«لافارج» التي تمتلك العائلة أسهمًا فيها بقيمة 22 مليار دولار المستفيد الأول من القرار في «مصانع الأسمنت» مشروع استخدام الفحم بديلًا للطاقة صدر في ميلانو والحكومة روجت له إعلاميًا مصر تستورد من 6 إلى 7 ملايين طن سنويًا.. والصين أول الدول المصدرة إصرار الحكومة على استخدام الفحم بديلًا للطاقة في صناعة الأسمنت والسيراميك، كان محفزًا على الاستغراب، فهذا الإصرار لم يكن رؤية إستراتيجية مبنية على بحوث ودراسات علمية تراعى الظروف البيئية والصحية واقتصاديات السوق وغير ذلك من الأمور المرتبطة بإيجاد البدائل، لكنه كان قرارًا ارتجاليًا صدر على طريقة المسكنات العاجلة والوصفات الرخيصة لصالح فئة بعينها من رجال البيزنس لها نفوذ في دوائر صناعة القرار الحكومى، في مقدمتهم المساهمون في الشركات الإيطالية والفرنسية، التي سيطرت فعليًا على صناعة الأسمنت في مصر خاصة الشركة العالمية «لافارج» المرتبطة في ملكيتها بعائلة «ساويرس». بدلًا من أن تبادر الجهات المختصة برفع الدعم عن الطاقة المستخدمة في الصناعات الثقيلة، ومنها الأسمنت وبيعها لأصحاب المصانع بالأسعار العالمية، بما يحقق العائد المرجو لصالح الدولة، رضخت الحكومة أمام ضغوط بعض رجال البيزنس، من المسيطرين على صناعة الأسمنت، واتجهت صوب الفحم باعتباره أحد البدائل الرخيصة. إذا عرف السبب وراء ذلك التوجه المفاجئ بطل العجب، فالفوائد من استخدام الفحم بالنسبة لأصحاب المصانع تبدأ بالإعفاء من ضريبة الكربون، أما الأهم فهو تحقيق مكاسب جديدة عبر الضغط على الحكومة، تتمثل في إصدار 8 تراخيص لمصانع جديدة للأسمنت، كانت إجراءات الموافقة عليها متوقفة بسبب نقص الطاقة، لكن عقب تبنى الحكومة استخدام الفحم لم تعد هناك مشكلات في إصدار التراخيص. لذلك لم يكن غريبًا أن تنفق الشركات التي تمت خصخصتها الملايين لتهيئة الرأى العام وإقناعه بأهمية استخدام الفحم باعتباره الحل الوحيد لأزمة الطاقة، رغم عزوف العديد من الدول عن استخدامه، فضلا عن أن المخاطر الناجمة عن استخدامه دفعت مؤسسات التمويل العالمية والبنك الدولى لرفض تمويل المشروعات الصناعية المعتمدة على الفحم. القراءة الدقيقة لما جرى في الكواليس تؤكد أن الأمر برمته يدور في فلك مساعى القوى المسيطرة على صناعة الأسمنت للتحكم في الطاقة في نفس الوقت، بما يمهد للتحكم في المنتج والطاقة على حد سواء، بعيدا عن سيطرة الدولة، خاصة أن قرار استخدام الفحم في مصانع الأسمنت داخل مصر، أعلنه رسميا مدير العمليات بالشركة «جيوفانى فيريرو» أثناء اجتماع الجمعية العمومية لشركة الأسمنت الإيطالية التي عقدت في مدينة ميلانو بتاريخ 7 مارس 2014، التي تملك الحصة الحاكمة في شركات السويس وأسمنت طرة وحلوان. الحديث عن البيزنس الجديد وأضراره والمخاطر الناجمة عن استخدامه ونقله، فتح الباب على مصراعيه ليكشف تقاعس الدولة في وضع الضوابط، قبل الإقدام على أي قرار من شأنه إثارة الجدل والمخاوف من المخاطر الصحية والبيئية التي سيتحملها المواطن المصري، لكن لعالم البيزنس قوانينه الخاصة وأسلحته التي يتعامل بها.. حيث تزاحم شركة «لافارج»، التي يقف خلفها ناصف ساويرس باعتباره المدير التنفيذى لها حاليًا، مع شركتى «ميناف» و«ترسيم» الإيطاليتين مالكتي مجموعة السويس للأسمنت، إلى جانب الشركات الإسبانية والمكسيكية لاستيراد الفحم، والسيطرة على أسواقه بالداخل، حيث تجرى في الكواليس مفاوضات وضغوط تمارسها تلك الشركات، على المصانع المصرية التي بادرت بإنشاء رصيف في ميناء سفاجا مخصص لاستقبال الفحم، تكلفته بلغت 100 مليون جنيه على نفقة أسمنت قنا وشركة مصر للألومنيوم اللتين بدأتا في الاستيراد فعليا. في المقابل بدأت الشركات الكبرى، خاصة لافارج، في الحصول على توكيلات من الجهات المصدرة، على رأسها الشركات الصينية المنتجة للفحم الأرخص، لكى تجبر المصانع المصرية على التعامل معها بعيدًا عن المصدرين، بما يؤكد الاتجاه نحو الاحتكار. الحاصل أن المصانع بدأت فعليًا في استيراد الفحم من الصين، السوق الرائجة وأكبر الدول المنتجة له، ووجد رجال الأعمال في زيارة الرئيس السيسى للصين، خلال الأشهر الماضية، الفرصة سانحة من أجل فتح الباب أمام الاستيراد.. وكانت شركة لافارج التي تمتلك عائلة ساويرس نسبة 11.4٪ هي أولى الشركات التي استوردت الفحم، مستغلة وضعها في قلب الاتحاد الأوربي، وقربها من أسواقه.. هذه الشركة تمتلك حصة تقدر ب20٪، أو تزيد من سوق الأسمنت المصرية، فضلًا عن دخول شركات السويس للأسمنت، بالشراكة مع الشركة الإيطالية مالكة الأسهم الشريك الرئيسي، ثم تلا ذلك شركات قنا للأسمنت وجنوب الوادى وأسيوط ومجموعة أسيك التي كونت شركة من أجل استغلال رصيف ميناء سفاجا، إلا إن قدرتها على الاستيراد باتت مهددة بسبب صفقات التوكيلات التجارية، المعروف أن شركة لافارج الفرنسية العالمية «شركة متعددة الجنسيات»، هي أول شركة أنشأت طاحونة خاصة بها من أجل صناعة الأسمنت، وقد استقبلت الفحم عن طريق ميناءى سفاجا، والأدبية، وبدأت لافارج في استيراد الفحم منذ نوفمبر الماضي، دون أن تكون هناك ضوابط بيئية وصحية على الاستيراد، ربما قبيل أن أعلنت الحكومة عن نيتها تشغيل مصانع الأسمنت بالفحم بديلا عن الغاز، مستغلة خبرتها العالمية في هذا المجال وقدرتها على التحكم في السوق المصرية والعالمية، وقربها من دول استخراج الفحم. كانت عائلة ساويرس، قد تنبهت لأهمية هذا القطاع، لذا حاولت السيطرة عليه من خلال خلق كيانات احتكارية، تزامنًا مع بدء الدولة في بيع الشركات التابعة لها، حيث اشترت شركة أسمنت بنى سويف وباعتها في صفقة كبيرة لشركة لافارج، فيما تحصلت عائلة ساويرس على 11.4٪ من أسهم الشركة الفرنسية مقابل باقى ثمن صفقة البيع، وهو ما منح ناصف ساويرس صفة المدير التنفيذى لشركة لافارج بلدنج ماتريلز هولدنج إيجيبت. الصناعة الإستراتيجية، جذبت الطامحين والطامعين للسيطرة عليها وتحديد مقدراتها، فتعد مصانع السويس وطرة بورتلاند، وأسيوط، وحلوان هي المتحكم والمسيطر، وتمتلك هذه المصانع عددًا من الشركات غيرت أسماءها ولعبت في صناديق البورصة، فشركة لافارج الفرنسية تمتلك جملة من الأسهم تضعها في مقدمة المسيطرين على هذه الصناعة، فمجموع مبيعاتها سنويا تتخطى ال15 مليار يورو على مستوى العالم، ويتخطى رأسمالها ال3 تريليونات يورو، وهى أحد أكبر المسيطرين على صناعة مواد البناء والأسمنت في العالم، وبالتالى تسيطر عائلة ساويرس على مقدرات صناعة الأسمنت باعتبار ما تملكه من أسهم داخل لافارج. ف«السويس للأسمنت» بفروعها الثلاثة السويس والقطامية وحلوان، تمتلكها شركة ميناف الإيطالية الفرنسية بنسبة 26.05٪، وتبلغ حصة مجموعة الأسمنت الفرنسية 12.36٪، وجازل ليمتد إنك 7.61٪، وترسيم الإيطالية بنسبة 5.00٪، وبهذا تصبح شركة الأسمنت الإيطالية الفرنسية هي المتحكم، بالإضافة لشركة الأسمنت الفرنسية وهى أحد الصناديق المالية لشركة «لافارج»، كما تمتلك مجموعة «السويس للأسمنت» مصانع أسمنت حلوان بنسبة 99.5٪، وتقدر حصتها في أسمنت بورتلاند طرة المصرية ب 66.12٪، وتمتلك لافارج للأسمنت مصر «المصرية للأسمنت سابقًا» 0.14٪، وبهذا تصبح السيطرة لجناح «شركات لافارج» واضحة. فيما قال عمر مهنا، رئيس مجموعة السويس للأسمنت، إن شركات أسمنت قنا والخرافى وأسيوط وأسيك حاولت الحصول على حق انتفاع أحد أرصفة ميناء سفاجا، وتم تخصيص 100 مليون جنيه من شركة قنا للمساهمة في الشركة، وقد تم التفاوض مع شركة النصر للتعدين التي تمتلك حق انتفاع رصيف ميناء سفاجا، وبدأت مصانع الأسمنت في التعامل بالفحم بقدرة إنتاجية 7000 طن يوميا، وبدأ مصنع القطامية التابع للسويس في زيادة قدراتها الإنتاجية لتصل إلى 4000 طن يوميا، وأمام مصنع بورتلاند طرة بضعة أشهر حتى يتحول كليا إلى العمل بالفحم بطاقة إنتاجية تصل إلى 7000 طن يوميا، ومصانع أسمنت حلوان بدأت في التحول إلى الفحم تدريجيا وسيستغرق التحول قرابة ال6 أشهر بطاقة إنتاجية 11000 طن يوميا. كما شدد المهندس على موسي، رئيس غرفة البناء سابقا، على ضرورة الرقابة على نقل الفحم لأن ذلك هو الذي يمثل الخطورة وليس حرق الفحم، لأن نقله من الموانئ إلى المصانع يتطلب سيارات خاصة مجهزة، تكون قادرة على تلافى الأثر البيئى والصحى على المواطنين، وأنه ينبغى أن تمتد خطوط للسكك الحديدية من موانئ السويس أو الإسكندرية إلى مصانع الأسمنت، فهناك 3 مصانع على طريق السويس تمثل نحو 25٪ من إنتاج السوق المصرية، وهناك مصانع في قلب المدن مثل مصانع حلوان وطرة، لذا لا بد من وجود سيارات ذات مواصفات معينة. وطرح موسى تساؤلًا: ولكن هل في استطاعة شبكة الطرق المصرية والكبارى تحمل ذلك الوزن الثقيل من عربات نقل الفحم؟ فبالنظر إلى حالة الطرق أو الكبارى الرثة، التي تهدمت في أجزاء منها، هناك ضرورة ملحة من أجل صلاح الطرق والكباري، خاصة تلك الطرق التي ستعمل عليها سيارات نقل الفحم، من أجل تلافى حدوث كوارث. تمتلك مصر شبكة من الطرق بلغ إجمالى أطوالها سواء المرصوفة والترابية 163 ألف كم، منها 155 ألف كم طرق مرصوفة بنسبة 95.2٪، و8 آلاف كم طرق ترابية بنسبة 4.8٪، منها 123 ألف كم تابعة لمديريات الطرق بالمحافظات بنسبة 79.3٪، و25 ألف كم تابعة للهيئة العامة للطرق والكبارى بنسبة 15.9٪، و7 آلاف كم تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بنسبة 4.7٪، وبلغ عدد الكبارى 2370 كوبري، منها 1530 كوبرى تابعة للهيئة العامة للطرق والكبارى بنسبة 64.6٪، 586 كوبرى تابعة للهيئة القومية لسكك حديد مصر بنسبة 24.7٪، 208 كبارى تابعة لمديريات الطرق بالمحافظات بنسبة 8.8٪، و40 كوبرى تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بنسبة 1.7٪، و6 كبارى تابعة للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق بنسبة 0.2٪، وذلك طبقًا لإحصائية جهاز التعبئة العامة والإحصاء. «لك أن تتخيل كم الإهمال والانهيار في شبكة الطرق والكباري»، التي لا تستطيع تحمل تلك الأعباء الزائدة فأكثر من نصف هذه الطرق منهارة ومهدمة، ولا تستطيع تحمل الأوزان الثقيلة التي سيفرضها الوضع الجديد، فهذا أكبر من قدراتها ومن إمكانياتها، قال ممدوح موسي، رئيس جمعية نقل البضائع، إن مصر تمتلك أسطولًا من سيارات النقل يبلغ 1.013.940 سيارة، و69.998 مقطورة، و105 آلاف سيارة نقل ثقيل، وقد نقلت بضائع في عام 2014 قدرت ب950 مليون طن بضائع مختلفة، منها 650 طن بضائع صلبة، ولكن العربات التي بمقدورها نقل الفحم لا تكفى، ولا تستطيع عربات النقل أن تستوعب نقل 6 أو 7 ملايين طن فحم سنويًا، بحسب ممدوح موسى. النسخة الورقية