تاريخ العرض: 1985 إخراج: محمد فاضل تأليف: أسامة أنور عكاشة تمثيل: محمود مرسي، كريمة مختار، على الحجار، محمود الجندي، صابرين، نسرين، وجدى العربي، محمد متولى في المرات القليلة التي شاهدت فيها هذا المسلسل لم أحب شخصية أبوالعلا البشري، الشيء نفسه حدث معى عندما قرأت رواية «دون كيخوتة» للأديب الإسبانى ثيرفانتس. كنت قد سمعت عن الرواية وبطلها الكثير، ودائما ما كان الناس يستشهدون به كرمز للرجل المثالى المحارب، الذي يتصدى لشرور العالم بمفرده، والذي يوصف دوما بأنه يحارب «طواحين الهواء». عندما قرأت الرواية وجدت أن دون كيخوتة رجل أحمق، ليس لأنه يتصدى للشر فعلا، ولكن لأنه يحارب خيالات في ذهنه، وفى إحدى نوبات جنونه يتصور أن طواحين الهواء جيش من لحم ودم فيشهر سيفه ويحاربها. يعتمد مسلسل «رحلة أبوالعلا البشري» على الرواية، وأصحاب المسلسل لم ينكروا ذلك، حتى إن المخرج محمد فاضل استعان في «تترات» المسلسل ببعض لوحات تصور دون كيخوتة، وهم اعتمدوا على التأويل الأكثر انتشارا للشخصية باعتبارها تجسيدا للإنسان الفاضل والعاشق المثالى إلى حد التطرف. لم أحب في شخصية أبوالعلا البشرى سذاجته المفرطة وحشريته وتدخله في حياة الآخرين، ولكن الصدق والطبيعية في أداء محمود مرسي التمثيلى حمت العمل نفسه من الوقوع في السذاجة، كما أن أسامة أنور عكاشة، الذي لم يكن أبدا ساذجا، يحرص من حين إلى آخر على التأكيد أن بطله هو إنسان لديه عيوب وأخطاء، وأن مثاليته المفرطة تنقلب إلى الضد أحيانا، فتتحول إلى حماقة وغباء. ببعض التفكير يمكن أن تكتشف أن هناك شيئا ما في دون كيخوتة وأبوالعلا البشرى جذاب للناس، خاصة عشاق النبل والفضيلة، كلاهما يمثل الطيبة والحماس في سبيل الخير في أقصى صورها، يمكنك أن تتعامل مع الإثنين كما تتعامل مع قصص الأبطال الخارقين مثل سوبرمان ورجل المستحيل، فحتى لو كان هؤلاء الأبطال غير واقعيين، ولا يمكن العثور عليهم في الحياة اليومية، لكن لهم مكانا في نفوس وعقول الكثيرين، وحتى لو كنا غير قادرين على أن نكون مثلهم، فعلى الأقل يمكن أن نكتفى بحبهم، وهى المعانى الجميلة التي تجسدها أغنيتا المقدمة والنهاية اللتين كتبهما الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ولحنهما عمار الشريعي، واللتان يشدو بهما على الحجار، تقول الأغنية الأولى: «ماتمنعوش الصادقين من صدقهم.. ولا تحرموش العاشقين من عشقهم.. وإذا كنا مش قادرين نكون زيهم.. نتأمل الأحوال، وندرس الأفعال.. يمكن إذا صدقنا نمشى في صفهم». أما الأغنية الثانية، والتي تنطق بلسان البشري، أو كيخوتة نفسه: «لو مش هتحلم معايا.. مضطر أحلم بنفسي.. لكنى في الحلم نفسه.. عمرى ما هحلم لنفسي». يتميز «أبوالعلا البشري» بحواره الرشيق، البليغ، الشاعرى أحيانا، وعلى عكس ما يحدث في كثير من الأعمال التليفزيونية التي يصنعها متوسطو الموهبة، فإن هذا الحوار لا يهبط أبدا إلى درجة الإنشائية. أكبر ميزة في مسلسل «رحلة أبو العلا البشري» هي أنه ينجح في تحويل كل عيوب الدراما المصرية التقليدية إلى عمل راق، يسير على الخيط الرفيع الفاصل بين الفن الحقيقى والمسخ المزيف.