شريحة كبيرة من المثقفين تقضى ليالى رمضان دون جملة تصلح كبداية لفصل جديد من رواية، أو خطوط ضعيفة من الحبر الأزرق تنهى قصة قصيرة، أو بيت جديد ينقذ قصيدة من الموت مثلًا، من يصوم منهم ومن لا يصوم ربك وحده يعلمه، وماذا يحدث داخل بارات وسط البلد طوال العام كلنا يعلمه. طقوس المثقفين داخل البارات، وكيف يشرب المثقف ولماذا، وسر إغلاق البارات في شهر رمضان؟ كلها أسئلة نختلف عليها جميعًا، وتجيب أنت عنها بطريقة، ويجيب غيرك بطريقته، ويمتنع آخر. كان الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، يلتقى أصدقاءه في حي الحسين وهو في سن السابعة والعاشرة يوميًا، خاصة بعد الظهيرة عقب انتهاء اليوم الدراسي، حيث يستمر اللعب إلى أن يحل الظلام فيبدأ نداء الأهالي لأبنائهم للعودة إلى البيت. ويحكى الكاتب إبراهيم عبد العزيز، في كتابه «أنا نجيب محفوظ»، وهو سيرة حياة كاملة لصاحب «نوبل»، أن بيت القاضى كان يبدو في فرح مستمر لمدة شهر كامل وهو شهر «رمضان»، فالمنازل التي تقع في الحى كانت تفتح أحواشها للناس طيلة أيام الشهر، وكانت تأتى بالمنشدين الذين كانوا يقيمون حلقات الذكر، حيث كانت أصواتهم أول صوت منغم يستمتع به «محفوظ» وهو طفل رغم أن والده كان لديه فونوغراف. ومن هنا اعتاد محفوظ ألا يكتب في هذا الشهر إلا الشيء الضرورى ويرجع ذلك لرغبته في الاستمتاع بروحانيات الشهر الكريم، حيث كان يقضى الوقت في قراءات مختلفة أكثرها دينية، إلى جانب القرآن الكريم وكتب السير والتراجم الخاصة بمؤسسى الدولة الإسلامية وقراءات أخرى في التصوف والفلسفة، ولقاء رواد التصوف الإسلامى. وكانت قراءات «محفوظ» تتنوع ما بين الشعر الصوفى سواء عربيًا أو مترجمًا خاصة وقت الصيام وتحديدًا بين العصر والمغرب، واصفًا هذه المرحلة بالانتقال إلى الشفافية عبر تجربة فريدة تركت في نفسه أثرًا عميقًا انعكس على الكثير من كتاباته. أما علاقته بالحشيش، فالرجل كان حريصًا على التدخين حتى الأعوام الأخيرة من عمره، ويتردد على غرز الحشيش والعوامات يوميا، لأنه كان مغرما ومتيما بعالمه متوحدا به، كما أن روايته «ثرثرة فوق النيل» سببت له أزمة شديدة بسبب النقد الجارح للمجتمع المصرى لإدمانه الحشيش والخمر، ولما وقع مع الكتاب والأدباء على بيان حول حالة «اللا حرب واللا سلم» الذي وجهه للسادات وقتها، قال عنه: «حتى اللى اسمه نجيب محفوظ بتاع الحشيش وقع معاهم» ليأتى رد نجيب محفوظ عليه «كل الناس تتكلم عن الحشيش إلا أنور السادات». الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم كتب قصيدة كاملة عشقا في الحشيش يقول في بدايتها: «نفسى في صنف حشيش، ينمل الدماغ وينضف النخاشيش، علشان أنسى طابور العيش، وأخش في الغيبوبة، وأنسى مشكلة الأنبوبة، وأنسى بلدنا المنهوبة، وأنسى اللى بيجهزوه علشان يبقى رئيس للمخروبة، وأبقى مسطول وأنسى أي مسئول»، فالرجل لم يجد حرجا في الاعتراف بأن «الحشيش» نعمة من الخالق، بل أروع ما أبدعت يد الله على الأرض بعد نبات الشاى إذ طلب ذات مرة من الإعلامي طونى خليفة كوبا من الشاي، فسأله طوني: «طيب والحشيش»؟ وهنا رد «أبو النجوم» قائلا: «ياعم أنا حشاش، لو دلوقتى فيه حشيش هاشرب عادي». برز الكيف في روايات الكاتب العظيم خيرى شلبى مثل «موال للبيات والنوم»، صالح هيصة، نسف الأدمغة، منامات عم أحمد السماك، الوتد»، وكلها تعرضت لحياة الحشاشين وثقافاتهم، وإن ظلت «وكالة عطية» الرواية الأهم التي تحدثت عن الكيف، كوسيلة للحصول على السعادة المزعومة لدى طبقة من المجتمع الفقير. الروائى الراحل عرف عنه أنه «تعاطى الحشيش» وقال في أحد لقاءاته «إن جلسات الحشيش تشبه جلسات الذكر من حيث الانسجام والتوحد، وأنها تذيب الفوارق الطبقية والإنسانية بين البشر وكأنها توحد بينهم».