فتحت إسرائيل جبهة قتال جديدة فى سوريا وسط توتر يسود أرجاء تل أبيب على خلفية بدء تحقيق أولي تجريه المحكمة الجنائية الدولية فى جرائم حرب إسرائيلية قد تكون وقعت خلال الحرب الأخيرة على غزة .. فى خطوة إسرائيلية فسرت بأنها "تكتيكية" من شأنها أن تربك حسابات مقاضاتها دوليا وتقوي من موقفها "المتأزم" وتمتص كذلك الاضطرابات التي دبت فى أوساط القيادة فى إسرائيل. فيما تترقب أطراف إقليمية ما ستؤول إليه المنطقة خلال الفترة القليلة المقبلة فى ضوء عمليات انتقامية مرتقبة ربما يلجأ إليها حزب الله بعد مقتل سبعة أعضاء من الحزب الشيعي اللبناني بينهم ابن القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008 في عملية انتقامية إسرائيلية إضافة إلى مقتل مسئولين اثنين عن وحدة التدخل والوحدات الخاصة في الحزب. ونفذت إسرائيل في وقت متأخر من مساء أمس غارة جوية داخل الجزء السوري من هضبة الجولان مستهدفة جهات وصفتها ب"الإرهابية" زاعمة إنها كانت تنوي شن هجمات على إسرائيل.. بينما لاذ الناطق العسكري الإسرائيلي بالصمت وأصر على عدم الحديث عن هذا الأمر مكتفيا بالقول "إن طائرات إسرائيلية دون طيار تعمل بشكل روتيني ودائم في هذه المنطقة". وكان تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله اللبناني أول من أذاع النبأ قائلا "إن طائرة هليكوبتر إسرائيلية أطلقت صاروخين على محافظة القنيطرة السورية قرب مرتفعات الجولان المحتلة.. وأن القتلى كانوا يقومون بمهمة استطلاع في منطقة مزرعة الأمل في القنيطرة" وهي منطقة تشهد قتالا شرسا بين الجيش السوري النظامي ومقاتلي المعارضة المسلحة . وقتلى حزب الله هم : مهدي موسوي، وعلي فؤاد، وحسن حسين الاشهب، وحسين حسن، ومحمد عيسى، وعلي رضا، وجهاد عماد مغني. ويأتي ذلك في وقت قامت فيه القوات الإسرائيلية بعمل استفزازي أمس بإلقائها قنبلة دخانية باتجاه نقطة الجيش اللبناني عند السياج في بلجة عتيا الشعب الحدودية مما أدى إلى إصابة 3 جنود من الجيش اللبناني بحالات ضيق في التنفس ، وأرسلت قوات الأممالمتحدة في لبنان "يونيفيل" قواتها إلى المنطقة لتحديد الوقائع والظروف وأثناء ذلك نفذت قوة عسكرية إسرائيلية أعمال تمشيط واسعة على طول الخط الحدودي مع لبنان والممتد من مرتفعات كفرشوبا وحتى العباسية والوزاني، في ظل تحليق طائرة استطلاع من دون طيار في أجواء مزارع شبعا والجولان المحتلين. وباتت المنطقة هناك في اضطراب يشوبه الترقب الشديد خاصة بعد تهديدات حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في خطابه لتلفزيون "الميادين" ، التي تتخذ من بيروت مقرا لها ، يوم الخميس الماضي (15 يناير 2015) والتى توعد خلالها إسرائيل (مستبقا الأحداث) بالرد على أي اعتداء إسرائيل على ما وصفه ب"محور المقاومة" . وقال نصر الله إن حزب الله يمتلك منذ عام 2006 صواريخ فاتح-110 الايرانية التي تتمكن من ضرب اهداف في كل إسرائيل، ويقاتل وعناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى جانب قوات النظام السوري في مواجهة فصائل المعارضة السورية المسلحة في مناطق عدة. وخاض حزب الله والجيش الإسرائيلي حربا طاحنة في صيف 2006 ؛ أوقعت 1200 قتيل لبناني و160 إسرائيليا. "خرق إسرائيلي متكرر" ويمثل خرق إسرائيل الجوي أمس داخل الأراضي السورية حلقة من مسلسل خروقات تقوم به دولة الاحتلال بين الحين والآخر متخذة حججا واهية لتبرير سلوكها العدواني ... زاعمة بأن هذه الغارات تهدف إلى منع نقل سلاح خارق للتوازن من سوريا إلى حزب الله. ففي يوم الأحد السابع من ديسمبر عام 2014 قامت إسرائيل بعملية جوية استهدفت موقعين بالقرب من مطار دمشق وفى بلدة الديماس قرب الحدود مع لبنان ، ووقتها دخل عدد من المقاتلات الإسرائيلية من جهة القنيطرة حيث الجولان المحتل ومرت فوق مدينتي جاسم ونوى بدرعا ، واتجهت إلى ريف دمشق ، فيما دخلت مقاتلات إسرائيلية أخرى سوريا عن طريق لبنان من جهة بلدة يعفور بريف دمشق، وقصفت المقاتلات الإسرائيلية مقرات للنظام السوري في المنطقتين ، شملت كتيبة الصواريخ "أرض – أرض" في الديماس، و"كتيبة باللواء 105"، وشحنات عسكرية كانت في طريقها إلى "حزب الله"، وكتيبة الدفاع الجوي التابعة للفرقة الرابعة. ودمرت تلك الغارة الإسرائيلية جزءا من مركز الاستشعار والتحكم في بلدة الصبورة المجاورة لبلدتي الديماس ويعفور، واستهدفت غارة مقرات قرب مطار دمشق الدولي، وقد تكون استهدفت شحنات لصواريخ "أرض- جو" من طراز "إس 300" روسية الصنع. وخرج وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها موشيه يعالون بالقول "على من حاول تسليح عدونا أن يعلم بأننا سنصل إلى أي مكان وفي أي وقت وبأي طريقة لإحباط خططه .. لن نتسامح ولن نسمح باجتياز الخطوط الحمراء وتعريض أمن إسرائيل للخطر". وفي يوم الجمعة 3 مايو 2013 ، استهدفت مقاتلات إسرائيلية فى ضربة جوية ، شحنة صورايخ في سوريا قالت إنها كانت في طريقها إلى مقاتلي حزب الله.. وفى مساء يوم الأربعاء 20 يناير 2013 نفذت القوات الجوية الإسرائيلية غارة استهدفت مركز عسكريا للبحوث العلمية التابعة للجيش السوري والمسئولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس الواقع في منطقة جمرايا بريف دمشق..أما فى 31 ديسمبر عام 2012 فقد شنت إسرائيل غارة جوية ضد أربعة أهداف سورية على الأقل.. وفى كل عملية تلزم إسرائيل الصمت رسميا حيال تلك العمليات . "قواعد اللعبة فى "فض الاشتباك"" في 31 مايو 1974 وقعت سوريا و‘سرائيل في جنيف اتفاقية "فصل القوات" أو "فض الاشتباك" ونصت على أن سوريا وإسرائيل ستراعيان - بدقة - وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة تنفيذا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338 المؤرخ في 22 أكتوبر 1973... وقد نص الاتفاق على منطقة للفصل ومنطقتين متكافئتين من القوات محدودة السلاح على الجانبين في المنطقة وطالب بإنشاء قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة للإشراف على تنفيذها. ولا تعد اتفاقية "فض الاشتباك" .. اتفاق سلام نهائي ، رغم أنه خطوة نحو سلام دائم على أساس تفسير لقرار أصدره مجلس الأمن رقم 338 المؤرخ في 22 أكتوبر 1973.. وبموجب الاتفاقية وافقت إسرائيل على التخلي عن الشريط الذي احتلته في حرب أكتوبر وكذلك عن شريط ضيق من الأرض حول القنيطرة .. ووافقت سوريا وإسرائيل على تحديد قواتهما على عمق 20 كيلومترا من خطوطهما الأمامية ، وألا توضع قذائف سام المضادة للطائرات من الجانب السوري ضمن منطقة عمقها 25 كيلومترا. ونتيجة المخاطر المتزايدة التى تعرض لها عناصر الأممالمتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف) من اختطاف واستهداف مباشر ، قامت كرواتيا فى مارس 2013 بسحب عناصرها المشاركة ضمن هذه القوة ولحقتها النمسا لتبقى الفلبين والهند وحدهما المشاركتين بعناصر ضمن هذه القوة الأممية لتلتئم معها (فيما بعد) عناصر من فيجي وإيرلندا ونيبال وهولندا ؛ ليصبح قوامها 1223 عنصرا . وفى ضوء تكرار خرق إسرائيل لبنود الاتفاقية فإن ذلك يضاف إلى رصيد خروقاتها الواضحة لبنود الاتفاقيات والمواثيق الدولية كونها دولة اعتادت على العبث ببنود القانون الدولي ولوائح المجتمع الدولي. "سيناريوهات محتملة" في أعقاب الغارة الإسرائيلية يتنظر الوضع 3 سيناريوهات.. الأول أن تتقدم سوريا باحتجاج رسمي إلى مجلس الأمن الدولي على اختراق طائرات إسرائيلية معادية للأجواء السورية غير أنه سيكون إجراء بروتوكوليا شكليا لن يلقى مردودا ، كما أن فرص حدوثه ضئيلة خاصة وأن القتلى ليسوا سوريين بل مقاتلين أجانب على أرض سوريا ، وهو في حد ذاته خرق كونهم عناصر أجنبية متسللة إلى داخل الأراضي السورية ووجودهم بحكم القانون الدولي غير شرعي. وتتمثل شكوى سوريا للأمم المتحدة بأنها ربما تأخذ أبعادا تتصل بكونها ترغب في محاولة امتصاص أي توتر قد يوسع من جبهات القتال ويدخل إسرائيل ضمن دائرة الاشتباك ويعقد من مستوى قتالها هناك. وقامت سوريا مرارا بالشكوى إلى مجلس الأمن من اختراقات إسرائيل كان آخرها عندما اشتكت وزارة الخارجية فى دمشق من خلال ارسالها رسالتين متطابقتين إلى كل من بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي ..وقالت "إن إسرائيل قامت بارتكاب عدوان إجرامي جديد على حرمة الأراضي السورية وسيادتها باستهدافها مناطق آمنة في الديماس وبالقرب من مطار دمشق الدولي". يذكر أن مجلس الأمن كان قد أصدر في 27 يونيو 2013 قرارا حمل رقم 2018 بناء على توصية عرضها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتاريخ 12 يونيو 2013 ، حيث شدد القرار على ضرورة أن تلتزم سوريا وإسرائيل بأحكام اتفاق عام 1974 لفض الاشتباك ، وأن يتقيدا تماما بوقف إطلاق النار. أما السيناريو الثاني فيتمثل في خيار الرد العسكري من قبل القوات السورية وهو أمر مستبعد تماما في ظل هذه الأجواء كون المجتمع الغربي أزال غطاء "الشرعية" عن النظام السوري الذي يجابه جيشه أطرافا متشابكة من معارضة سورية في خضم صراع معقد تفتت معه واجهة الدولة المعبرة عن شعب واحد وأرض واحدة ومصلحة واحدة. وتتحدد معالم الخيار الثالث مع بدء قيام حزب الله بعمليات انتقامية تفتح معها جبهة قتال مع إسرائيل ، وتصبح سوريا ساحة "الحسم" بين الطرفين ، وهي حرب ستكون بمثابة إعادة ترتيب قواعد الصراع فى سوريا ربما تفتح معها الباب أمام تدخلات إقليمية واسعة من أجل تغيير توازنات القوى فى هذا الصراع . وبالقطع سيكون من الصعب أن يجر حزب الله ، لبنان فى هذا الصراع خاصة بعد التصريحات الرسمية اللبنانية والتى تنأى وتتبرأ من أفعال حزب الله فى سوريا خاصة وأن الحزب لا يملك أية شرعية تحت اللقب الذي منحه لنفسه كحام للبنان لكن فرص حدوث هذا السيناريو ليست كبيرة ، فحزب الله ليس معنى الآن بالتصعيد ضد إسرائيل خاصة وأن هذه الحرب لن تكون لها تبرير أو شرعية واضحة كون أفراد الحزب قتلوا خارج الأراضي اللبنانية . ولكن التوقعات تتجه إلى أن الحزب سيقوم بالرد بعمليات نوعية تتصاعد مؤشرها وفق معدلات لا تسمح فى نهاية الأمر له بحدوث مواجهة مباشرة كبيرة مع إسرائيل فى هذا التوقيت.