سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المجتمعات العربية وصناعة "الدواعش".. عكاشة: الكراهية والتهميش أولى مراتب التطرف.. بحري: العنف المدرسي والأسري والإعلامي أسباب لتفشي العدوانية.. هالة: البيئة غير السوية تفرخ الإرهابيين
لم تعد أحداث العنف التي تطالعنا بها الأخبار ما بين الساعة والأخري ، من تفجيرات بنية تحتية او استهداف شخصيات عامة ، وتدمير مقار سيادية ، بالأمر المثير للدهشة أو الغرابة وكأن هذا ما ألف عليه أبنائنا الأولون ،وكأنه ارث الأجداد ، وكأن العنف وايذاء الآخر والتحقير من شأنه والرغبة في التدمير و التخريب ، أصبح أسلوب حياة ، تري هل العدوانية فطرة وطبيعة انسانية ام انها جينات خبيثة ، وماذا عن الارهاب هل هو ثقافة مستورة ام انه صناعة شرقية انفردت ببراءة اختراعها المجتمعات العربية الفقيرة ،وكيف يتحول الملاك الصغير "الطفل" الي امير تنظيم مشبوه أو مقاتل في جماعة تكفيرية ،وكيف نجفف منابع التطرف التي يتغذي عليها اطفال اليوم ، إرهابيو الغد وماهي ألوان واشكال العنف في مجتمعنا ولماذا أصبح العنف المجتمعي يشغل كل هذا الحيز من حياتنا ويتحكم في مراحل تنشأة ابنائنا ،اين ثقافة احتواء وقبول الاخر بل واين الرحمة في التعامل مع الحيوان واين ادب الحوار في الاعلام ومن المسئول عن وجود معلم "داعشي" وطالب" حوثي"، وعلى يد من تربي بن لادن ،والبغدادي وغيرهما. تعريف العنف د.أحمد عكاشة ، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي ،يعرف العنف بأنه سلوك غير سوي يصاحبه ايذاء باليد او اللسان للآخر يعتمد علي الكراهية والتهميش للغير، إما بالحط من قيمته أو تحويله إلى تابع أو نفيه خارج الساحة أو بتصفيته معنويا و جسديا، من اجل استبعاده كقيمة مماثلة للأنا تستحق الحياة والاحترام ، وقد يكون الخصم فردا أو جماعة أو دولة يراد لها التدمير الامني والمجتمعي كردة فعل تشعره بالرضا. طريقة عمل الارهابي الصغير بعد ان تغذي الطفل منذ نعومة اظفارة علي كل موائد العنف المذكورة ،لا يكن امامه سوي خيارين الاول ان يكون شخص مضطرب نفسيا يعاني من الاكتئاب واليأس سلبي ، او اخر يحمل نفس الصفات فضلا عن رغبته في الثأر والانتقام ولما لا والأم "المعلمة الاولي" تنصح طفلها قبل ان يخرج للعب مع رفقائه وتقول"اللى يضربك اضربه" وحين يذهب الطفل للمدرسة يجد معلم "داعشي" لا تخلو يديه من جريدة او خرطوم او مسطرة حديدية وكأنه منتدب لتأديب ابناء كفار قريش، يعود الطفل للبيت يجد اباه يسب ويضرب امه ويهددها بالطلاق ان لم يطردها خارج المنزل. يخرج مع والده في السيارة فيجد عالم اجرامي متنقل ،سواقين ميكروباصات يرفعون السلاح الابيض في وجه بعضهم البعض ،واخرون يتصادمون بسياراتهم الخاصة، ، يفتح التلفاز فيجد كل برامج الاطفال والكرتون تدعو للقتال والدم والانتقام ،يذهب للنادي فيجد المدرب يحرمه من التمرين ويميز عليه ابن فلان ، يمر بالمرحلة الثانوية فيمر بكل الوان العنف والضغوط النفسية من اجل الحصول على مجموع ، ثم ينتقل للجامعة فيجدها مقر للمظاهرات والاحتجاجات التي تنتهي بتدخل الامن والضرب بالعصي والحجارة ، يتخرج الشاب فلا يجد وظيفة تأويه ويظل في حالة توبيخ من الابوين وشعور بالفشل يتزوج بعد سن الثلاثين فيكون لزوجته نصيب الاسد من كل ما تشبع به زوجها من عدوانية وكبت واحباط وعنف ومن ثم ينتقل الوضع للأبناء وهكذا تكون دورة الارهاب قد اكتملت. د. هاله ابراهيم، استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس تقول : اذا اردت ان تجعل من الملاك الصغير ارهابي كبير فما عليك الا ان تدفع به في مجتمع غير سوي ، لا يتحدث الا بلغة العنف ، لا يفهم الا قانون الغاب ، لا يرتدع الا بالصوت العال، مجتمع منطوي على مشكلاته ، عنيفا في كل تحركاته وسكناته ، مجتمعات فطمت علي الظلم وعدم المساواة ، بشر مضغوط نفسيا واجتماعيا يترجم انفعالاته بتجهيل وتهميش وتدمير كل من حوله ، ومن ثم تبدأ عملية" التفريخ " بظهور اجيالا عدوانية لديها كل ما يلزمها من ادوات تمكنها من الانتقام او على اقل تقدير تساعدها على الفشل والشعور بالإحباط واليأس. تحضير الارهابي العنف المدرسي : بعدما كانت راية العلم والبيت الاكاديمي لتلقي العلوم و الاداب التربوية اصبحت مدارسنا ساحة للتعذيب والانتقام "جوانتانمو" ، بعد ان شملت كل الوان العنف سواء ما بين المعلم والطالب او ما بين المعلمين بعضهم البعض وتناحرهم على الطلبة والدروس الخصوصية، او بين الطلبة وبعضهم البعض واستخدامهم السلاح الابيض للدفاع عن النفس، او حتى في تعاملهم من الاثاث المدرسي وتحطيمه والكتابة على الجدران وتدمير مدرسته. العنف الاسري: هو اخطر انواع العنف التي يتأذي منها كل افراد الاسرة، يمارسه الزوج علي زوجته بإهمال حقوقها المادية والمعنوية او بالمعاملة العنيفة التي تنتهي بإحداث عاهة او بالتطليق ، او سلوك مماثل من الزوجة تجاه الزوج يتمثل في التمرد والعصيان لكل أوامره، او ممارسة العنف من احدهما تجاه الاطفال سواء بالتمييز بين الاطفال في المعاملة ، او باتخاذ الضرب والتوبيخ كوسيلة للعقاب والتربية . العنف الاعلامي: من منا لم يشاهد حالة من الشجار والتراشق بالألفاظ النابية التي اصبحت السمة السائدة لبرامج "التوك شو" ومن منا لم يري الأحذية تتطاير بين الضيوف ،بل ومن منا اصبح يري اعلامي محترف يلتزم بمعاير المهنية والمصداقية والحيادية بعيدا عن فكرة الثأر لفكرته . العنف الرياضي : "خلي روحك رياضية" جملة كانت تعكس ثقافة عامة للملاعب وواقع رياضي متحضر ، لكنها انقرضت وتحولت الملاعب الخضراء لساحة قتال حمراء وانتقام سياسي ومؤامرات تنتهي بمجازر جماعية .
ويقول د. هاشم بحري أستاذ الطب النفسي إن الشعور بالاضطهاد والظلم ،الكبت ، الاحباط ، الصدمات النفسية في السن الصغير ،المعاملة العنيفة ، التوبيخ والتحقير ، وجود فراغ، بيئة عدوانية محيطة ، المفاهيم الخاطئة للرجولة والشجاعة خاصة في سن المراهقة ، الحرمان من الحضن الاسري ، القهر والتمييز ،كلها اسباب تدفع الشخص لأن يكون عنيفا وعدوانيا ولدية رغبة قوية في الثأر من المجتمع الصغير "الاسرة" او الكبير "الوطن" .