الدكتور «إبراهيم الفقي» مات مع شقيقته مختنقين ولم يحترقا.. وابتسامته كانت تملأ وجهه رجال الحماية المدنية أبطال في الخفاء، فكثير من الناس لا يعرفون طبيعة عملهم والمجهود الشاق الذي يقومون به وما يواجهونه من متاعب، وكثيرا ما يسقط منهم الشهداء ولا نعرف عنهم شيئا؛ فهم يعملون في صمت ويرحلون في صمت، واليوم سوف نتحدث مع أحد قيادات الحماية المدنية اللواء ممدوح عبدالقادر في حوار خاص ل«البوابة» نتحدث فيه عما لا يعرفه الناس عن طبيعة المجهودات التي يقومون بها والمخاطر التي يتعرضون لها كل لحظة والتي تؤدى إلى استشهاد الكثيرين منهم، غير عابئين بالموت مقابل إنقاذ مواطن مصرى. ■ بداية، متى انتقلت للحماية المدنية؟ - انتقلت للعمل للحماية المدنية منذ 10 سنوات، وكانت في ذلك الوقت تسمى بالدفاع المدنى وتلقيت بعض التدريبات قبل العمل بالحماية المدنية. ■ كيف يتم اختيار رجال الحماية المدنية وهل توجد دورات تدريبية لصقل مهاراتهم؟ - يتم اختيار جميع العاملين سواء من الأفراد أو الضباط أو المجندين بشكل دقيق، وأول شيء يجب أن تكون لديهم الرغبة الشديدة في العمل بهذا القطاع، لأنه عمل إنسانى بالدرجة الأولى، ولو أي أحد جاء ليعمل بالحماية المدنية على أنه مجرد تأدية عمل فقط سوف يفشل فشلا ذريعا، أما بالنسبة للتأهيل، فأهم شيء هو التأهيل النفسى لأنه يتعرض لمواقف يجب أن يتعامل معها بذكاء ومهارة، وعلى سبيل المثال لو جاء لنا بلاغ أن عدة أشخاص محشورون داخل سيارة ومقلوبة، فلو أن الفرد مدرب نفسيا سيتعامل معه بشكل جيد، ويجب أن يتحكم الفرد في أعصابه بمعنى أن يكون متماسكا أمام أي موقف للعاملين. ■ كيف يتم التعامل مع الحرائق وخصوصا لو كان الحريق كبيرا وما هي المواد المستخدمة في عمليات الإطفاء؟ - عندما نتوجه إلى مكان الحريق نعمل على عدم امتداد الحريق إلى المبانى أو الأماكن المجاورة، وأيضا نعمل على منع امتداد الحريق أفقيا أو رأسيا، ولو كان مكان الحريق به أشخاص فنحاول أولًا إنقاذ الأشخاص وبعد ذلك نبدأ التعامل مع الحريق، فإنقاذ الأرواح مهمتنا الأساسية، ونقوم بإطفاء قاعدة اللهب عن طريق توجيه وسائل الإطفاء وهى الماء وثانى أكسيد الكربون أو السائل الرغوى، وهى أشهر ثلاث مواد نقوم بإطفاء الحريق بها. ■ هل ترد لكم بلاغات كاذبة وكيف يتم التعامل معها؟ - نتعامل مع جميع البلاغات التي ترد إلى الإدارة العامة للحماية المدنية على أنها بلاغ حقيقى إلى أن يثبت العكس، ولو كان بلاغا كاذبا نتعامل معه فورا حيث يوجد عندنا تسجيل للمكالمات ونتوجه برقم التليفون الذي أبلغنا ببلاغ كاذب إلى النيابة للتعامل معه. ■ ما أغرب البلاغات التي تلقتها الإدارة؟ - هناك بلاغ لم أنسه، غريب جدًا وكان في منطقة راقية جدًا في مدينة نصر وهو انبعاث رائحة كريهة من الشقة الكائنة بالطابق الرابع، وعندما توجهنا لمكان البلاغ وجدنا أن هناك دخانا ينبعث من داخلها، فقمنا بكسر باب الشقة، وعقب دخولنا اكتشفنا أن بها شخصا متوفى من فترة وجثته مُتعفنة، واتضح أنه صاحب الشقة وموجود بها من عدة سنوات، والأغرب أن الشقة من الداخل كانت عبارة عن مقلب قمامة، وعلمنا أنه كان يحتفظ ب«الزبالة» ولا يرميها وتراكمت إلى أن أصبحت «مقلبا للقمامة» وعندما دخلنا لنتعامل كنا نكاد أن نختنق من شدة الرائحة الكريهة، والأغرب من كل ذلك أننا وجدنا جثة كلب مُتعفنة في وسط القمامة الموجودة، وعلمنا أنه كان يقوم بتربية بعض الكلاب، ومن شدة الرائحة عقب دخولنا انتشرت الرائحة في المنطقة كلها، فقمنا بمخاطبة الأهالي المحيطين والجيران بإبعاد الأطفال عن المكان لأنه كان فظيعا للغاية. واقعة ثانية ظريفة لن أنساها طوال حياتى عندما تلقينا بلاغا يفيد بانبعاث دخان كثيف من داخل إحدى الشقق السكنية فتوجهنا على الفور مسرعين؛ وعندما صعدنا إلى الشقة وطرقنا على الباب بقوة، ففتحت لنا سيدة وهى «خائفة» وقالت لنا «يا فندم إحنا بنشوى لحمة اتفضلوا معانا» وفى هذا الموقف جاءتنا هستيريا من الضحك.. وكان من أظرف المواقف الكوميدية التي واجهتنا. ■ ما هي المشاكل التي تواجهكم أثناء التعامل مع الحرائق؟ - من أكثر المشاكل التي تحدث وأهمها أننا نعانى من تدخل بعض المواطنين في عملنا، فهم يقومون بذلك وهم يعتقدون أنهم يساعدوننا مما يتسبب في تزاحم شديد وتكدس، لم نجد إلا أننا نقوم بشكرهم ونقول لهم «خدمتكم لنا أن تقوموا بإخلاء المنطقة وتتركونا نتعامل نحن»، وتعتبر هذه المشكلة من أصعب ما يواجهنا عندما تصل القوات إلى مكان البلاغ، وتحدث عدم السيطرة على عملية الإطفاء. ■ حدثنا عن الحالة النفسية لطاقم الإطفاء في مثل تلك المواقف؟ - نحن نكون في حالة استنفار شديدة جدا وأقصى درجات التفاعل مع الحدث لكى نتعامل معه، ونحاول منع الحريق، ويوجد بعض البلاغات تفلت منى نظرا لكبر حجم وضخامة الحريق وامتداده «ومش عيب» أن أطلب من القيادات الأعلى مساعدتى عندما يكون البلاغ كبيرا بالنسبة للإمكانات المتاحة لدى، فكلنا نساعد بعض والمهم في النهاية أن نحقق هدفنا وهو السيطرة على الحريق. ■ ما أهم الحالات الإنسانية التي واجهتكم؟ - جاءنا بلاغ في منطقة «مصر الجديدة» يفيد بتصاعد أدخنة كثيفة، وتبلغ لنا بوجود شخصين من ذوى الاحتياجات الخاصة وعندهما إعاقة حركية، وكانا في حالة هلع، وعندما دخلنا الشقة وجدنا شابا وشابة، مُلقين على الأرض وهما لا يعلمان ما يحدث وعندما شاهدانا بملابس الإطفاء تملكهما الخوف والهلع، وكان صعب اعلينا المنظر جدا، والحمد لله تم انتشالهما من وسط الحريق، وهناك بعض المواقف نحتاج فيها للمجازفة خاصة الحالات الإنسانية الخاصة بالبشر. وبهذه المناسبة نقوم بإنقاذ الحيوانات أيضا، ونتحرك بكل طاقتنا ومعداتنا الحديثة لإنقاذ حيوان، وأتذكر أننا تلقينا بلاغا من حى «مدينة نصر» يفيد بوجود «قطة» مُعلقة على شجرة شاهقة الارتفاع ولا تستطيع النزول، على الفور تحركنا وتوجهنا لمكان البلاغ وقمنا بإنقاذها، ويومها كان الأهالي مندهشين جدا وقاموا بالتصفيق الشديد لطاقم الإنقاذ. وأيضا تلقينا بلاغا يفيد قيام شخص بغلق شقته متوجها إلى إحدى المدن الساحلية لقضاء إجازة «المصيف» وترك كلبه محبوسا داخل الشقة، فتوجهنا فورا لإنقاذه فهو روح خلقها الله سبحانه وتعالي، وأريد أن أقول إننا نستخدم أحدث الوسائل والسلالم لإنقاذ هذه الحيوانات، ويتم الاستجابة لجميع البلاغات سواء حيوانات أو بشر ونتعامل مع البلاغ كأى بلاغ عادى. ■ ما حقيقة موت الدكتور إبراهيم الفقى؟ - وفاة الفقى كانت من أهم البلاغات التي تأثرت بها نفسيًا جدًا، وكان يوم جمعة في مدينة نصر، تلقينا بلاغا بوجود حريق في مكتب الدكتور «إبراهيم الفقي» رحمة الله عليه، فتوجهنا فورا ونما إلى علمنا أنه مكتبه وسكنه أيضًا، وعندما كسرنا الباب وجدنا الدكتور مستلقيا على السرير وعندما رأيته وقفت أمامه وكلى حزن وأسى ولولا التدريب النفسى كنت سأفقد سيطرتى في التعامل مع الموقف، ولم يصب جسد الدكتور الفقى بأى حروق كما أشيع، ولكنه توفى من شدة الاختناق وصدمة عصبية أصابته، وعندما رأيته توهمت أنه على قيد الحياة، لأن الابتسامة التي تعودنا عليها منه دائما كانت على وجهه وكان أيضا معه بالشقة أخته التي كانت ملقاة على «طرابيزة» السفرة مُختنقة أيضًا. ■ ما الاحتياجات المطلوبة من الدولة لرجال الحماية المدنية؟ - أقولها وبكل أمانة وليس نفاقا أو رياءً إن الدولة لا تتأخر عن أي طلبات لرجال الحماية المدنية سواء كانت دورات تدريبية بالداخل أو بالخارج أو أي اعتمادات مالية أو محلية أو دولية وتوجد استجابة من الدولة ولا توجد أي مشاكل والحمد لله. ■ ماذا تفعل عندما تكون الحرائق في الأدوار العليا؟ - جميع السلالم على مستوى العالم هي 54 مترا تصل حتى 14 دورا وأى مبنى يزيد على 11 دورا يجب أن يكون به طفايات ذاتية وأتكلم عن البيانات السكنية وأكثر من 17 دورا نتعامل بتقنيات معينة. ■ ماذا عن الحرائق التي حدثت أثناء ثورة يناير والتحديات التي كانت تواجهكم ؟ - أحداث يناير كانت غريبة جدا وغير مفهومة، وسوف يذكر التاريخ أن من قام بتدمير مصر هم أشخاص منزوعو الضمير والوطنية عندما قاموا بحرق المجمع العلمى وحريق الحزب الوطني، ومع شديد الأسف لم نتمكن من إخماد الحريق الذي نشب بمقر الحزب لأنه كان يحتاج إلى كميات كبيرة من السائل الرغوى، وعندما حاولنا التوجه إلى هناك اعترضنا الناس وقاموا بتكسير العديد من السيارات، وتعرضنا لكثير من الأخطار، ولا يمكن لأحد أن يتخيل موقف مجموعة من الضباط والأفراد محاصرين لمجرد أنهم يقومون بأداء واجبهم، والبعض منهم تعرضوا لمحاولات قتل وكادوا يفقدون أرواحهم. ■ كيف يتم التعامل مع الحرائق الواقعة في شوارع وحارات ضيقة؟ - يوجد إعداد مسبق قبل حدوث الحريق وذلك بالاتفاق مع المحافظة بإدخال حنفيات حريق داخل الحوارى والأزقة عن طريق مد مواسير تحت الأرض ذات أقطار مختلفة، ويوجد جزء منها الآن تحت الإنشاء وأيضا توجد سيارات صغيرة الحجم للتعامل بالأماكن الضيقة، وتقوم هذه السيارة على حمل ماكينة إطفاء لسحب المياه وضخها مرة أخرى وهذه السيارات صنعت خصيصا للأماكن الضيقة. ■ كيف تعاملتم مع حرائق الكنائس عقب ثورة 30 يونيو؟ - أي أماكن عبادة سواء كنيسة أو مسجد أو معبد يكون التعامل معه بحساسية شديدة جدا، وهذه الأماكن تكون حرائقها سريعة الإطفاء لأنها ملك لله وسبحان الله الحريق ينتهى بسرعة. ■ ما الأوقات التي تكثر بها الحرائق؟ - فترات الصيف وخصوصا عند ارتفاع درجة الحرارة فلا تتحمل الأسلاك كثرة الضغوط عليها، ومعظم الحرائق تكون نتيجة لماس كهربائي، وأيضا الحرائق تكثر في شهر رمضان بسبب الطهى المكثف في وقت متزامن. ■ لماذا لم تقم الإدارة بحملات إعلانية متلفزة للمواطنين لتجنب حدوث الحرائق وكيفية التعامل معها؟ - تم التنسيق بين الإذاعة والتليفزيون والإدارة العامة للإعلام والعلاقات لوزارة الداخلية بصفة عامة وجارٍ الآن العمل على حملات إعلانية لتوعية الناس. ■ ما الوقت الفعلى منذ تلقى البلاغ ووصولكم لمكان الحريق؟ - يوجد معيار دولى من ساعات الصباح حتى الساعة الحادية عشرة ليلا ونستعد للتحرك في أقل من 45 ثانية للخروج من نقطة الإطفاء وبعد ذلك 60 ثانية ووصولنا لمكان البلاغ يخضع لحالة الطريق، وعندما يكون الطريق مزدحما نخرج عدة سيارات من أماكن مختلفة لكى تصل سريعا من طرق تبادلية وبعض الناس تتعاون معنا أثناء التوجه لمكان الحريق. ■ ما ذكريات العمل في شهر رمضان على مدى السنوات الماضية؟ - دائما في أول يوم رمضان تحدث الحرائق، لأن الناس تفطر في وقت واحد وقد جاءنا أول يوم بلاغ عن وجود حريق بمخزن للكاوتش والبطاريات وتحركت 5 سيارات إطفاء والحمد لله سيطرنا على الحريق، وكانت الساعة السادسة والنصف قبل الإفطار بنصف ساعة وسرعة التعامل مع البلاغ أنقذت الموقف، مع العلم أن المكان كان بجانبه محطة بنزين والحمد لله تمت السيطرة عليه بفضل الله ثم جهود رجال الحماية المدنية ■ كلمه توجهها لأبطال الحماية المدنية؟ - أقول إن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وقد اختصنا الله ونتمنى الشهادة في سبيل الله، وأن نلحق بشهدائنا من الأفراد والضباط والمجندين، وأقول لهم مصر أمانة في أيديكم واهتموا بزملائنا الجدد المنضمين في مجال الحماية المدنية واقرأوا وتعلموا وازدادوا علما ويا رب ننال الشهادة.