأسلوب، والتشكيك يأتى أحيانًا من عدم فهم الحديث فى مكانه، والكذب أيضًا.. أنا أريد نقدا مبنيا على منهج علمى واضح يوازى قيمة الكتاب». يقول: «إن الطرق العشوائية القائمة على ثقافة الضجيج والصوت العالى تؤدى إلى عقول متطرفة ومتشددة». حينما ذكرت له اسم الباحث إسلام بحيرى، قال: «أنا لا أتعرض لأسماء.. أناقش أفكارًا». سألت: «هل هناك خطوط حمراء فى تجديد الخطاب الدينى؟»، فرد: «نعم، الأول: إلغاء الثوابت القطعية الموجودة فى الدين، وهى محددة وواضحة، وهناك مساحات شاسعة موجودة فى الحياة تحتاج إلى تجديد، والثانى: أن تفرض فكرك حول تجديد الخطاب وتقول إنه نهائى». ■ ■ ■ قلت له: «على عاتق مع تقع مسئولية تجديد الخطاب الدينى؟»، فقال: «الأزهر أولًا باعتباره المؤسسة الدينية التى تمتلك الأدوات وبها علماء كبار، وثانيًا الدعاة المخلصون إذا تواصلوا مع العلماء الكبار كما فعلت أنا مع الدكتور على جمعة، وثالثًا الشباب المطالب بالتفاعل مع هذه الأمور». أخذنى حديثه عن الأزهر للسؤال حول العلاقة بين مشروعه والمؤسسة فقال: «المشروع واصل للأزهر بشكل واضح جدًا، لأنه القائم على المشروع الأكبر بالكامل». وصلنا إلى نقطة هى الأهم فى هذا الملف، أن يكون الأزهر هو القائم على مشروع تجديد الخطاب الدينى، بينما توجه اتهامات كثيرة إلى مناهجه وجانب من علمائه بالوقوف وراء انتشار التطرف والعنف. وضعت هذه الكلمات أمامه فقال: «مش موافق.. الأزهر حمى الوسطية فى مصر قرونا طويلة». قلت له: «لكن هناك من تسرب إليه من دعاة التطرف»، فقال: «الأزهر مؤسسة مش أفراد، مؤسسة فى ضوء الظروف الصعبة التى مرت بها البلاد تقوم بدورها، ومن مصلحتنا أن ينجح الأزهر، نحن نحتاج إلى نجاحه بشدة». طرحت أمامه جانبًا من مناهج الأزهر التى يرى بها البعض تحريضًا على العنف فقال: «أنا مش الشخص المسئول عن كيفية تعديل أشياء فى الأزهر.. مش دورى، ومش شغلتى، ومش اختصاصى، ومش عايز أدخل فيه.. الأزهر من جوا أكبر بكتير.. أنا مش بهرب بدبلوماسية لكن هذه هى الحقيقة». سألت: «هل ترى أن هناك حملة موجهة ضد الأزهر وشيخه الإمام الطيب؟»، فرد: «يجب أن نفرق بين الرغبة فى التحسين والإصلاح والرغبة فى الهدم.. من لديه رغبة فى التحسين نحترم نقده، فالنقد البناء فكرة إسلامية ضرورية، وإذا كنت تتحدث عن الهدم فهو موجود فى بعض الأوقات، وهناك حملة بالفعل ضد الأزهر». أردت أن أختم هذا المحور فسألته: «إذا قلت إن عمرو خالد ودعاة الأزهر وعلماء الدين سبب رئيسى فيما نراه الآن لا أقول بتواطئهم بل بتقصيرهم.. هل تقول نعم؟». اختار أن يضع خطُا فاصلًا: «متحطنيش بدرجة واحدة مع العلماء الكبار.. أنا مش عالم أصلًا.. أنا خبير، وراجل واخد دكتوره فى التعايش فى ضوء الشريعة الإسلامية». يقول: «أنا قصرت، وكان عندى أخطاء فى بعض الأطروحات نعم.. قصرت لكن عذرى أننى لم يكن موجودًا عندى من التصور والمادة العلمية ما يكفى.. قصرت، لكنى لم أكن أسير فى (سكة غلط)، كان لازم الرسالة تكون أصح، وأعتذر عن هذا.. مش عيب إنى أقول كان عندى أخطاء، أما أن تحملنى مسئولية ما يحدث الآن حرام.. الموضوع أكبر من شخصى بكثير». وفق رأيه، فإن المعطيات التى أدت إلى النتيجة التى نشاهدها الآن معقدة ومركبة، فهناك طوفان من الأفكار المتشددة، وأوضاع سياسية واقتصادية صعبة أوصلت إلى ذلك. ■ ■ ■ يأخذ الحديث عن الإلحاد مساحة واسعة على خريطة مشروع عمرو خالد لتجديد الخطاب الدينى. للرجل وجهة نظر، خاصة فى التعامل مع الإلحاد، فهو قضية قديمة جدًا وليست وليدة اليوم: «منذ عهد إنسان الكهوف حتى إنسان ناطحات السحاب، كان هناك إيمان، وكان هناك لا إيمان الذى نسميه إلحادًا». نقلت له الانتقادات التى طالت حلقة برنامجه حول الإلحاد، وما وصف ب«الأسلوب الضعيف» فى الرد على الملحدين، فاستنكر: «مين قال إنى كنت بكلم الملحدين؟.. أنا كنت بكلم ابنى وابنك، بكلم 14 و15 سنة، مين قال إن الملحدين محتاجون كلاما منى؟.. الملحدون محتاجون إلى كلام من علماء وفلاسفة متخصصين.. فى ناس تانية كتبت للملحدين كلاما أقوى مثل الحبيب على الجفرى، ومعتز مسعود، الاثنان كتبا كلاما علميا.. أما أنا فكنت أتحدث للشباب الصغير وآبائهم وأمهاتهم». ليس الهدف منع من ألحد بالقوة، ولا دعم المتدينين.. الهدف هو الفريق الثالث الأكثر انتشارًا والأهم كفئة مستهدفة.. الشباب التائه الحائر بين الاثنين.. ليسوا ملحدين لكن بداخلهم شكوك. يضع أيضًا خطا فاصلًا: «الملحدون لن يختفوا من الوجود بالحجج القوية.. القضاء على الإلحاد لن يحدث.. فهو ظاهرة تاريخية مستمرة فى البشر: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا». أخذت الرجل إلى مساحة جديدة، فقلت له: «هل راودتك فى شبابك الأفكار والأسئلة التى تدور فى عقول الملحدين الآن؟ قال: «طبعًا، وأنا فى سن ال14، راودتنى الأسئلة، لكنى وجدت الإيمان فى جدى الذى اتبع معى الأسلوب الصحيح، فسمع أسئلتى، وأجاب عنها، والحمد لله الإيمان متغلغل فى قلبى منذ الطفولة، وكان التفكير فى هذه الأسئلة شيئا هامشيا، وأبنائى أيضًا كذلك، الإيمان متغلغل فى قلوبهم، فنحن عائلة متدينة وعلاقتها دافئة، ولا توجد أسئلة مكبوتة حول أى شيء». سألت عمرو خالد: «بصراحة.. هل الصورة الحالية للدين تجيب عن أسئلة الملحدين؟»، فرد: «فى أحيان كثيرة لا تجيب». لدى الملحدين مجموعة من الأسئلة الصعبة: «أين رحمة الله وسط هذا الشر والألم الكبير فى الأرض؟ ولماذا لم يحارب القرآن الفقر الذى هو سبب أساسى لانهيار الأمم، كما حارب المعاصى والذنوب، مما أوجد عقلية ترضى بالبطالة والكسل وترضى بالفقر باسم الدين؟ وإذا كان الهدف من الخلق هو إعمار الأرض فلماذا كانت الدعوة للعمل والإنتاج أقل أهمية فى الدين من الدعوة للعبادة والصلاة؟». قلت له: «أى الأسباب أدت إلى انتشار الإلحاد؟»، فقال: «هناك مجموعة من المتألمين نفسيًا لمشكلات أصابتهم فى الحياة، ولم يكن لديهم القدرة على مواجهتها فهربوا إلى الإلحاد، وهناك من لديهم أسئلة، ولم يجدوا إجابات عنها فابتعدوا عن الدين، والنوع الثالث (ناس مش كويسين) يمثلون وجهًا آخرًا للتطرف، إذ يرفضون صراع الأديان، وفى الوقت ذاته يدخلون فى صراع مع الأديان». غاب عن عمرو خالد أن يضع رجال الدين كمسبب لانتشار الإلحاد، وهو من قال: إن إقبال الشباب على التشدد كان سيصبح 10 أضعاف الحجم الحالى لولا التطرف. سألت: «ماذا عن رجال الدين؟»، فرد: «هو كل حاجة يتحملها رجال الدين.. كل المصايب تقول الأزهر والدعاة ورجال الدين.. كل كارثة يتحملها رجال الدين.. حرام.. أنا أسأل ماذا عن الإعلاميين؟». قلت له: «فلتجبنى أنت»، فقال: «أنتم كإعلاميين من أسباب المشكلة، المعروض على الشاشات فى رمضان مثلًا من أسباب المشكلة، اختيار الأخبار المثيرة دون البناءة من أسباب المشكلة.. كلنا شركاء فى المسئولية، بل الإعلام مسئول عن أشياء كثرة». استوضحت منه فقال: «من غير ما تزعل.. الإعلام شارك فى انتشار ثقافة الضجيج والصوت العالى بلا محاولة لعرض صوت العقل.. التوك شو يبحث عن الإثارة ولا يبحث عما يبنى.. الصحافة تفكر فى المانشيت قبل القيمة.. المانشيت غلب القيم الحقيقية فى الصحافة». ■ ■ ■ بقى لدى ثلاثة أسئلة سريعة طرحتها على عمرو خالد قبل أن أغادر منزله لانتهاء الحوار. الأول حول الدعوة إلى الله بأسلوب التنمية البشرية، وهى الطريقة التى لم تلق إعجاب البعض. قال لى: «مالها التنمية البشرية؟.. هى دعوة مرتبطة بعمق الإسلام.. مش حرام ولا عيب.. بل ترتقى بالإنسان وتجعله أكثر قوة وصلابة.. هى والإسلام يتعاونان معًا، والفصل بينهما يفقد الدين مزيدا من فاعليته». السؤال الثانى اختص باتهام وجه إلى «الدعاة الجدد» ب«تفريغ المساجد» من أهلها. بمعنى أوضح، فإن المسلم إذا كان عليه أن يذهب إلى المسجد ليسمع لأمور دينه، فإن باستطاعته الآن أن يجلس أمام التليفزيون -دون أى جهد- ليعرفها. يقول: إذا أردت حديثًا أكثر عمقًا، فأنا أسألك: «إنت عايز توصل للناس ولا الناس تجيلك؟». أجبت: «أوصل للناس»، فقال: «خلاص إنت بتوصل والناس بتجيلك يوم الجمعة وفى الصوات الخمس». جمهور المساجد –كما يقول– متدين بالأساس، ولا يتحاج للوصول إليه، أما هؤلاء -غير المتدينين - فهم من نحتاج للوصول إليهم، فنحن 90 مليون مواطن. الأخير كان توضيحًا أردته من عمرو خالد حول وصفه الإسلام بأنه «دين شعبى»، فقال: «ليس من حق أى تيار أن يقول إن ما يقدمه هو الإسلام، فيكون كل تصرف له محسوب على الإسلام.. الإسلام مثل نهر واسع يحمل كل الآراء والأفكار وليس منغلقًا على أحد.. هو دين الشعب، لا يحتكره أحد، أو يتكلم باسمه، أو يسيطر به على أحد». يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أُمَّتِى لَنْ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ».