على «حماس» أن تختار إما أن تكون «إخوانية» أو فلسطينية.. والحركة ارتكبت أخطاء جنونية لا تغتفر ووضعت فلسطين كلها «محلك سر» إذا ثبت أن هناك إضرارا بالأمن القومى المصرى على يد حماس.. فهذا ما نرفضه تماما.. وليس لدينا غضاضة ولا لدى أي فلسطينى أن يعلن أنه ضد أي خطر يهدد مصر على طول الخط عندما تجلس إليه لا يمكن أن تعتقد أنه مزعج بأى شكل من الأشكال، صحيح أن نظرات عينيه حادة يجيد التعبير بهما، يقتحم من أمامه، وربما يربكه أحيانًا، لكن ملامحه الهادئة وصوته المنخفض.. يجعلانك أمام سياسي يميل إلى الهدوء، لكن عندما تقرأ سيرته الذاتية جيدًا، وتفتش في أسرار حياته، وتطالع ما يقولونه عنه، ستعرف أنه الأكثر إزعاجًا لحركة حماس. في واحد من حواراته السابقة قال بشكل حاد وحاسم: القضاء على حماس واجب وطنى وأخلاقى. لم يكن الدكتور محمود الهباش، قاضى قضاة فلسطين الآن، ووزير الأوقاف في حكومتها الشرعية، يتحدث عن حركة حماس حديث المنظّر، ولكنه اختبرها واختبرته، فقد قضى عضوا بها ما يزيد على خمسة عشر عامًا، يعرفونه جيدًا كما يعرفهم. وقد يكون هذا سببا مهما من أسباب لقائى به، ليمتد الحوار بينى وبينه. قلت له: حماس تحاول الآن لملمة أطرافها، فبعد حكم القضاء المصرى باعتبارها جماعة إرهابية خرجت لتقول إنها تمثل الشعب الفلسطينى كله.. وكأنها تقول إن القضاء المصرى لو حكم علينا بأننا إرهابيون، فمعنى ذلك أن كل الشعب الفلسطينى إرهابى؟.. هل وصل الحال بحماس إلى هذه الدرجة من الارتباك؟ قبل أن يجيب عن سؤالى، قال لى: تعال نتفق أولا على أن الحكم على حماس بأنها جماعة إرهابية كان قاسيا جدا، وهم معذورون في رد الفعل، أيا كان شكله، ولم نكن نتمنى أن تصل الأمور إلى هذه النقطة، فصحيح أن حماس ارتكبت جملة من الأخطاء الجنونية التي لا يمكن أن تغتفر، إلا أنه لم يكن أحد من الشعب الفلسطينى كله يتمنى أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة، وعن مصر فهى ليست دولة عابرة على الإطلاق، بل إنها ليست كأى دولة وبالذات للفلسطينيين ولقطاع غزة على وجه الخصوص، وعندما تصل الأمور إلى ما وصلت إليه بين مصر وفصيل من فصائل الشعب الفلسطينى، مهما كانت جرائمه، فإننا نكون أمام وضع مقلق تماما، وللجميع دون استثناء. قلت له: اسمح لى، أنت تقول إنه مهما بلغت جرائم هذا الفصيل... فهل ترى أن حماس لم ترتكب ما يجب أن تعاقب عليه؟ قال: أعرف أن حماس ارتكبت من الأخطاء ما يكفى ويزيد، وهى الأخطاء التي أوصلتها إلى حافة الخطر، لكن السؤال هو: هل يمكن إصلاح ما حدث؟ لم يتركنى الهباش لاستدارك ما قاله، واصل كلامه على الفور: يمكن لحماس أن تتدارك ما جرى، وذلك من خلال توقفها الواضح والحاسم عن التدخل في كل ما يخص الشأن الداخلى المصرى، ولو حتى بإعلان التعاطف مع الإخوان المسلمين، فأنتم حركة فلسطينية والإخوان حركة مصرية، وبالنسبة لمصر هي جماعة محظورة وتم تصنيفها إرهابية، ومعنى ذلك أن أي جهة أو دولة تتعامل مع الإخوان على نحو ما لا تراه الحكومة المصرية والمصريون أيضا، يضعون أنفسهم في مشكلة ليس مع الحكومة ولكن مع الشعب أيضا، فلماذا تصر حماس على أن تجعل نفسها جزءا من المشكلة مع مصر.. لقد تدخلت في الشأن الداخلى المصرى فجرت على نفسها المشاكل، ولا يجب أن تلوم إلا نفسها. ويكشف الهباش عن جريمة خاصة ارتكبتها حماس في حق الشعب الفلسطينى كله، يقول: بعد ثورة 30 يونيو ركز الإعلام المصرى على أن حماس شريكة في عمليات إرهابية محددة، وأنها تساند جماعة الإخوان المسلمين ضد مصر والمصريين، وهو ما سبب توترا ليس بين مصر وحماس فقط، ولكن بين المصريين والفلسطينيين بشكل عام، ورغم أننا تجاوزنا هذه الأزمة سريعا، إلا أن حماس تظل متهمة بهذه الجريمة التي كان يمكن ألا نقع فيها من الأساس. هل توجد نقطة محددة يريد الهباش أن يحسمها من خلال إشاراته تلك؟ هناك بالطبع، إنه يحدد لحماس موقفها، يقول: على حماس أن تعرف أين تقف على وجه التحديد، أن تختار بمعنى أصح بين أن تكون حركة فلسطينية مجردة دون أي انتماءات أخرى، وبين أن تكون حركة تابعة لجماعة إرهابية استقر المصريون على أنها كذلك، وعندما تختار فعليها أن تتحمل وحدها وبشجاعة مسئولية هذا الاختيار. ■ ■ ■ قلت للهباش: هل هذا كل ما على حماس أن تفعله؟ جرنى معه قليلا إلى الشأن الداخلى الفسطينى، قال: على حماس أيضا أن تنفذ استحقاقات المصالحة الفلسطينية والتي منها تشكيل حكومة التوافق، صحيح أن الحكومة تم تشكيلها، لكنها حكومة لا تحكم، حكومة تتصرف وكأنها خيال مآتة ولا أكثر من ذلك، والوضع هكذا لأن حماس تريدها كذلك، ولا يمكن لأحد أن يقبل بهذا، فعلى حماس أن تمكن الحكومة من ممارسة عملها بشكل كامل في قطاع غزة. شىء آخر يطالب به الهباش حركة حماس، يقول: على الحركة أيضا أن تمكن الحكومة من السيطرة على الأمن في قطاع غزة وعلى تنظيم حركة المعابر، وذلك لضمان حماية مصالح المواطنين، وإعادة حركة إعمار غزة.. لأن ما يحدث فعليا هو أن حماس تحول دون الإعمار وبشكل كامل. الواقع يقول كما يصوره الهباش إن أي وزير في الحكومة الفلسطينية لا يمكن أن يحكم على وزارته في قطاع غزة، أعضاء الحركة يمنعون المواطنين من مباشرة عملهم، تفرض ضرائب على أي بضائع تدخل إلى القطاع، ويحصلون هذه الضرائب فورا، هذا غير الضرائب التي تفرضها السلطة، وهو ما يجعل هذه الضرائب مجرد إتاوات تحصدها حماس للإنفاق على أنشطتها التي جرت عليها المتاعب. خلاصة الأمر من وجهة نظر الهباش أن حركة حماس تسيطر على قطاع غزة بشكل غير قانونى، وتتجاوز على أعمال الحكومة، وهو أمر غير مقبول بالمرة، ولن يقر لهم أحد به. لا يزال هناك ما يواجه به الهباش حركة حماس، ويعتبره استحقاقا آخر لابد أن تقر به الحركة، يقول: لدينا أيضا الانتخابات، فعندما تم الاتفاق على المصالحة، كان مفروضا أن تجرى الانتخابات، والآن مر على تشكيل الحكومة أكثر من ثمانية شهور، والأمر كله محلك سر، ليس هناك أي حديث من أي نوع عن الانتخابات، ونحن نريد موقفا واضحا ومعلنا ومكتوبا من حماس، يقولون من خلاله إنهم يوافقون على إجراء الانتخابات وفقا لما تم الاتفاق عليه، بعدها يصدر الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن مرسوما بالموعد والدعوة لإجرائها. قلت له: ولماذا تمنع حماس إجراء الانتخابات؟ قال: إنها تتلكأ، وهذه عادة ولن تشتريها، فهى تتلكأ دائما في كل ما يخص المصلحة الفلسطينية العامة، إذا لم تجد لها مصلحة في أمر ما، إنهم يتحدثون عن توافق وطنى بشأن الانتخابات.. وأنا أسألهم: وأنتم مالكم ومال التوافق الوطنى، فمسألة التوافق ليست إلا حجة، قد يناسبك الموعد الذي يتم تحديده للانتخابات، وقد لا يناسب غيرك، ومعنى ذلك أننا سنظل هكذا في دائرة مفرغة لا تنتهى أبدا، ولا يكون هناك هدف من الدوران فيها إلا تأجيل الانتخابات أطول فترة ممكنة. ■ ■ ■ حاولت أن أخرج بمحمود الهباش من الإطار الضيق لحركة حماس، وهو الإطار الذي يحصرها بفلسطين، إلى الإطار الأوسع الذي يربطها بمصر. قلت له: لكن حماس لا تعطل سير الأمور في فلسطين وحدها، إنها تتصرف بما يشكل إساءات متكررة إلى مصر؟ قال: حماس ستظل مشكلة كبيرة مع مصر، فهى تتعمد تعطيل مصالح المواطنين، مصر لا تعترف بشرعية حماس من أي جانب من الجوانب، وعليه فهى لا تعترف بسيطرة حماس على معبر رفح، وحماس تمنع الحكومة الشرعية من السيطرة على المعابر، وتفرض ضرائب حتى على المواد الداخلة لإعادة الإعمار، وهو ما يسبب أزمة ليس مع مصر فقط، ولكن مع كل الدول المانحة التي تريد أن تشارك في حركة إعادة الإعمار، فهى تشترط – وهذا من حقها – أن يكون إدخال مواد إعادة الإعمار من خلال الحكومة الشرعية، وهو ما يعطل كل شىء. يصف الهباش حال أهالي غزة، يقول: هناك 23 ألف فلسطينى يعيشون في العراء بعد أن تهدمت بيوتهم، لا مأوى لهم جميعا، لسبب بسيط أن حماس تعطل بتصرفاتها إجراءات الإعمار. قلت له: وضعت مصر حدا لتعاملها مع حماس بالحكم عليها بأنها منظمة إرهابية، هل سيؤثر هذا الحكم على طريقة تعامل السلطة الفلسطينية معها؟ قال: تعاملنا مع حماس لن يتغير بعد هذا الحكم، فهو حكم مصرى، ولا يعنى صدوره تدخلا في الشأن الداخلى الفلسطينى من أي زاوية من الزوايا، فحماس بالنسبة لنا كانت ولا تزال حركة فلسطينية سياسية مثلها مثل الحركات الأخرى تماما، بيننا وبينها خلاف لكننا لا نصنفها بهذا الشكل. ويتوقف الهباش قليلا ليقول: أما إذا كنت تقصد تأثير الحكم على العلاقة بين مصر والشعب الفلسطينى، بعد تصنيف القضاء لحماس على أنها جماعة إرهابية، فاعتقد أن الحكم لن يؤثر سلبا على تعامل مصر مع الشعب الفلسطينى، لأن الممثل الوحيد لهذا الشعب هو القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينى، فحماس كما تعرف مصر ليست الشعب الفلسطينى كله، هي حركة تتحمل نتائج أعمالها وأخطائها وحدها، أما نحن فلسنا ملزمين بذلك. ■ ■ ■ يشير محمود الهباش كثيرا إلى أخطاء حماس التي يجب أن تتحمل نتائجها وحدها، دون أن يشير بوضوح إلى هذه الاتهامات، سألته بشكل واضح، عن الاتهامات التي تلاحق حماس، وتحديدا تلك التي تتهمها بارتكاب أعمال إرهابية ضد الجيش المصرى في سيناء، ومشاركتها جماعة الإخوان المسلمين في تنفيذ أجندتها الإعلامية؟ قال لى: ما قرأته في الصحف.. فاستوقفته قبل أن يواصل كلامه.. وقلت: لا أريد ما قرأته فكلنا قرأناه، أريد ما سمعته وما عرفته عن قرب، لكن يبدو أنه قرر أن يهرب من المواجهة. فقال: حماس متهمة وبشكل واضح بأنها تضر بالأمن القومى المصرى، ومصر تقول إن لديها أدلة وبراهين على هذه الاتهامات، وقد قال الرئيس الفلسطينى: الفيصل بيننا وبينهم في كل ما توجه إليهم من اتهامات هو القضاء، فالمتهم برىء حتى تثبت إدانته، ولهذا فنحن في السلطة الفلسطينية نتوقف عن الخوض في هذا الموضوع تماما. اعتقدت أن محمود الهباش أنهى جملته، فواصل كلامه: وإذا ثبت أن هناك إضرارا بالأمن القومى المصرى على يد حماس، فهذا ما نرفضه تماما، وليس لدينا غضاضة ولا لدى أي فلسطينى أن يعلن أنه ضد أي خطر يهدد مصر على طول الخط، لكن علينا فقط أن نثبت ذلك، فلا يجب أن نلقى بالاتهامات جزافا على الآخرين، فرغم موقفنا الناقد والمنتقد لحماس على طول الخط، إلا أن العدالة تقتضى منا أن يكون هناك إثبات على ما يسند إليها من اتهامات، وإذا ثبت أن حماس لها دور في أي عمل إرهابى ضد مصر، فوقتها عليها أن تتحمل وحدها مسئولية ما أقدمت عليه، فحماس ليست فلسطين، هي حركة تمثل نفسها. قلت لمحمود الهباش: دعنى مما قرأت وسمعت، ودعنى من موقفك السياسي من حماس، ما تقييمك للدور الذي تقوم به الحركة، وهل الاتهامات التي توجه لها كلها خيالية؟ ودون تردد قال: المثل يقول مفيش دخان من غير نار. وأنت مع حماس.. إما أن توافق أو تنافق.. أو تفارق قضى محمود الهباش سنوات من عمره في حركة حماس، امتدت من العام 1979 إلى العام 1994، وقتها كانت محظورة، وصل في أروقتها الداخلية إلى أن أصبح واحدًا من قياداتها، لكنه يعترف أنه لم يكن يومًا من الأيام مسئولًا على الصعيد العسكري فيها، كان يعمل فقط في الشق السياسي والإعلامي والدعوى... وقد وصل إلى أعلى سلم القيادة في هذا المجال. حدثت اختلافات متشعبة بين محمود الهباش، وعدد من قيادات حركة حماس، بدأت من العام 1993 على خلفيات تنظيمية وسلوكية لها علاقة بطريقة التعامل مع الناس، وشركاء النضال وعلى رأسهم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. يقول الهباش: لم يعجبنى موقف حماس من قيام السلطة الفلسطينية، فخرجت من بين صفوفها، لأننى لم أعد قادرًا على ممارسة قناعات داخل الحركة، ولا يمكن أن أقبل أن أكون جزءًا من حركة أخالف مواقفها، فمن وجهة نظرى أن هذه هي المروءة، فلا يمكن لى أن أطعن أحدًا في ظهره. لم يكن خروج محمود الهباش من حركة حماس هادئًا، كان صاخبًا للغاية، خرج هو بشكل واضح ومعلن، وبدأ يفضح الحركة في ندواته ومحاضراته وخطبه في المساجد، يقول: في أدبيات حماس أنه إذا لم تكن معها فأنت ضدها، وهى عقيدة تستمدها من انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين. يوضح الهباش أكثر، يقول: عندما تكون مع جماعة حماس فلابد أن يكون هناك موقف من ثلاثة، فإما أن أوافق، وإما أن أنافق، وإما أن أفارق... وعندما رأيت أن وجودى معهم أصبح مستحيلًا قررت أن أفارق. بعد خروجى طالبت حماس بضرورة احترام السلطة... التي دافعت عنها دون أن أنتمى إليها، فقد ظللت خارج حماس وخارج السلطة من العام 1994 وحتى العام 2007 عندما حدث انقلاب حماس، فقررت أن أكون إلى جوار السلطة بشكل معلن وواضح. قبل أن أغلق هذا الملف مع محمود الهباش قلت له: هل يمكن أن تروى لى ما الذي كنت تفعله داخل حماس على وجه التحديد؟ لم يتجاوب معى على الإطلاق، قال لى لو قلت لك ما جرى، فإن هذا يتحول على الفور إلى التاريخ، والتاريخ يضر، فأغلقت القوس وبدأت في سؤال آخر. من النسخة الورقية