شهدت الفترة الأخيرة نشاطاً مكثفاً لعدد من وزراء المجموعة الاقتصادية وقيامهم بزيارات لعواصم بعض الدول الكبري (واشنطن/ طوكيو/ لندن) بهدف البحث عن استثمارات جديدة وإعادة تقديم الاقتصاد المصري بصورة مختلفة لمن يهمه الأمر في عالم تتطاحن فيه الدول من أجل جذب بعض من الاستثمارات السائحة بين دول العالم ساعية وراء فرصة عمل وربح.. الطريقة معقولة ولكنها تقليدية وجري تجربتها لعقود من الزمان ففي تاريخنا الاقتصادي مئات الندوات التي نظمت هنا وفي الخارج لإقناع المستثمرين أن هنا تكمن فرصة للاستثمار المربح وكانت النتائج علي نحو ما رأينا. وفي منتصف التسعينيات بلغ معدل تدفق الاستثمارات المباشرة 5.2 مليار دولار سنوياً وقلنا وقتها إن الرقم ضئيل ومصر تستحق أكثر من هذه الحصة في سوق الاستثمارات الدولية بعد ذلك جاء حادث الأقصر وتراجعت الاستثمارات المباشرة إلي أن بلغت 600 مليون دولار فقط العام الماضي وهو رقم غير طبيعي في صغره مقارنة مع ما سبق ومقارنة مع الأرقام الضخمة التي أصبحت تصل إلي دول مجاورة أقل في إمكانياتها ومواردها وحتي قدرتها علي الاستيعاب. الحكومة الجديدة التي لم تعد كذلك الآن جاءت من عباءة الفكر الجديد وتوقعنا معها اقتراباً مختلفاً ومعالجات جديدة للمشكلات الاقتصادية وعلي رأسها بلاشك زيادة تدفق الاستثمارات المباشرة بصورة جذرية كي يتسني إحداث معدلات نمو نستحقها ولا تقل بحال عن 7 إلي 8% سنوياً حتي يمكن الدخول الجدي في علاج مشكلات انخفاض الدخول والبطالة وضعف الاستهلاك وغيرها من المعوقات التي تحد من النشاط والنمو فضلاً عن آثارها الاجتماعية. الفكر الذي طرح وقتها لاقي استحسان معظم الخبراء والمتخصصين لاسيما مع اتخاذ سلسلة من الإجراءات المالية المهمة مثل خفض التعرفة الجمركية والإعلان عن قانون جديد للضرائب قيل إنه يحفز علي العمل والاستثمار ويكافح التهرب. ومع ذلك فإن الأداء يستحق بعض المناقشة فقانون الضرائب الجديد تعطل إصداره ولاقي احتجاجات واسعة من المهنيين ورجال الأعمال والعمال والموظفين بعد أن تمكن منه البيروقراطيون ووضعوا الغامهم في طيات بنوده مما استنفر الجميع الذين هالهم الفارق بين التوجيه وبين ما ورد في نصوصه، وفي برنامج الخصخصة أحد محركات تنشيط السوق كان المتوقع أن تسير فعالياته بوتيرة أسرع وفي واشنطن صرح وزير الاستثمار المسئول عن قطاع الأعمال بأن حجم مبيعات الخصخصة بلغ 9.3 مليار جنيه في 8 أشهر وهو رقم غامض في تفاصيله ومع ذلك فالتوقعات كانت تأمل فيما هو أكثر منذ فكل الملفات جاهزة وبقي اتخاذ القرارات الحازمة إما بالبيع أو بالإصلاح أو بالدعم فكل هذه الشركات هي قنوات للإنتاج معطلة أو تعمل بأقل من طاقاتها لأسباب تاريخية أصبحت معروفة للجميع ولا يحق لأحد أن يبدي دهشته لحجم ما وجده من "اكتشافات" في هذا القطاع! إن القضية الرئيسية تظل هي تنشيط الأسواق وتفعيل قنوات الإنتاج الحالية وإضافة قنوات إنتاج جديدة وقوية وهذا يعني ببساطة حل المشكلات التي تواجه شركات القطاعين العام والخاص خاصة تلك المصانع المغلقة أو التي تعمل بأقل من طاقتها وهذا رغم مشقته هو الجهاد الأصغر أما الجهاد الأكبر فيتعلق مرة أخري بزيادة الاستثمارات المباشرة محلية وأجنبية وهذا الأمر يتطلب جهوداً مبتكرة تتجاوز المحاولات المستمرة "لترتيب البيت من الداخل" عن طريق "المحفوظات" الاقتصادية التاريخية مثل الإصلاحات المالية وإزالة معوقات الاستثمار والشباك الواحد للتعامل مع المستثمرين وغيرها من الشعارات البديهية والتي لا يجب أن تظل عوائق للإنتاج والاستثمار في عالم يتنافس الجميع فيه علي التنمية وجذب الاستثمارات. المطلوب الآن وعلي وجه السرعة ابتكار أنظمة اتصال متطورة وخالية من الروتين مع الشركات العالمية والمستثمرين الجادين بعيداً عن الندوات والمؤتمرات والمنتديات وتقديم عروض محددة تغري بالاستثمار السريع والفعال وهذا ما تفعله الآن دول مثل الهند ورومانيا وفيتنام وغيرها للوصول المباشر إلي المستثمر القادر علي ضخ أموال ضخمة في مشروعات محددة وفي فترة زمنية قصيرة. وبرغم كل شيء فإن هناك جهوداً تستحق الاحترام يتم بذلها في هدوء لإصلاح قنوات التمويل المحلية في البنوك وشركات التأمين وقد خطف تصريح محافظ البنك المركزي حول خصخصة بنك الإسكندرية الأضواء طوال الأسبوعين الماضيين ومع ذلك فقد كان في بقية تصريحاته التي قالها في واشنطن ما هو أهم والذي يتعلق باعترافه أن لدينا بنوكاً أكثر مما نحتاج إليه وأنه يعمل علي بيع ودمج 30 بنكاً عاملاً خلال 16 شهراً حتي تصل رءوس أموال هذه البنوك إلي 500 مليون جنيه لكل بنك وتتوافق بذلك مع مقررات بازل2.. أما قطاع التأمين الذي تصل أصوله إلي 30 مليار جنيه فهناك بوادر مشجعة نحو إعادة هيكلته حتي يكون أكثر قدرة علي المساهمة في ضخ استثمارات جديدة بفعالية وأمان، كل هذه جهود طيبة ولكن المطلوب السرعة وحسن الأداء والتخلي عن الكثير من الخطوات البيروقراطية لأن العالم لم يعد ينتظر أحداً.. كما يعلم الجميع.