"انزل إلى الدير لتشديد شعبك".. هنا بدأت قصة دير الشهداء بإسنا الذي يزوره آلاف المسيحين بالتزامن مع قرب الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد، والذي يفتح أبوابه للزائرين من كل أنحاء محافظة الأقصر، تزامنا مع احتفال مسيحيو مدينة إسنا بذكرى استشهاد الأب أمونيوس الشهيد، وذبح 160 ألف شهيد من أقباط مدينة إسنا على يد الرومان في أواخر شهر ديسمبر من كل عام. يقع دير الشهداء على بعد 4 كم جنوب غرب مدينة إسنا، وهو دير أثري تعيش فيه مجموعة من الراهبات "داعين لله أن تكون معهم بركة الشهداء القديسين" وهو عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل نحو 50 مترا، وطول 40 مترا، يحيط بعمائره الداخلية سور مرتفع. ويوجد داخل هذا الدير كنيستان هما الكنيسة الأثرية، والتي بنتها الملكة هيلانة أم الإمبراطور البيزنطي قسطنطين في القرن الرابع الميلادي، والكنيسة الجديدة وتقع في الجهة الغربية من الدير، وتم بناؤها سنة 1902م في عهد المتنيح الأنبا مرقس مطران كرسي إسنا، والأقصر، وأسوان، وهى واسعة، وبها ثلاث هياكل، وفي الغرب أربعة قلالي، وفوقها حجرتان للاستراحة. كما يوجد بدير الشهداء بئر قديمة مياهها غير صالحة للشرب، و40 فدانا تحيط به من كل جانب، وتقع بداخلها مدافن للمسيحيين، ولدير الشهداء قصة حكاها لنا الأب مينا جاد جرجس، كاهن بكنيسة السيدة العذراء بإسنا قائلا: "إنه في عصر الملك الكافر دقلديانوس أرسل الوالي أريانوس إلى مدينة إسنا، لاضطهاد المسيحيين، وصل الوالي للمدينة فلم يجد بها أي إنسان إلا سيدة مسنة في منزلها، وهي أرشدتهم لمكان الشعب، وقالت لهم إنهم هناك في دير الأنبا إسحاق السائح، واعترفت بالمسيحية أمامهم، ونالت إكليل الشهادة، وسميت بالرشيدة لأنها أرشدت الوالي بوجود الشعب في الدير. وتابع مينا، أنه قبل وصول الوالي للدير حدث أن ظهر ملاك للأنبا "أمونيوس الشهيد"، في مغارته التي تبعد عن الدير نحو سبعة كيلومترات، وقال له "انزل إلى الدير لتشديد شعبك، لأن الوالي قادم في الطريق، لاضطهاد شعبك"، فنزل للدير فورا، وأقام قداسّا بمناسبة عيد الأنبا إسحاق، وشجع الشعب لكي يواجهوا سيوف الوالي بشجاعة، ولا يخافوا لأن أكاليل السماء معدة لهم، والأماكن الجميلة في انتظارهم في السماء. وأردف أنه لما وصل الوالي، وجنوده طلب من الشعب كله التبخير للأوثان فرفضوا بشدة صارخين قائلين إننا نصارى، ونعبد الإله الواحد يسوع المسيح فاستشهد الجميع بقطع رءوسهم بالسيوف، واستشهد معهم الأنبا بضابا، وابن خالته الأنبا إدراوس القس، والأنبا أخرستوذولو الشماس، وكان عددهم "آلاف مؤلفة" تصل إلى 160 ألف شهيد "أطفالا وكبار ومسنين لأن كل شعب المدينة كان مسيحيّا"، وامتلأت السماء بالملائكة تستقبل أرواحهم. ولفت مينا، إلى أن الملكة هيلانة كانت في زيارة للأراضي المصرية فأمرت بشراء 80 فدانا، وجعلتها مدافن للشهداء، وأمرت بتكفين أجسادهم التي كانت موجودة في العراء- ولكن لم يمسها سوءا- ودفنتهم جميعّا بدير الشهداء جنوب غرب إسنا، ولذلك سمي بدير الشهداء كما يحمل هذا الدير أيضا اسم الأنبا أمونيوس الشهيد باعتباره أسقف مدينة إسنا وقت الاستشهاد. وأشار مينا إلى أن الأنبا أمونيوس الشهيد ضاعفوا تعذيبه، بأن ربطوه في ذيل الخيل، وجروه على الأرض مربوطّا حتى وصلوا به إلى مدينة أسوان ثم عادوا به إلى مدينة إنصنا – ملوي، واستشهد هناك محروقّا، ولكن النار لم تؤذه بآية حروق، ومازال جسده موجودّا بإنصنا. ويعتبر هذا الدير من الأديرة المهمة التي ما زالت آثارها قائمة في مدينة إسنا؛ نظرا لاحتوائه على ثروة زخرفية هامة بالكنيسة القديمة، والتي ترجع مبانيها إلى النصف الأول من القرن العشرين، وبها بعض الأيقونات القديمة كما تم ذكر هذ الدير في كتابة المؤرخين، والرحالة، والبعثات الأثرية، ومنهم المقريزى من القرن 15م وفانسب في القرن 1.7 ونوردن في القرن 18، وقلاديمردى بون في القرن 19، وسومرز كلارك في القرن 20، وأعد المعهد الفرنسي للآثار الشرقية دراسة عن الدير، ونشر عنه في مجلد خاص بأديرة إسنا في القرن 20م. وبالرغم من كل هذا الاهتمام إلا أنه يعاني إهمالا كبيرا من قبل مسئولي الآثار بالمحافظة الذين لا يقدرون القيمة التاريخية لهذا الأثر وتتضح معالم الإهمال على كل قطعة وحائط وجدار من جدران الدير.