القصة عمرها 40 عامًا.. كان الرئيس أنور السادات قد أصدر لتوه قرارًا بتعيين يوسف السباعى وزيرًا للإعلام، خلفًا للدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الذى بقى فى المنصب نحو عام. خدم كل الأنظمة من «عبدالناصر» إلى «الإخوان».. ورفض «السيسى» لقاءه مرتين وراء «الحوار الفشنك» يحتقر الشعب ويصفه ب«الأهبل والعبيط» وليس لديه موقف سياسى واضح يصف القضاء ب«المسيس» ويتهم السلطة باستخدامه ضد «الإرهابية» لعب دور «المحلل القانونى» لعودة «برلمان الإخوان».. وإنتاجه الفكرى «متافهت» لم يُبلغ «أبوالمجد» بإعفائه من منصبه، وسمع الخبر فى الإذاعات، فغضب كثيرًا. قرر السفر إلى الكويت، لكن الرئيس طلب منه الحضور، وعندما ذهب له وجده فى «تمشية» مع عثمان أحمد عثمان. ما لى أروى أنا والرجل يحكى الموقف بنفسه: «قلت يا ريس أنا عندى عتاب وأنا اللى فى قلبى على لسانى، قرأت إنك تعطى أوسمة للأمناء وأنا كنت أمينًا للشباب، وانتظرت أن يحدثنى أحد فلم يحدثنى فكلمت أمين المجلس فقال لى لأنك وزير فأنت ستأخذ مع الوزراء فأخذ كل الوزراء ولم أحصل على شىء». من هذه الزاوية تستطيع أن تفهم أحمد كمال أبوالمجد جيدًا، وتعرف قدره أمام نفسه. لم أكن فى أى وقت مستسيغا لنعته ب«المفكر الإسلامى»، فلا اللقب تعبير عن منجز فكرى واضح بمراجعة كل كتاباته الصحفية والسياسية والأكاديمية، ولا التجربة العملية تشى بأى فكر. فى إنتاجه الفكرى -البعيد عن الكتابات القانونية- لا تعثر له إلا على ثلاثة كتب على مدار ما يزيد على 50 عامًا، أولها: «دراسات فى المجتمع العربى»، الصادر فى القاهرة عام 1962، و«حوار لا مواجهة»، القاهرة 1988، وأخيرًا: «رؤية إسلامية معاصرة»، القاهرة 1991. يمكن أن تقول إنه استطاع أن يقتنص «اللقب الرابح» ب«شطارة المحامى». ■ ■ ■ يحمل على كاهله 85 عامًا قضاها متقلبًا بين الأنظمة، لم يضبط فى أى وقت متلبسًا بموقف سياسى أو فكرى، ومن هنا كان خادمًا للجميع. بدأها ناصريًا بعضوية منظمة الشباب الاشتراكى، قبل أن تلقى به «صراعات السلطة» إلى «السجن الحربى»، ليعود نجمه مرة أخرى مع أنور السادات، أمينًا عامًا لمنظمة الشباب، ثم وزيرًا للشباب والإعلام. ابتعد قليلًا فى بدايات عهد «مبارك»، وما لبث أن عاد فى «زى حقوقى» نائبًا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان السيد بطرس غالى، ومن بوابة صهره الناشر إبراهيم المعلم دخل إلى «حرملك السيدة الأولى». اقترب من «الإخوان» حينما أمسكوا السلطة فاختاروه بصحبة صهره عضوًا فى «جبهة الضمير»، التى ضمت شخصيات موالية للجماعة، بينها سيف عبدالفتاح، أستاذ العلوم السياسية، ومحمد محسوب، الوزير السابق، والصحفى وائل قنديل، لتشكيل «حائط صد» فى مواجهة «جبهة الإنقاذ»، أكبر كيان معارض لنظام الجماعة، واختير عضوًا فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فى المرتين، وعينه الرئيس المعزول محمد مرسى بمجلس الشورى، إلا أنه اعتذر عن «المكافأة» متعللًا ب«دوره التوافقى». هل نزيد؟ لقد لعب «الفقيه» دور «المحلل القانونى» لقرار المعزول بعودة مجلس الشعب المنحل. وفق ما يقوله القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين المحامى ثروت الخرباوى، فإن الرجل نصح الجماعة بإلغاء حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، وكتب مذكرة بالأسانيد القانونية للقرار. تتماس معلومات «ثروت» مع تصريحات «أبوالمجد» وقت أزمة عودة المجلس المنحل، إذ اعتبر أن قرار حل المجلس «سياسى ناجم عن امتزاج القضاء بالسياسة»، مشيرًا إلى أن المجلس العسكرى بقيادة المشير حسين طنطاوى اتخذ هذا القرار خوفًا من مجىء الإخوان إلى الحكم وسيطرتهم على جميع مؤسسات الدولة. ■ ■ ■ هل توقفت مرة أمام ما يقوله أحمد كمال أبو المجد؟ عن نفسى لم أفعل ذلك، وقد قرأت جل ما كتبه تقريبًا فى الشأن الدينى السياسى، فلم أجد إلا تهافتًا، وضعفًا فى الرؤية، وغيابًا عن تقديم الأفكار. لماذا نتوقف الآن؟ كان يمكن أن يمر ما قاله «أبو المجد» فى حواره مع جريدة «التحرير» قبل يومين، عن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، والحكم العسكرى القائم الآن، ألا تبدى أى تعجب فى حضرته وتأخذ ب«التفسير القريب». إذا لم يكن إخوانيًا، فهو إخوانى تحت الطلب. أستطيع أن أستسلم إلى هذا التفسير، وأمامى الآن بلاغ موجود فى أدراج نيابة أمن الدولة العليا، يتهمه بموالاة جماعة الإخوان المسلمين، والتفاوض مع جماعة إرهابية فى خيانة للوطن فى تحدٍ لمشاعر المصريين، وإضافة شرعية لجماعة لا شرعية لها والنقص من شرعية الدولة والشعب، لكننى أراه سطحيًا بأكثر مما ينبغى. فى فهم موقف أحمد كمال أبوالمجد من الشعب تفسير لكل ما يقوله (الحكم العسكرى)، أو ما ينادى به (المصالحة مع الإخوان المسلمين). من بين أبرز سماته أنه يحتقر الشعب بل يراه أصل الشرور. كان «أبوالمجد» يتحدث لجريدة «الوطن» على هامش الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس مرسى وأثار غضبًا واسعًا فى الأوساط الشعبية والسياسية. سألت «الوطن»: «كيف ترى سحل مواطن مصرى وتعريته عند قصر الاتحادية من قبل قوات الأمن؟». جاءت إجابة «أبو المجد» كاشفة لموقفه من الشعب: «أرى فى هذا المشهد جزءًا من كل، والكل هو الفوضى، وسوء أخلاق الشعب المصرى المعاصر، وليس هؤلاء هم المصريون الذين تربينا بينهم أبدًا، وهذا المنظر هلس فى هلس، وعواقبه كارثية، لأن العاقل لا يقوم بدوره ويعقل المجانين، ومن يقول لك الآن إن المصريون أحسن ناس ضع أصابعك العشرة فى عينيه، وقل له إنهم كانوا أحسن ناس وأدوا أدوارًا تاريخية عظيمة جدًا، لكن يبدو أن هؤلاء انقرضوا ولم يعد بينهم رجل رشيد، فماذا تنتظر؟». مع حوار «الوطن» مرة ثانية، وفى إجابته عن السؤال: «كيف ترى إعلان بعض القوى أن شرعية مرسى سقطت لم سال من دماء؟»: «من يقولون إن شرعية الرئيس سقطت أقول لهم بطلوا عبط.. شرعية الرئيس لم تسقط، ولا يوجد فى العالم شرقه وغربه أعبط ولا أهبل ولا أجن من شعب مصر، ولا توجد شرعية تسقط بين يوم وليلة، انتم بتهرجوا ولا بتهزروا ولا إيه الحكاية بالظبط، ولكن نقول للرئيس: أنت فى الحكم باسمنا، ونحن نراقبك ونتابعك وننتقدك، وعليك أن تتحمل نقدنا لأننا من أتينا بك، هذا هو الكلام الذى لا بد أن يقال، وإنما يأتى ولد عبيط أهبل عنده 16 سنة ويقول لك سقطت شرعية النظام، قل له يا واد يا عبيط روح لأمك وأبوك». فى الحديث الأخير مع «التحرير» لم يتوقف تطاوله أيضًا: «الإنسان المصرى فوضوى ولا يحسن أن يكون نظاميًا أو منظمًا... المصرى نصاب وكذاب». ■ ■ ■ يعرف أحمد كمال أبو المجد أن لا أحد يشعر به، يرى فى نفسه مفكرًا وفقيهًا لم يسمع له أحد على مر العصور، ومن هنا يصب غضبه -كلما سنحت الفرصة- على هذا الشعب. يطرح موقفه دون النظر إلى «أصحاب القضية الأصليين»، هو لا يعترف بهم أصلًا، فإذا كان يرى فى مصالحة الإخوان المسلمين الطريق السليم فبها وتمت، لا أهمية ل«رأى العبط»، بل المفكر الكبير هو من يحدد الطريق وعلينا جميعًا أن نسمع. قصة الرجل مع المصالحة تستحق أن تروى. عقب زوال حكم الإخوان شعر بتجاهل كبير فلم يعد ضيفًا على القصور الرئاسية باعتباره شخصية عامة يلتفت إلى رأيها فى الأوضاع السياسية، وغابت عن مكتبه دعوات حضور جلسات الحوار المجتمعى، وتجاهلته وسائل الإعلام فأراد أن يطفو على السطح مرة أخرى فى دور «العرّاب» بين النظام والجماعة. فى أكتوبر من العام 2013، طرح مبادرة للمصالحة بين الدولة والإخوان»، شملت بنودًا بينها الإفراج عن قيادات الجماعة المحبوسين، والسماح للجماعة بمزاولة العمل السياسى من خلال حزب الحرية والعدالة، على أن تتعهد من جانبها بوقف التصعيد. التقى «أبوالمجد» القياديين الإخوانيين محمد على بشر، وعمرو دراج، للتباحث حول مبادرته، وطلب تفويضًا من الجماعة لإدارة حوار مع الدولة إلا أنه فشل فى النهاية فى التوصل إلى نتيجة لما وصفه ب«تعنت صقور إخوان طرة». بدا بلا أى قيمة، فلا الجماعة التى يحتفظ بدلال عليها أنصفته، ولا الدولة التى قال إنه تحرك بضوء أخضر منها قبلت مبادرته. يعشق أحمد كمال أبو المجد - على طول عمره - الأضواء وإن جلبت عليه اللعنات. لم يفهم الدرس الذى تلقاه من مبادرته الأولى، فعاد مرة ثانية بعد أشهر طويلة، بالتحديد فى يوليو 2014، ليطرح مبادرة للمصالحة بين النظام والجماعة، إلا أنها وجهت هذه المرة ب«عنف إخوانى»، على لسان حمزة زوبع، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة المنحل: «لا نريد ولا نرغب فى التعامل مع المبادرات التى تأتى ممن سكتوا على الدماء ورقصوا عليها». هل تعلم من الدرس الثانى؟ أتركه ليجيب: «لا على الإطلاق، ما زلت متمسكًا بالمصالحة حتى الآن ولأبعد درجة ممكنة، الزمن لم يتجاوز فكرة المصالحة». يرتبط تمسك «أبوالمجد» بمصالحة «الإخوان المسلمين» برأيه فى الأحكام الصادرة بحق كوادر وعناصر الجماعة ففى إجابته عن السؤال: «هل ترى أحكام الإعدام الصادرة ضد أعضاء جماعة الإخوان مسيسة مثلما يروج البعض؟»، رد: «بالطبع.. بعض هذه الأحكام مسيس بنسبة 100٪». ■ ■ ■ لماذا يخشى أحمد كمال أبوالمجد السيسي؟ بين يدى معلومات تقول إن المحامى طلب لقاء الرئيس مرتين، إلا أن الرفض كان نصيبه فى كل مرة، بل قوبل الطلب بسخرية «السيسى» من الدور الذى يلعبه «أبوالمجد». المرة الأولى كانت بعد شهر من وصول «السيسى» إلى السلطة، تقدم «أبو المجد» بطلب إلى رئاسة الجمهورية لمقابلة الرئيس، ولم يتلق ردا، والثانية كانت فى أكتوبر 2014، وتلقى نفس الرد أيضًا. ترك الرد الرئاسى غصة لدى «المفكر»، فاستغل أول ظهور له ل«يطلق قنابله» التى يعتقد أنها مؤثرة ضد النظام بكامله. نفسية المحامى تسيطر على أحمد كمال أبوالمجد، ففيما كان يشن هجومًا على «النظام العسكرى الذى يتدثر بغطاء مدنى»، كان هناك عرض للخدمات أيضًا. كان السؤال: «كيف نخرج من هذا الخندق الذى نوجد فيه حاليًا بين نظام تراه يحكم بقبضة عسكرية وبين جماعة تريد العودة من جديد إلى الساحة واختطاف المجتمع؟ حملت الإجابة رسالة أراد أن يمررها للنظام: «أنا هنا». أجاب «أبو المجد»: «نقطة البدء هى أصعب نقطة والحل هو إيجاد مجموعة من الأشخاص غير محسوبين على أى طرف، ولهم ولاء لوطنهم ولهم قدر كبير من المعرفة، وليكونوا 15 شخصًا من أجل الخروج بمعادلة سليمة يمكن من خلالها تقليل حجم الخسائر والخروج من هذه الأحداث، بحيث يتم وضع شروط تجعل عددًا أكبر من الإخوان يتفاهم والحكومة توافق، وهذه مهمة محفوفة بالمخاطر».