حصلت على لقب «سيدة الشاشة» وعمرها 20 عامًا فأُصيبت بقية النجمات بالاكتئاب وصل أجرها إلى 5 آلاف جنيه وأقرب منافسة لها 700 جنيه هل كانت فاتن حمامة محبوبة من الجميع؟ ألم يكن هناك فى مسيرتها الفنية صراعات ومنافسات وأحقاد، كعادة الوسط الفنى وأهل الفن فى مصر، والعالم كله؟ كانت فاتن حمامة فى العشرين من عمرها عندما لقبت بسيدة الشاشة العربية. فى صناعة السينما أصبحت الاختيار الأول للمنتجين والمخرجين، وفى الصحافة كانت تعد الأشهر والأكثر نجومية، ولدى الجمهور أصبح اسمها الأكثر جذبا والأكثر تحقيقا فى شباك التذاكر. ولكن لا يعنى ذلك بالطبع أنها كانت وحدها، أو أنه لم يكن هناك تفاوت فى مدى نجاح أفلامها، ولا يعنى بالطبع أن الأخريات لم يكن يسبقنها أحيانا. «خدامة» الشاشة عندما أطلقت الراحلة مريم فخر الدين صيحتها الشهيرة: « إذا كانت فاتن سيدة الشاشة.. أمال احنا كنا إيه؟ خدامات الشاشة؟!» فى أحد البرامج التليفزيونية، فى إطار ردها على أحد الأسئلة، كانت إجابتها بمثابة إلقاء حجر فى المياه الراكدة لصورة «العصر الذهبي» للفن والفنانين الكبار. أنا شخصيا لست مختلطا كثيرا بالوسط الفنى فى مصر، وغالبا ما أتجنب سهرات وجلسات النميمة، ولكن طالما سمعت فى العديد من الجلسات الخاصة للوسط الفنى بعض الشائعات والانتقادات لفاتن حمامة. معظم ما سمعته يظل مجرد شائعات، ربما تكون حقيقية، وربما تحمل جزءا من الحقيقة، ولكن من الممكن أيضا، أن تكون افتراءات ليس لها أساس من الصحة. والانتقادات تظل مجرد آراء، وانطباعات، مبنية على حوادث ومواقف شخصية بعينها، تحتمل أكثر من تأويل، ومن وجهة نظر، وغالبا ما تكون ملونة بالتحيز الشخصي، ومشاعر المنافسة والضغينة. على سبيل المثال، فيما يتعلق بحرب مريم فخر الدين ضد فاتن حمامة، والتى لم تقتصر على جملة عابرة فى برنامج عابر، يكشف الباحث السكندرى مكرم سلامة، فى تحقيق لصحيفة «الجريدة» بتاريخ 16 يوليو 2012، عن جذور الخلاف بين فاتن ومريم، التى تعود إلى أيام فيلم «لا أنام» 1956، الذى حصلت فاتن عن دورها فيه على خمسة آلاف جنيه، بينما لم يتخط أجر مريم فخر الدين وهند رستم 700 جنيه لكل منهما. وقد نصت هذه العقود التى حصل عليها الباحث على ترتيب أسماء الممثلين، كما جاء فى عناوين الفيلم، والتى تصدرتها فاتن حمامة بالطبع. وقد تسبب هذا فى نزاع بين مريم فخر الدين والشركة المنتجة، حيث قامت بإرسال خطاب لعبده نصر صاحب شركة «اتحاد الفنيين» المنتجة للفيلم، تشكو فيه من إعلان الفيلم فى مجلة «الفن»: «ساءنى جدا الإعلان المنشور فى العدد الأخير من مجلة «الفن» عن فيلم «لا أنام»، من إنتاجكم، وفيه لاحظت أنكم خالفتم نص العقد بخصوص وضع اسمى فى المكان والحجم المتفق عليه فى العقد..». بعد حوالى عام فى أكتوبر 1957، ترسل مريم فخر الدين من خلال محاميها عدلى المولد إنذارا آخر إلى الشركة المنتجة للفيلم يطالب فيه «بتعديل نسخة الفيلم المعروضة فى سينما ميامي، والإعلانات أيضا خلال ثلاثة أيام، وإلا سيلجأ للقضاء المستعجل لوقف عرض الفيلم..». راقية طفشت من فاتن من الحكايات الطريفة أيضا عن تأثير نجومية فاتن حمامة على زميلاتها فى الوسط تلك التى يرويها الصحفى عبد الله أحمد عبد الله فى كتابه «مذكرات ميكى ماوس.. 25 عاما فى الوسط الفني»، الجزء الأول، الدار المصرية للطباعة والنشر، 1961، وتحت عنوان «راقية تطفش من فاتن!»، يكتب: «.. ظلت راقية إبراهيم فتاة الشاشة الأولى بمنافسة خفيفة من أمينة رزق وفاطمة رشدى وبعض مطربات الشاشة- ولم تكن فاتن حمامة قد عادت إلى الشاشة بعد ظهورها فى فيلم «يوم سعيد»، ولم تكن ماجدة ولا سميرة أحمد ولا مريم فخر الدين ولا سائر أخواتنا فى الفن قد ظهرن بعد. وفجأة، حسب سنة التطور، تظهر فاتن حمامة، وتعود أول ما تعود فى فيلم «ملاك الرحمة» بطولة راقية إبراهيم. تعود فاتن فى دور صغير يناسب سنها وقتئذ. وتلمع فاتن من جديد، وتتجه إليها الأنظار فتاة أولى لعدد يتوالى من الأفلام، بينما تنكمش أسهم راقية وتتضاءل. فاتن تتقدم وراقية تنكمش، وفاتن تلمع، وراقية تسقط أفلامها – بالصدفة- حتى تصل فاتن حمامة إلى أجر ال5000 جنيه وهو رقم لم تصل إليه راقية، ربما ولا إلى نصفه، وهنا ترى راقية أن المجال لا يتسع لها هى وفاتن، وتسخط على البلد وعلى الأوضاع وعلى «العيال» اللى بقوا نجوم وكواكب. وإلى هيئة الأممالمتحدة، إلى نيويورك، تذهب راقية لتعمل موظفة فى هيئة الأممالمتحدة...». لقد قيل الكثير عن هجرة راقية إبراهيم، وعن كونها يهودية، وعن علاقتها بإسرائيل، ولكن ميكى ماوس يكشف هنا سببا جديدا لهجرتها، وهو صعود نجم فاتن حمامة، وهو صعود غير عادى من الطبيعى أن يثير حسد وغيرة ونميمة الكثيرات. بعض الانتقادات الأخرى لفاتن تتعلق بحسها العملي. يقال إنها كانت كثيرة الاهتمام بالمال، وطالما دخلت فى منازعات قضائية على عقود أفلامها. وقد كشف الباحث فى تحقيق آخر عن بعض الدعاوى التى قامت برفعها فاتن حمامة ضد المخرج حسن الإمام تطالبه فيها بسداد مبالغ مالية كان ينص عليها عقد أحد الأفلام.. بل إن إحدى الصحف اتهمت فاتن حمامة بأنها كانت تقرض زوجها الأول عز الدين ذو الفقار مقابل إيصالات أمانة، وأنه اضطر إلى بيع عزبة كان يملكها ليسدد لفاتن أموالها. فى كتابه «أنا والنجوم»، الكتاب الذهبي، 1965، يكتب الصحفى جليل البندارى تحت عنوان «فاتن» عن فترة البدايات التى لم تكن تملك فيها سيارة ولا منزلا، حوالى عام 1947، وكيف كانت تعود من التصوير متأخرة بعد منتصف الليل، ولكنها ترفض عروض المنتج والمخرج والبطل لتوصيلها بسياراتهم، وتصر على ركوب أتوبيس العمال، وينقل البندارى عن أحد العمال أنه قال له: «هذه الفتاة سوف تصبح نجمة درجة أولى، لا لأنها أقوى ممثلة ناشئة، وإنما لأنها أقوى فتاة من ناحية الأخلاق والسلوك!» ربما كانت فاتن حمامة قوية ولا تتهاون فى حقوقها المادية، وربما كانت تصر على أن تحصل على أعلى أجر فى زمنها، ولكن سبب هذا يعود غالبا إلى أنها لم تعتمد يوما على مصدر للدخل غير موهبتها وعملها. ماجدة انتهز خصوم فاتن حمامة قصص طلاقها وزواجها ليطعنوها، كما انتهزوا فترة سفرها للخارج لمطاردة عمر الشريف وحلم العالمية والهرب من مخابرات صلاح نصر، لينهالوا عليها بالطعنات، متخيلين وزاعمين أنها لن تعود مرة أخرى، وأنها لن تحتفظ بنجوميتها حتى لو عادت. قبلة ماجدة الأخيرة هل تذكرون حادث الضابط أبوالروس الذى تهجم على بيت يسرا وزعم أنه كان على علاقة بها؟ فى ذلك الوقت كانت يسرا على خصومة مع الممثلة جالا فهمي، ولم تجد جالا وسيلة للطعن فى يسرا إلا من خلال عمل فيلم يروى الواقعة وكواليسها من وجهة نظر أبوالروس. وحمل الفيلم عنوان «أول مرة تحب يا قلبي»، تأليف ماجدة خير الله وإخراج علاء كريم، 2003. القصة حدثت بحذافيرها عام 1966، عندما قامت ماجدة ببطولة فيلم «القبلة الأخيرة» من إخراج محمود ذوالفقار، شقيق عز الدين، وتأليف إبراهيم الورداني، رئيس تحرير مجلة «أهل الفن»، التى شنت حملة شعواء ضد فاتن حمامة بسبب طلاقها من ذو الفقار وزواجها من عمر الشريف، كما أشرنا فى حلقات سابقة. فى 1 فبراير 1966 نشرت مجلة «الكواكب» تحقيقا لعبدالنور خليل تحت عنوان: «أغرب فيلم على الشاشة المصرية.. ماجده تمثّل قصة حب فاتن حمامة»، وجاءت عبارة «قصة حب» بالبنط الكبير، جاء فيه: «خلال أيام تقف ماجدة أمام الكاميرا لتبدأ تمثيل فيلم «القبلة الأخيرة».. وفى قصة الفيلم تشابه كبير بينها وبين قصه حب فاتن حمامة وعمر الشريف، عندما تحابا وتزوجا منذ 12 سنة، بل إن هناك تعديلات أدخلت على السيناريو لكى تزيد هذا التشابه وتؤكده». ويقارن الكاتب بين الفيلم، الذى يلعب فيه رشدى أباظة دور مخرج كبير شهير، يتزوج من فنانة صغيرة، تلعب دورها ماجدة، ويجعل منها «نجمة الجماهير»، وعندما يقوم بإخراج فيلم جديد عن كليوباترا، ويستعين فيه بممثل جديد وسيم، يلعب دوره إيهاب نافع، تبدأ قصة حب بين الزوجة والشاب، وفى النهاية يضحى المخرج بحبه، ويترك زوجته للشاب. لا يتطرق الفيلم لخيانات عز الدين، ولكن يشير فقط إلى أن سبب الخلاف بين الزوجين هو انشغال المخرج الكبير بعمله وفنه. يشير عنوان الفيلم إلى القبلة التى ينتهى بها الفيلم، والتى تصبح بمثابة توثيق وإعلان لعلاقة الزوجة والممثل الناشئ، وهو يحمل إشارة مستترة إلى القبلة التى جمعت فاتن بعمر فى فيلم «صراع فى الوادي»، وفى تحقيق «الكواكب» يسأل عبدالنور خليل كاتب سيناريو الفيلم إبراهيم الورداني، الذى لم ينف التشابه، ولكنه قال إن قصصا واقعية كثيرة كانت فى ذهنه، وأنه لم يقتصر على قصة فاتن وعمر فقط. ويشير خليل إلى أن هناك تعديلات أخرى تمت فى السيناريو لتزيده قربًا من قصه حب فاتن وعمر الحقيقية. العودة التى هددت سعاد حسني إذا كانت عودة فاتن الطفلة قضت على نجومية راقية إبراهيم، كما يرى ميكى ماوس، فإن عودتها إلى مصر عام 1970، بعد منفاها الاختيارى فى أوروبا ولبنان، وغيبتها عن الشاشة لسنوات، باستثناء بعض الأفلام التى مثلتها فى بيروت، والتى قوبلت بغمز ولمز كثير حين عرضها فى القاهرة، قد أزعجت أيضا النجمات اللواتى انفردن بالساحة فى غيابها، وعلى رأسهن سعاد حسني. فى كتاب «أسماء لامعة» للكاتب مفيد فوزي، دار مدبولي، 1974، والذى يضم عددا من حواراته مع المشاهير، سبق نشرها قبل ذلك فى مجلة «صباح الخير» ومطبوعات أخرى، يوجد حوار مع فاتن حمامة غير محدد تاريخ نشره الأصلي، والأرجح أنه كان عام 1970. كانت فاتن قد عادت فى زيارة قصيرة إلى القاهرة لتشهد العرض الأول لفيلمها «الحب الكبير» الذى أخرجه هنرى بركات فى لبنان. يكتب مفيد فوزي: «أى خطأ ارتكبته السيدة حتى نلقيها بالحجارة؟ ولنفترض أنها جاءت لتكون قريبة من فيلمها الذى تتقاسم بطولته مع فريد الأطرش.. ما وجه الخطأ هنا.. لنفترض أنها جاءت فعلا – زائرة- ليس إلا.. ما جريمتها هنا؟» «.. من السذاجة أن نصف أى إنسان – فرضت عليه ظروفه أن يعيش بعيدا عن الوطن- بعدم الوفاء للوطن!» «..ما الحال، وفاتن تشعر أن مجيئها أساء البعض إلى حد وصفها «بالخداع والضحك على ذقن الجمهور الطيب»؟! إذن، فإن عودة فاتن حمامة حتى كزائرة كانت تقابل بنوع من الخوف والرفض والهجوم، ولذلك لنا أن نتصور ردود فعل بعض نجمات الوسط الفنى عندما قررت فاتن أن تعود بشكل دائم، وأن تعود إلى الشاشة المصرية بفيلم جديد هو «الخيط الرفيع». تنشر مجلة «الموعد» اللبنانية تحقيقا بعنوان «سعاد حسنى تخاصم فاتن حمامة بعيدا عن الكاميرا»، وتنشر مجلة «الشبكة» اللبنانية تحقيقا بعنوان «سعاد حسنى تشن حربا على فاتن حمامة»، والمجلتان تتهمان سعاد بأنها شعرت بالقلق من عودة فاتن إلى القاهرة بعد غياب استمر حوالى خمس سنوات، لم تقدم فيها فاتن سوى فيلمين فى لبنان، وأنها، أى سعاد، تحاول إفساد الفيلم الجديد لفاتن. تقول «الشبكة»: «وهنا بدأ تحرك سعاد حسني، فأنت عندما تستعير مقعد غيرك، تشعر بالحرج عندما ترقب المالك الأصلى يقترب من مكانك. أعلن رمسيس نجيب أنه سوف يقدم فاتن حمامة فى قصة إحسان عبد القدوس «الخيط الرفيع» على أن يتولى بركات إخراج الفيلم. وفى الوقت نفسه صرح صبحى فرحات بأنه ينتج الفيلم فى لبنان بالألوان، وأن بطولته ستكون لسعاد حسني... وانتقلت التصريحات من الصحف إلى ساحة القضاء. تبادل المنتجان القضايا، وأدخل المؤلف طرفا، وكسب صبحى جولة، وانتصر رمسيس فى أخرى.. كل هذا والفيلم يجرى تصويره حتى اكتمل فعلا.. هنا ارتفعت أول راية بيضاء فى أرض المعركة، فقد أعلنت سعاد أنها لن تقوم بالدور إذ لا يعقل أن تنافس الفنانة القديرة فاتن حمامة. وما أكثر الأحاديث السلمية على لسان كل مهزوم! كانت سعاد فى ذلك الوقت مرتبطة بعقد احتكار مع رمسيس نجيب، وتشير المجلة إلى أنها طلبت من محاميها أن ينهى العقد والسبب هو «تركيز رمسيس اهتمامه على أفلام فاتن، وإعلانه عن فيلمين جديدين تقوم ببطولتهما النجمة العائدة». ...هذه كانت نماذج من حياة فاتن حمامة، التى شقيت كثيرا فى سبيل عملها وأسرتها، ورغم أنها كانت، وسوف تبقى طويلا، كأعظم ممثلة ونجمة ظهرت فى السينما المصرية، إلا أنها كانت أيضا إنسانة مثلنا جميعا، كما كانت أيضا دلالة ودليلا على عصر بأكمله.. عصر فاتن حمامة. النسخة الورقية