باللون الأصفر، ترسم بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس خطا أمام المتاجر في أسواق البلدة القديمة وتنذر التجار بعدم اجتيازه ومن يتخطاه تفرض عليه غرامات مالية تصل إلى 500 شيكل، وهى وسيلة تأتي في إطار سياسات الخنق والتضييق التي تمارسها سلطات الاحتلال على المقدسيين، هذا إضافة إلى الضرائب والغرامات المالية الباهظة التي يتم تحصيلها مقابل خدمات محدودة للغاية، كل ذلك في ظل حالة ركود شديدة تشهدها الحركة التجارية في المدينة المقدسة. ويسعى الاحتلال من خلال هذه السياسات إلى نسف الحركة التجارية في البلدة القديمة، التي تعتبر الرئة المتبقية التي يتنفس منها المقدسيون، والنيل من الوجود العربي في البلدة ومحيط المسجد الأقصى وإثقال كاهل المواطن العربي الفلسطيني لدفعه إلى الهجرة من القدس، وهو ما نجحت فيه سلطات الاحتلال إلى حد كبير حيث أن هناك نحو 250 متجرا من بين ألف متجر في البلدة القديمة مغلق بسبب إفلاس أصحابها. وتفرض بلدية الاحتلال عددا من الضرائب على أهالي القدس في مقدمتها ضريبة على دخل الأفراد والشركات، وضريبة القيمة المضافة التي تحصل بنسبة 17 في المائة من قيمة المبيعات، أما ضريبة الأملاك فهي تحسب بنسبة 5ر3 في المائة من قيمة الأرض، إضافة إلى ضريبة "الأرنونا" التي تجبى على أساس مساحة الشقق والمحال التجارية، وهى ليست ثابتة حيث تفرض البلدية 300 شيكل (الدولار يعادل نحو 93ر3 شيكل) على المتر الواحد من المحل التجاري، ويضاف إلى ذلك تحصيل ضريبة من أصحاب العمل بنسبة 10 في المائة من الدخل وتسمى رسوم التأمين الوطني. أما بالنسبة لأنواع الضرائب الغريبة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الفلسطينيين، فمنها ضريبة "التليفزيون" وبموجبها يدفع المقدسيون 300 دولار سنويا مقابل استخدامهم للتليفزيون، ومنها أيضا ضريبة "أمن الجليل" التي فرضت على السكان العرب عقابا لهم بسبب هجوم على يهود الجليل. ومن قصص المعاناة التي يعيشها المقدسيون، يحكي خالد الحسيني صاحب مطعم "شاليزار" في حي الشيخ جراح شرق القدس، في حواره مع موفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله اليوم، أن سلطات الاحتلال أصدرت قبل أسبوع بحقه أمر اعتقال وفرضت عليه غرامات مالية تتخطى 100 ألف شيكل وكذلك أمر إغلاق المطعم الذي كان من أكبر المطاعم في المدينة. وأوضح أنه منذ عدة أعوام أصدرت المحكمة الإسرائيلية لائحة اتهام ضده لبناءه غرفة مطبخ بدون ترخيص علما بأن هذه الغرفة موجودة بالمطعم منذ عشرات السنين، وأصدرت البلدية قرارا بإغلاق المطعم لعدم وجود رخصة مهن حيث أن محكمة البناء لم تنته بعد وبالتالي يمنع ممارسة أي عمل في بناء غير قانوني، وبالفعل تم إغلاق المطعم في بداية مارس 2013 وحتى الآن. أما عن الأهداف الحقيقة من وراء هذه الممارسات، قال الحسيني إن الحقيقة مغايرة تماما للأسباب القانونية التي يختلقها الاحتلال، حيث أن المطعم موجود في منطقة حساسة جدا بالقدس على الحدود الفاصلة بين القدسالشرقية والغربية، وأن سلطات الاحتلال ترغب في السيطرة على هذه المنطقة بأي طريقة، وبالفعل بدءوا في السنوات الأخيرة في إيجاد بؤر استيطانية بالمنطقة، فضلا عن عمليات الشراء المكثفة والتزوير والإخلاء والطرد. وأكد الحسيني أن الاحتلال الإسرائيلي يدعي أن منطقة الشيخ جراح مكان مقدس بالنسبة لهم، مؤكدين أن قبر الحاخام شمعون الصديق موجود بها، ولذلك هم يخططون لأن تصبح هذه المنطقة ميته ولا حياة فيها للعرب، حتى يقومون بالتنقل فيها دون مضايقات من المقدسيين ويفعلون بالمنطقة ما يشاؤون، وهو ما يأتي في إطار مساعي تهويد القدس. وقال أحد التجار في سوق "القطانين" بالبلدة القديمة في القدس: "إن بلدية الاحتلال تسعى من خلال ذلك إلى محاربتهم على لقمة العيش لإخضاعهم لسياستها التهجيرية واضطرارهم لإغلاق محالهم ومغادرتها، غير أن ذلك بعيد عن منالهم، وأكد صموده وباقي التجار في محالهم مهما كلف الأمر، وأن مثل هذه الممارسات القمعية والتعسفية لا تزيدهم إلا صلابة وثباتا". ووصف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق التجار المقدسيين بالمسمار الأخير الذي تدقه بلدية الاحتلال ومن ورائها المؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية في نعش الحركة التجارية في البلدة القديمة ومدينة القدس. وعن آخر الممارسات غير المنطقية التي يشنها الاحتلال بحق المقدسيين، اقتحمت طواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس ترافقها قوة عسكرية أمس الثلاثاء منزل عم الشهيد المقدسي عبد الرحمن الشلودي، الذي يقيم فيه أهل الشهيد مؤقتًا، وطالبوه بدفع مبلغ 2800 شيكل لصالح ضريبة "الأرنونا" عن البيت الذي سبق وهدمته بلدية الاحتلال. وهددت قوات الاحتلال بالاستيلاء على جميع الأثاث، والأجهزة الكهربائية من منزل عم الشهيد، في حال عدم دفع المبلغ المطلوب في الحال، ما اضطرهم لدفعه تحت طائلة التهديد والملاحقة. ويرى الدكتور حنا عيسى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أن سلطات الاحتلال تفرض على أصحاب المحال التجارية في مدينة القدسالمحتلة ضرائب تفوق قيمة الدخل العام لهذه المحال، وبالتالي تدفع أصحابها إلى إغلاقها، ثم تقوم بمصادرتها ومحتوياتها لحساب تسديد الضرائب، مشيرا أنه بهذا الأسلوب تسربت محال كثيرة للمستوطنين الإسرائيليين في القدسالمحتلة. وحذر من السياسة الضريبية "الأرنونا" لكيان الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدسالمحتلة، مشيرا أنها سياسة صامتة تهجيرية لسكانها العرب المقدسيين، وممنهجة لتحقيق أهداف سياسية بحتة، تتمثل بشكل رئيسي لتهويد المدينة من خلال تغيير البناء الديموغرافي وإضفاء الطابع اليهودي عليها. وقال "الكثيرون لا يملكون قدرة على تسديد "الأرنونا"، وتلجأ سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى التسويف في جبايتها مع غراماتها التراكمية، حتى تصل إلى مبلغ يعادل ثمن العقار تقريبا، وبالتالي الحجز عليه بهدف دفع صاحبه إلى بيعه. وأكد أن "الأرنونا" التي يفرضها الاحتلال في القدس هي ضريبة تجبيها بلدية الاحتلال من مواطني المدينة والمستوطنين فيها مقابل الخدمات، لكن بتقديرات مختلفة، إذ بينما يجري تحديد مبالغ بسيطة على المستوطنين، مع تسهيلات كبيرة في الدفع وتقديم الكثير من الخدمات، فإن المبالغ التي تفرض على المواطنين الفلسطينيين مرتفعة جدًا، ولا تقابلها خدمات تذكر، وباعتراف الاحتلال نفسه فإن الفارق بين الخدمات التي تقدم للمستوطنين والأحياء الاستيطانية في القدس، وبين تلك التي يتلقاها المواطنون العرب في الأجزاء الشرقية من المدينة، هو فارق كبير جدًا، وبالتالي هي ضرائب تعسفية إلى حد بعيد. فمنذ عام 1967 وحتى اليوم وسلطات الاحتلال ماضية في التضييق على المقدسيين بكافة الأساليب والطرق حتى باتت حياتهم شبه مستحيلة، في ظل ما تمارسة حكومات الاحتلال المتعاقبة من مشروعات تهويدية ومخططات تلمودية طالت كل مناحي الحياة في المدينة المقدسة، حتى بات المقدسيون يعيشون في سجن كبير تمارس فيه قوات الاحتلال كل أشكال الاضطهاد والتعذيب.