"هرم خوفو لم يكتب عليه اسم خوفو ومع ذلك تعلم مصر والعالم وعلماء الآثار من بناه".. كان هذا رد الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين عندما أخبره سجّانوه أنهم شطبوا اسمه من الصفحة الرئيسية للأخبار، فكان أمين واثقًا من نفسه ومن قوة الكلمة التي يكتبها، رغم أنه وضع في السجن بتهمة التخابر مع المخابرات المركزية الأمريكية، وهي التهمة التي وجهها إليه نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقضى بسببها تسع سنوات في السجن. وكانت القضية التي أُتهم فيها مصطفى أمين قال عنها إنه كان مُكلفًا من الرئيس عبد الناصر باستمرار الاتصال بالولايات المتحدة، وكانت القيادة تمده بما ينبغي أن يقوله لمندوبي أمريكا، وفي المُقابل كان المطلوب منه أن ينقل إلى الرئيس الراحل ما يقوله الأمريكيون، وعندما ساءت العلاقات بين مصطفى أمين وعبد الناصر، وغيره من قيادات النظام الناصري، فصدرت أوامر بالقبض عليه، وكان دليل مُحاكمته هو المعلومات نفسها التي كانوا قد أعطوها له سلفا ليُسلمها إلى المندوبين الأمريكين، وصدر عليه الحكم بالسجن تسع سنوات. ورغم الأقاويل المؤكدة أن مصطفى أمين كان واحدًا من القنوات السرية التي اعتمدها الرئيس عبدالناصر في الاتصال بالإداراة الأمريكية، خاصة أن أمين كانت تربطه بهم علاقات وثيقة منذ الثلاثينيات، وكانت سببًا في حصول عبدالناصر على أسرار كبيرة؛ فإن صلاح نصر رئيس المخابرات المصرية الأسبق ذكر في كتابه "عملاء الخيانة وحديث الإفك" الذي صدر في عام 1975 أن مصطفى أمين جاسوس بالفعل، شارحًا بالتفصيل علاقة الصحفي الشهير بالمخابرات الأمريكية، مؤكدًا أن جهاز مكافحة التجسس كان يحتفظ بملف ل"مصطفى أمين" حول علاقته بالمخابرات الأمريكية حتى من قبل ثورة يوليو. وكان رد أمين على هذه الاتهامات في رسالته الشهيرة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، والتي بعث بها من سجن الاستئناف إلى الصحفى اللبنانى سعيد فريحة، لكي يُبلغها إلى الرئيس أو ينشرها، لكنه لم يفعل خوفًا على صديقه "كانت جريمتى عند صلاح نصر أنك رشحتنى مرة مديرًا للمخابرات وأنني أبلغك ما أسمعه من الأخبار والبرقيات التي أعلمها من السفارة الأمريكية، وتذكر سيادتكم أنك قابلتني في بيتك بمنشية البكرى، وسألتك هل صحيح أنك رشحتنى مديرًا للمخابرات بدلًا من صلاح نصر، فلقت لي أنك أخبرت صلاح نصر وعلي صبري بأنك تنوى تعييني مديرًا للمخابرات، فقلت لك إنني لا أصلح إلا صحفيًا فقط، وأرفض أن أكون مديرًا للمخابرات". وفي السجن الحربي كان مدير السجن يعامل أمين معاملة سيئة كأنه أحد اللصوص، وكان يسأل الأطباء عن أنواع الطعام الممنوع من تناولها، والتي لا تتفق وحالته الصحية، ويأمر بتقديمها له متعمدًا، وكان يجُبر المساجين السياسيين من أساتذة الجامعات والصحفيين والمهندسين على حمل الأتربة والرمال والأسمنت المسلح على ظهورهم وأكتافهم لبناء فيلا اتخذها كحصن له داخل السجن الحربي، حسبما ذكر أمين في كتابه "سنة أولى سجن"؛ كذلك كان مدير السجن يمنع أمين من الشرب والأكل في أيام الحر الشديد، فكان الكاتب الراحل يضطر للشرب من المراحيض، وفي بعض الأيام كان لا يجد في المرحاض ما يُمكن أن يشرب منه. ويحكي أمين أن المشرفين على تعذيبه داخل السجن من الرجال الذين لا يكنون للثقافة والأدب أدنى أنواع الاحترام، وكانوا مخالفون لأدنى قواعد السلوك الوظيفي والأخلاقي، وكان يثير حفيظته الإنسانية هو مناداتهم له في ساحة السجن بكلمات نابية دفعته للبكاء مرارًا، أيضًا كانوا يجبرون أمين على خلع ملابسه هو وباقي زملائه المساجين، ويُسحبون على وجوههم إلى ساحة السجن من أجل الاستعراض والتسلية والترفيه، وفي الوقت الذي كانوا يموت فيه السجناء انتحارًا كانت تلك الحوادث يتم تسجيلها باعتبارها موت طبيعي بالسكتة أو الشيخوخة، رغم أن جميع المنتحرين هم من متوسطي العمر. وكان مدير السجن يجبر مصطفى أمين على كتابة اعترافات مكتوبة مُسبقًا، وكان يأمره بأن يوقع عليها، ولا يستطيع حتى الأعتراض على "الأخطاء الإملائية والنحوية" حسبما حكى أمين، فخرج الكثير من الصحفيين خارج مصر خوفًا من بطش النظام. وفي 27 يناير 1974، وبعد مرور 9 سنوات له داخل السجن، وقّع الرئيس السادات قرارًا بالإفراج الصحي عنه، ليعود مصطفى أمين إلى الساحة مرة أخرى.