تشهد إيران انقسامات حادة بين الكثير من السياسيين والتيارات الإصلاحية من جهة وبين المحافظين وقادة الحرس الثورى من جهة أخرى، حول التعامل مع الأزمة في اليمن، بعد اتهامات حادة من جانب الإصلاحيين للحرس الثورى بتوريط البلاد في العديد من الصراعات الإقليمية التي تستنزف طاقة البلاد وإمكانياتها في ظل معاناتها من أزمة اقتصادية طاحنة. ووفقًا لصحيفة «جارديان» البريطانية، فإن الغرف المغلقة في إيران تشهد ما يشبه الصراع بين المؤسسة العسكرية والسياسيين حول التعامل مع الوضع في اليمن، إلى جانب انتقادات لتدخل الحرس الثورى في إدارة شئون البلاد وتوريطها في حروب وصراعات إقليمية تضر بمصالحها، وهو ما أكدته تحركات قاسم سليمانى قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، والذي يتنقل ما بين لبنانوالعراق وسوريا، لتنفيذ مخططات التوسع، كما أشارت تقارير عن ظهوره مؤخرًا في اليمن. وقال «ديفيد هيرست» خبير شئون الشرق الأوسط، إن الإيرانيين بدءوا يشعرون بالندم والقلق على التدخل في شئون دول الجوار بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات البطالة، خاصة في ظل تراجع أسعار النفط عالميًا مما أثر سلبًا على عائدات إيران، في الوقت الذي يحصل فيه الحرس الثورى على ميزانية ضخمة ويمول صراعات وحروبًا إقليمية، تؤثر سلبًا على علاقة طهران بجيرانها. ووفقًا لتقارير المعارضة الإيرانية، فإن معدلات الفقر في الجمهورية الإسلامية ارتفعت إلى أكثر من 60٪ بالإضافة لارتفاع معدلات البطالة لتصل بين الشباب إلى أكثر من 20٪، وكذلك تزايد حدة الاحتجاجات لتصل إلى أكثر من 5200 احتجاج ومظاهرة العام الماضى وتعرض آلاف المواطنين للقمع والاحتجاز والقتل. ويرى الكاتب البريطانى أن إيران قد تندم على تورطها في حرب أخرى على أرض عربية، بعد فشلها في العراق وكذلك سورية، مشيرًا إلى أن رد الفعل العربى السعودى تجاه اليمن وإنشاء تحالف عسكري قوى للتدخل هناك كان بمثابة مفاجأة مدوية أذهلت الإيرانيين الذين توقعوا أن الدول العربية لن تستطيع التحرك عسكريًا، وستقتصر تحركاتها على الإدانة والشجب فقط. ويرى «هيرست» إن هناك عدة أخطاء ارتكبها الحوثيون وإيران وحليفهم الرئيس السابق على عبدالله صالح، أدت إلى هذه الحال، وستؤثر مستقبلا على استقرار إيران والمنطقة، وربما تقضى على نفوذها تمامًا، ومن هذه الأخطاء أنها توجهت إلى الجنوب بشكل مفاجئ، وحاولت القضاء على الرئيس عبدربه منصور هادى واحتلال عدن، مما يعد خطأ استراتيجيًا كبيرًا دفع الدول العربية للتدخل سريعًا، كما أن اقتراب إيران من باب المندب جعل العالم كله يؤيد خطة الدول العربية لقلقلة من التحركات الإيرانية. الخطأ الثانى لإيران، بحسب «هيرست» كان تصريحات إيران المستفزة والمثيرة للقلق، وإعلان دعمها للحوثيين وتحذير الدول العربية من التدخل، وإعلان قائد البحرية الإيرانية أن قواته وصلت باب المندب، ثم خرج النائب الإيرانى على رضا زاكانى ليهدد السعودية قائلًا: «إن الثورة اليمنية لا تقتصر على اليمنيين وحدهم، وإنما ستمتد بعد نجاحها إلى الأراضى السعودية، كما أن ما حدث في اليمن امتداد طبيعى للثورة الإيرانية، وسوف تصبح 14 من أصل 20 محافظة يمنية تحت سيطرة الحوثيين في وقت قريب»، وهو ما شكل تحديًا سافرًا للدول العربية وليست السعودية فقط وزاد من قناعة العالم بأن إيران هي من تحكم اليمن وتحركاتها تستهدف الهيمنة وليس مجرد ثورة شعبية كما حاول الحوثيون الترويج لها. وواصل ديفيد هيرست تحليله مشيرًا إلى الضغوط الكبيرة التي تمارسها الشعوب العربية السنية على حكوماتها للتدخل في اليمن، وكبح جماح إيران خوفًا من التمدد الشيعى الكبير في المنطقة، فكان يجب أن تتدخل السعودية ودول الخليج بقوة، وزاد القلق بعد إعلان إيران بأنها وسعت نفوذها إلى أربع دول عربية إما عبر وكلائها أو قادتها وقوات نخبتها، نتيجة لفراغ السلطة، مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكى عام 2003. من النسخة الورقية