أيام وتنطلق شرارة الانتخابات البرلمانية الأصعب في تاريخ تركيا الحديث التي تبدأ يوم /الأحد/ المقبل ويظهر حزب "ديمقراطية الشعوب" الكردي بارزا كحصان أسود في هذه الانتخابات المصيرية التي ستحدد واجهة تركيا السياسية في المستقبل. وللمرة الثانية تتشكل خريطة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات البرلمانية التركية بحزب كردي خالص في ثاني تجربة بعد حزب السلام والديمقراطية الكردية الذي تم تأسيسه في 2 من مايو 2008 في دياربكر وحظر من العمل السياسي من قبل المحكمة الدستورية التركية لصلته بحزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب من قبل الاتحاد الأوروبي. ويشارك في هذه الانتخابات أيضا أكثر من 20 حزبا سياسيا يتقدمهم حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) ذو الأصول الإسلامية، وحزب "الشعب الجمهوري" الذي ينادي بالحفاظ على العلمانية في مواجهة مد الإسلام السياسي وأسس على يد مصطفي كمال أتاتورك عام 1923، وحزب الحركة القومية برئاسة دولت بهتشلي. ويعول الأكراد في هذه الانتخابات على تجاوز العتبة الانتخابية والحصول على نسبة 10% من الأصوات وهو الحد الأدني المسموح به لدخول الأكراد البرلماني التركي ممثلين عن حزب كردي وتحت كتلة برلمانية كردية. ويقدر عدد الأكراد في تركيا، بأكثر من 15 مليون نسمة، نحو 20% من سكان البلاد، ويتركزون في شرق وجنوب شرق تركيا في حين يقدر عدد الأكراد القاطنين في اسطنبول بنحو 4 ملايين نسمة، خاصة بعد حملات التهجير التي قام بها الجيش التركي أثناء صراعه حزب مع العمال الكردستاني الذي تصنفه الحكومة التركية على أنه منظمة إرهابية. وينتمي 70 في المائة من الأكراد في تركيا إلى الطائفة السنية يتبعون المذهب الشافعي، في حين أن معظم الأتراك يتبعون المذهب الحنفي، وفيهم نسبة 30 في المائة من العلويين مع وجود أقلية من الشيعة. ويدخل الأكراد هذه الانتخابات بالصفة الحزبية أي بمرشحين حزبيين وكتل حزبية، وليس كشخصيات كردية مستقلة، كما كان الحال من قبل. وهذا يفرض تحديا كبيرا على حزب "ديمقراطية الشعوب" ورئيسه صلاح الدين ديمرطاش، لأنه أمام تحد تجاوز الحاجز الانتخابي، بحسب قوانين الأحزاب والانتخابات التركية، وضرورة حصول الحزب على نسبة 10% من أصوات الناخبين، حتى يكون الحزب ممثلا في البرلمان، وهذا ما قد يتيح له أن يكون مشاركا في حكومة ائتلافية، إذا لم يتمكن "العدالة والتنمية" من تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده، أو أن يحتاج إليه في تمرير قوانين تشريعية في مختلف القضايا، ومنها قوانين متعلقة بالمصالحة الداخلية أو تغيير النظام الرئاسي. وخاض رئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في أغسطس الماضي أمام الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وحصل على ما يقرب من 10 في المئة من أصوات الناخبين. لكن يمثل دخول "الشعوب الديموقراطية" على خط التشريعيات سيكون معضلة للرئيس التركي أردوغان، فإذا ما نجح في تجاوز العتبة الانتخابية، سيتحول الأكراد إلى قوة برلمانية كبيرة تقدر بنحو 60 نائبا، ناهيك على زيادة نفوذ الحزب في الوسطين الكردي والتركي، وبخاصة مع انطلاق عملية التسوية للأزمة الكردية. وقد تباينت أراء المحللين والمتابعين للشأن التركي حول فرص تجاوز حزب "ديمقراطية الشعوب" للحاجز الانتخابي 10% باعتباره سيكون "الحصان الأسود" ومفاجأة كبيرة في هذه الانتخابات إذا استطاع تجاوز هذه النسبة، فهناك من يرى أنه لن يستطيع تجاوز هذه النسبة، بسبب ضعف برامجه الانتخابية، التي ركزت على معاداة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، فضلا عن معاداة رئيس الجمهورية في معظم جولاته الانتخابية، أكثر من تركيزه على مخاطبة الناخب التركي بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي بسبب تقديم مواقفه الأيديولوجية في معاداة الحكومة على كل شأن آخر. على حد قولهم. وتظهر نتائج استطلاعات رأي أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية، تتراوح، ما بين 45 و50 بالمائة ولحزب الشعب الجمهوري ما بين 25 و29 بالمائة ولحزب الحركة القومية ما بين 14 و17 بالمائة ولحزب الشعوب الديمقراطي ما بين 8 و10 بالمائة. وهو ما سيمكن حزب العدالبة والتنمية من تشكيل الحكومة وحده ولكن حصوله على عدد من المقاعد يمكِنه من تغيير الدستور مرهون بعدم حصول حزب الشعوب الديمقراطي على 10 بالمائة. ويؤكد هذا الفريق أن المرشحين المستقلين الأكراد في الانتخابات البرلمانية السابقة حصلوا على 76ر5% من أصوات الناخبين، وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 22 يوليو 2007 حصلوا على 68ر4 بالمائة، بينما حصل مرشحو حزب السلام والديمقراطي الكردي الذي يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي امتدادا له، حصلوا في الانتخابات المحلية التي أجريت في عام 2009 على 5ر7 بالمائة من مجمل الأصوات. فهذه النتائج تؤكد أن نسبة التأييد للتيار الكردي الذي يمثله حزب الشعوب الديمقراطي تتراوح ما بين 5 و6 بالمائة، وبالتالي فإن حزب الشعوب الديمقراطي يحتاج إلى الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها من أصوات مؤيدي الأحزاب الأخرى، وقد يحصل في هذه الانتخابات على نسبة من أصوات أقصى اليسار وبعض العلويين بالإضافة إلى أصوات قاعدته الشعبية، إلا أن نسبة أصوات أقصى اليسار في تركيا لا تتجاوز 2 أو 3 بالمائة، بالإضافة إلى أن تصويت جميع مؤيدي أقصى اليسار لصالح حزب الشعوب الديمقراطي ليس مضمونا في ظل وجود أحزاب أخرى تنافس على تلك الأصوات. وأما الناخبون العلويون فيبدو أن معظمهم سيصوتون لحزب الشعب الجمهوري، بعد أن قام بإدراج عدد من المرشحين العلويين بقوائم الحزب للحيلولة دون هروب أصواتهم إلى حزب الشعوب الديمقراطي. وفي ظل هذه الأرقام والمؤشرات فإن المتوقع أن يحصل حزب الشعوب الديمقراطي في هذه الانتخابات على نسبة تتراوح بين 8 و9 بالمائة. بينما يرى آخرون أن الحزب سوف يتمكن من تجاوز الحاجز الانتخابي، لأن الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية قد يرى مصلحة في دخول حزب ديمقراطية الشعوب في البرلمان لإتمام المصالحة الداخلية مع الأكراد، وبالتالي قد يوعز إلى جهات معينة للتصويت لحزب ديمقراطية الشعوب، في معادلة انتخابية وسياسية بعد الانتخابات، فنجاح حزب ديمقراطية الشعوب، مقابل أن يدعم الحزب مشروع حزب العدالة والتنمية لتغيير النظام الرئاسي، وأن يدعم رؤية أدوغان وأوجلان للتوصل إلى اتفاق لحل المسألة الكردية في تركيا. كما يركز الحزب في حملته الانتخابية على استهداف الناخبين من فئة النساء لأن أكثر من 52% ممن يصوتون لحزب العدالة والتنمية هم من النساء، وهي النسبة الأعلى للمشاركة النسائية في تاريخ تركيا، لكن حزب الشعوب الديمقراطية يعتبر الأكثر ترشيحا للنساء، فنصف مرشحي الحزب ال 550 هم من فئة النساء، ويرى الحزب أن هناك فرصة أكبر في حشد الأصوات النسائية بما يخدم هدفه النهائي في الوصول إلى البرلمان. وفي ظل هذه الرؤي والتحليلات فإن حزب ديمقراطية الشعوب سيكون في هذه الانتخابات "حصان أسود" نظرا لجذب اهتمام الناخبين إليه فضلا عن وسائل الإعلام والخبراء والمحللين الذين بات الحزب محط اهتمامهم منذ تأسيسه عام 2012، لكن من الطبيعي في ظل هذه الافتراضات أن تؤدي خسارة الحزب وعدم تؤهله للبرلمان إلى ذهاب حوالي 58 مقعدا إضافيا لحزب العدالة والتنمية الذي سيستطيع حينها منفردا تعديل النظام السياسي في البلاد.