ثارت منذ سنوات معركة بين العلم والفساد، دافع بعض علماء الآثار الإسلامية الكبار - وعلى رأسهم الدكتور عبدالله كامل رئيس قطاع الآثار الإسلامية السابق - عن هذه الأرض الطيّبة، وتصدَّوا لمستثمر كان وقتها مدعوما رئاسيا ووزاريا وأمنيا، أراد أن ينشئ فندقا في مواجهة قلعة صلاح الدين الأيوبى بمصر المحروسة، وأُطيح بالعلماء المعترضين وانتصرت الثروة على العلم وتغلب الفساد على الوطنية، وسقط تاريخنا تحت أقدام صبية الهانم.. وارتفعت أعمدة الخرسانة المسلحة وما تزال شاهدة على عصر بلغ فيه الفساد الحلقوم. المطلوب الآن من فخامة رئيس الجمهورية ومن النائب العام ومن رئيس الوزراء، أن يسارعوا إلى وقف أعمال هذا الفندق «الجريمة»، وإزالة ما بقى من بناء هذا الفندق الذي ستؤدى مياه الصرف الناجمة عنه مستقبلا إلى تدمير القلعة كما قال المتخصصون من علماء الآثار. لقد سارت خطة حكومة نظيف الغبية، ومن قبلها حكومة شيخه في الفساد وقدوته عاطف عبيد، على تدمير كل رمز مصرى لمصلحة الصهيونية المتغلغلة في النظام السابق.. بيعت عشرات العمارات التاريخية في القاهرةالإسماعيلية (وسط البلد) بأرقام فلكية لسميح ساويرس ومعه كما نشرت الصحف وقتها شركاء قيل إنهم يهود، ويتوقع كثيرون إزالة تلك العمارات قريبا وتحويلها لأبراج سكنية قميئة لا جمال فيها. واشتكى الصهاينة من انتصاب تمثال رمسيس الثانى، فخلعوه من ميدان المحطة الذي عُرِفَ به، وأودعوه مخزنا بالجيزة بلا أي تفسير لما يفعلون! وأزالوا محطة كوبرى الليمون التاريخية الفخمة المعمار، بجرة قلم وأقاموا مكانها جراجا متعدد الطوابق بعشرين مليونا، وقبل تشغيله أزالوه بلا أي تفسير لما يفعلون! وأرادوا إزالة مستشفى المواساة بالإسكندرية.. وأرادوا إزالة مبنى الإسعاف بوسط القاهرة.. وأرادوا إزالة مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية بلا أي تفسير لما يفعلون! أليست هذه مؤامرة خسيسة كان يوحى بها الصهاينة إلى أزلامهم ممن يسمون أنفسهم رجال الأعمال؟ وقيل مرة إن الهانم وهى تفتتح مساكن جديدة في حى زينهم ساءها كثيرا مناظر القبور القديمة فصرحت برغبتها في تطهير القاهرة من مدافن الإمام الشافعى وما حولها بنقلها إلى الصحراء لترتفع مكانها أبراج سكنية قميئة يقيمها أزلام النظام من لصوص المال العام. لا تعرف الهانم قطعا أن أكثر من مائة صحابى جليل مدفونون في مصر، بل لعلها لا تعرف مفهوم (الصحابة) أصلا.. ولا يعرف صبيانها أن مئات من التابعين وتابعيهم مدفونون بمصر بل لعلهم لا يعرفون مفهوم (التابعين وتابعى التابعين) أصلا. إن فقهاءنا على مر تاريخ الإسلام لم يضجروا من تلك القبور، ولم يطالبوا بهدم تلك الأضرحة كما يحاول الآن بعض طلاب العلم السلفى. ومن أفذاذ فقهاء القرون الخالية أعلامٌ كبارٌ يضيق المقال عن حصرهم، فمصر استقبلت جميع الأسماء المعروفة من علمائنا، ومنهم من مات فيها ومنهم من زارها ثم عاد لبلده. فهذه الأضرحة والقبور جزء من بهاء القاهرة وعبقها التاريخى، لا يصح التنكر له، لا ممن يدعى التدين، ولا من بلطجية رجال الأعمال.. وعلى المتضرر من المتدينين أن يُعين الناس على فهم صحيح الدين كما يراه، ثم يترك للناس أن يختاروا ما شاءوا، فقد قال الله تعالى لمَنْ هو خيرٌ منى ومنهم ومن الناس جميعا (لستَ عليهم بمسيطر) فالدعوة يا شباب الخير بالحكمة والحسنى لا بالهدم ولا بالإفساد. فيا فخامة الرئيس الموقر.. ويا معالى النائب العام.. ويا دولة رئيس الوزراء.. أرجوكم افتحوا ملف تلك الفندق التي تريد أن تنهض في مواجهة القلعة، وسووا به وبمن سعى فيه الأرض! ودمتم لمصر حراسا مخلصين.