ينظم إفطارًا جماعيًا فى رمضان ويدعو الله لحماية العرب من «الجماعات» ينشر أدعية «الشعراوي» ويبدأ خطاباته ب«بسم الله» وما تيسر من القرآن يحب المحشي والكشري والفلافل.. ويسمع «فيروز» و«أم كلثوم» يحتفل بذكرى ضحايا «محرقة هتلر» و«أكتوبر 73» و«يونيو 67» فى يوم واحد: «نحن مظاليم التاريخ» واعترافات مجندة مصرية فى الجيش الإسرائيلي رولين عبد الله.. الاسم المصري ل«دينا عوفاديا» عشت بالإسكندرية وأجبرني والدي على الحياة بلا دين.. لأنني يهودية السلفيون اقتحموا بيتي وهددونا بالسلاح و«العصيان»: «اخرجوا حالا» أحن إلى دخول مصر ب«بدلة الجيش الإسرائيلي» يعرف رجل الجيش الإسرائيلى، أفيخاى أدرعى، كيف يكسب طول الوقت، يدعو جنود الصف المسلمين، وغير المسلمين، إلى إفطار رمضانى، يقولون فيه جملة واحدة: «رمضان كريم، وكل عام والأمة الإسلامية بكل خير، أتمنى أن يكون شهرًا فضيلًا على كل المواطنين فى دولة إسرائيل.. صومًا مقبولًا وإفطارًا شهيًا». يأتى دوره ليتكلم، ولأنه أكثرهم طلاقة فى الحديث باللغة العربية لكونه عربى الأصل من سوريا، يلقى خطبة تشبه خطب الجمعة: «باسمى وباسم مؤسسة جيش الدفاع الاسرائيلى، أتقدّم بأحرّ التّهَانى والتّبريكات للمسلمين عمومًا فى كافّة أقطار العالم العربِى ولمسلمى دولة إسرائيل خصوصًا بمناسبة شهر رمضان الفضيل داعين اللّه عزّ وجلَّ أن يتقبّل منكم الصَّلاة والصّيام والدعاء ويجعلهُ شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار». ويضيف: «يحل شهر رمضان هذا العام والعالم العربى غارق فى وحول الإرهاب والتطرف، حيث تعبث الهجمات الإرهابية بسلامة المواطنين فى هذا المحيط، تستخدم اسم الإسلام وآياته، نتضرَّع إلى العليم أن يجعل من هذا الشهر خيرًا وأمنًا لسكان المنطقة كلهم، ولكل المواطنين المسلمين، وأن يقيهم شر الجماعات التكفيرية المتطرفة». ثم يبدأ فى تناول الإفطار هو ورجاله. لا يجد أفيخاى أدرعى حرجًا فى أن يشارك المسلمين دينهم، ودنياهم، ويقفز على مناسباتهم الخاصة، يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم، ويذكر آيات من القرآن فى خطاباته، ورسائله، يستعين بالأحاديث النبوية لتوصيل ما يريد». هى الحرب «الناعمة» إذن. بخلاف ما ينشره عن الجيش الإسرائيلي، يضع «فى المقدمة» أخبارًا أخرى ربما تكون أكثر فائدة بالنسبة للعرب، يقدم تسهيلات لمن يريد أن يسافر ليفطر مع أهله داخل أو خارج إسرائيل، ينشر - بالتفصيل - ما توفره سلطة الاحتلال من تسهيلات لسكان قطاع غزة لزيارة المسجد الأقصى فى رمضان. نشرة دورية لا تخلو منها صفحته خلال الشهر الفضيل. أفيخاى الشخص المناسب فى المكان المناسب.. عسكرى من يهود سوريا يكتب على صفحته دعاء من أدعية «الشعراوي» فجر كل يوم «جمعة»، ويهنئ المسلمين: «جمعة مباركة للجميع»، يتواصل مع المسلمين والمصريين وكل العرب ب«بشاشة» تنقل المواطن الإسرائيلى من خانة «العدو الوحشي» إلى خانة «الإنسان اللطيف». يصوّر نفسه كرجل عربى صاحب مزاج، يسمع فيروز، ويحب أغانى أم كلثوم، ولكن بصوت مطربة عبرية، ويأكل «المحشي»، ورغم إن الردّ الرسمى على «أفيخاي» هو الشتيمة والتهزىء، وسبّ الدين أحيانًا، يكون رد فعله ب«التى هى أحسن». خلق أنواعا جديدة من التطبيع، منها التطبيع بالصيام، والتطبيع بالإفطار، والتطبيع بالصور، التى لا يتوقف عن نشرها على صفحته. لا تخلو ذكرى «محارق هتلر» من صور احتفاليات الذكرى والنعي.. كما لا تخلو ذكرى «أكتوبر 73» من صور انتصار «تل أبيب» على الجيش المصرى (الانتصار المكذوب الذى تروّج له إسرائيل فقط)، وتغرق صفحته بصور الاحتفالات فى ذكرى «يونيو 67». صورة لقيادات الجيش الإسرائيلى تقف دقيقة حدادًا على ضحايا «المحرقة»، كان تعليق «أفيخاي» عليها: «نحن أعضاء قيادة هيئة الأركان العامة نقف هنا اليوم ونتذكر 6 ملايين، الضحايا الذين كل ذنبهم أنهم ولدوا يهودًا. فى الأسبوع المقبل سنحيى عيد استقلالنا ال67. حتى اليوم يحاول أعداؤنا الاعتداء علينا إلا أننا نجابههم وندعوهم إلى عدم اختبار قوانا. يمكننا أن نفتخر بالتعاظم العسكرى الكبير الذى يوفر الأمن لسكان إسرائيل ويضمن قيام الدولة». السم فى العسل.. يقول إنه ما زال ضعيفًا، يحتفل بالضحايا «مظاليم التاريخ»، لكنه ما زال يواجه الموت، الكلّ يعتدى عليه، ويحرقه إلى الآن، ويستضعفه.. يجعله من المقهورين فى الأرض، ويحاول تشريده كمواطن.. لكنه صامد، ويوفر الحماية لكل سكان إسرائيل. صور إن لم تعجبك.. ستثير دموعك وتعاطفك مع المواطن الإسرائيلى «المقهور». ليس ذلك فقط.. إنما يصل التشابه بين المواطن العربى والمواطن الإسرائيلى إلى حد تناول طعام كالذى يتناوله المصرى «الغلبان» بالضبط.. كشري، وفلافل، وملوخية، ومسقعة أحيانًا. نشر «أدرعي» صورة له وهو يحتفل مع مجندة إسرائيلية من أصل مصرى بخروجها من الخدمة تحت يده، إلى الخدمة فى جهاز المخابرات، يقول: «حفل الوداع فى مكتبنا كان على مائدة المأكولات العربية عامة والمصرية خاصة حيث تعرفت لأول مرة على الكشرى الأصيل من أشهر الأكلات الشعبية المصرية، كان لذيذًا». يحتفظ المواطن الإسرائيلى لنفسه بتهمة أبدية ستجرى وراءه إلى يوم القيامة.. فهو يسرق حضارات وثقافات أخرى ينسبها لنفسه لأنه بلا تاريخ ولا حضارة هل فى ذلك ظلم له؟ هو بالفعل ابن دولة جديدة.. تبحث عن تاريخ. ولأن عملية البحث متعثِّرة يسرق طعامه من مصر، وتراثه من فلسطين، وزيه من المغرب، ولا يفرق بين ما هو له، وما لغيره.. نشر «أفيخاي» صورة له وهو يتناول سندوتش «طعمية»، وكتب: «تنطلق غدًا للعام الثانى حملة يوم الفلافل الدولى على الإنترنت، حيث يعتبر الفلافل الطعام الوطنى فى إسرائيل. أنا شاركت فى الحملة اليوم فى السوق المركزية والمشهورة فى أورشليم القدس. بانتظار مشاركتكم أنتم فى الحملة غدًا». وجد من يسخر منه على «فيسبوك»، ويقول له: «إيه رأيك تروح تزور الهرم بتاعكم كمان؟»، لكن لم يجد من يواجه «أكاذيبه» بالتاريخ الحقيقى للفلافل، التى استطاع أن يسطو عليها، ويضعها بين المأكولات الشعبية الإسرئيلية، فهى أكبر من دولة إسرائيل بآلاف السنين، ولأنها «مجهولة النسب» وجدت من يقول إنها أكلة لبنانية.. ثم من يؤكد: «صنعت لأول مرة على يد المصريين القدماء». المواطن الإسرائيلي، أفيخاى أدرعي، له ضحايا، وأفكار لا بد أن يستسلم لها مصريون، وعرب، يؤمنون بها كما ينشرها، ولذلك يبسّط كل شيء، يختصر ما بين العرب والمحتل الإسرائيلى إلى مجرد اختلاف فى وجهات النظر، لكن الدم - عند المصريين - ليس وجهة نظر. من زاوية شخصية، يكشف أفيخاى أدرعى حياته الخاصة، يحاول أن يجذب بها العرب إلى أنه مواطن عادى جدًا، يتناول الإفطار مع زوجته، تبكى حين تودعه، ويقدم لها هدايا غالية، ووردة حمراء فى «عيد الحب»، ويسمعا «فيروز» معًا، يصلي، ويبكى بالدموع على كل حائط يقابله، ويشجع البرازيل فى كأس العالم. يتابع «مفتى تل أبيب»، كما يطلق عليه، مليون شخص تقريبًا، أغلبهم عرب، يعتقدون إنهم حين يواصلون سبابه على صفحته الشخصية يخسر شيئًا، لكن الحقيقة إنه يكسب.. يكفى أن ما يقوله ينتشر. اعترافات دينا عوفاديا يكشف «أفيخاي» مجندة مصرية فى الجيش الإسرائيلي، تروى القصة الكاملة لخروج «عائلة رولين عبد الله» من مصر إلى «تل أبيب»: رولين عبد الله التى ولدت فى مصر، وتحولت إلى «دينا عوفاديا»، مواطنة ومجندة فى دولة إسرائيل: عشت طفولتى فى مدينة الإسكندرية المصرية تعلمت فى مدارسها وصادقت أبناءها وبناتها. كنت أبحث دائما عن انتماء لكى لا أشعر بالاختلاف... لم يتأخر الجواب بالوصول. فبعد أن قامت مجموعة من أتباع التيار السلفى فى مصر باقتحام منزلنا وتهديدنا بالسلاح وبالعصى بأن علينا مغادرة مصر خلال فترة قصيرة، لأننا عائلة يهودية، هنا تلقيت جزءًا من الجواب ولكن ليس الجواب بأكمله نعم كانت هناك فترة مؤلمة فى مصر، ولكن هذا لا يعنى أننى لا أحن إلى زيارة الإسكندرية ورؤية منزلى وأصحابى وجيرانى، ولكن المرة أرغب أن تكون هذه الزيارة بلباسى العسكرى الكامل.