إذا كان انهيار اتفاقية بريتون وودز في اوائل السبعينات قد حمل معه مخاطر السوق للبنوك في العالم فإن تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي والاتجاه إلي الاخذ بمفهوم السوق الحر في مصر مع بداية التسعينيات قد حمل مخاطر السوق للبنوك المصرية من حيث تحرير اسعار العائد واسعار الصرف الذي وصل إلي حالة التحرير الكامل مع بداية ،2003 وكذا اسعار الاصول المالية وإذا كانت بنوك العالم قد ادركت مخاطر السوق منذ زمن بعيد وقامت بابتكار نماذج للقياس وادوات مالية لادارتها وادخلت لجنة الرقابة المصرفية تعديلا علي اتفاق بازل في عام 1988 ليشمل مخاطر السوق فإن البنوك المصرية لم تقم بذلك حتي الان. وليس من شك في ان مخاطر السوق تعد من اكبر انواع المخاطر الرئيسية التي تواجهها البنوك خاصة وانها تتعلق في الجزء الاكبر منها بمحفظة المتاجرة التي يمتلكها البنك وتعد التقلبات غير المواتية في عوامل السوق (اسعار العائد واسعار الصرف واسعار الاصول) اهم مصادر مخاطر السوق بالنسبة لبنود داخل وخارج المركز المالي للبنك، وقد باتت التقلبات في عوامل السوق محليا ملموسة بشكل واضح مما اصبحت تشكل جزءاً كبيراً من المخاطر التي تواجهها البنوك المصرية والتي يجب اداراتها بالشكل المناسب خاصة في ظل اعطاء ادارات البنوك المصرية النصيب الاكبر من الاهتمام إلي إدارة مخاطر الائتمان لدرجة ان معظم برامج ادارة المخاطر أو المتعلقة بالمخاطر يكون معظم الحاضرين فيها من موظفي الائتمان وهو ما يوضح غياب مفهوم مخاطر السوق ويؤثر بشكل واضح علي عدم وجود الادارة الكفء لمخاطر السوق وما يتبعه ذلك من تأثير علي ربحية البنك بشكل بالغ. لقد تسببت مخاطر السوق في انهيار العديد من البنوك الكبيرة والعالمية نظرا لان التقلبات في عوامل السوق مستمرة وتؤثر علي قيمة الاصول التي يحتفظ بها البنك واستثماراته، الامر الذي يدعو إلي ضرورة القيام بقياس مخاطر السوق بصفة مستمرة وعلي اساس يومي لتقييم موقف المحافظ ومقدار ما يتحقق من ربح أو خسارة للحد من الخسائر المحققة واتخاذ الاجراءات الخاصة بالتحوط ضد هذه المخاطر للتقليل من حجم الخسائر. ان ادارة مخاطر السوق تتطلب تحديد نوع المخاطر التي تتعرض لها المحفظة وكل اصل فيها ثم قياس حجم المخاطر التي تتعرض له لكي يتم اتخاذ الاجراءات الخاصة بإدارتها والرقابة عليها ومن ثم تحديد مدي قدرة البنك علي تحمل هذه المخاطر فإذا كان يستطيع البنك تحملها ابقي علي هذا الحجم من المخاطر وإذا لم يستطع فإن امامه اما تحويلها إلي طرف اخر عن طريق ما يتوافر من عقود وأدوات مالية يمكن من خلالها اجراء ذلك مثل الدخول في عقود المشتقات المالية أو تصفية الاصول ذات المخاطر العالية أو عدم الدخول في العمليات التي لا يمكن تحمل مخاطرها من البداية. ولقد ظهر في اواخر الثمانينيات اسلوب القيمة المعرضة للخطر Value At Risk (VAR) كأحد الاساليب المتقدمة لقياس مخاطر السوق حيث يعتمد هذا الاسلوب علي الاستفادة من خصائص منحني التوزيع الطبيعي من حيث الوسط والانحراف المعياري نظرا لانه قد لوحظ ان التحركات في عوامل السوق تخضع لهذا المنحني وتمثل القيمة المعرضة للخطر اقصي خسارة يمكن ان تحققها المحفظة في ظل الظروف العادية لتحركات عوامل السوق مع تحديد احتمال تحقق هذه الخسارة وقيمتها خلال الفترة التي يتم الاحتفاظ فيها بالمراكز مفتوحة، ونظرا لان هذا الاسلوب يقيس حجم مخاطر السوق في ظل الظروف العادية فقط، فقد تم ابتكار اختبار الظروف المشددة أو الظروف غير العادية المعروفة باسم Stress testing الذي يمكن من خلاله اجراء مجموعة من السيناريوهات التي تمثل أسوأ الظروف للتعرف علي مدي قدرة البنك علي تحمل المخاطر في ظل اسوأ الظروف ومن ثم اتخاذ الاجراءات اللازمة لإدارة هذه المخاطر. لقد باتت الحاجة ملحة للأخذ بمفهوم مخاطر السوق علي النحو الصحيح والاهتمام بالتعرف علي انو اعها واساليب قياسها وادوات ادارتها والاحتفاظ برأس المال اللازم لمواجهة مخاطر السوق خاصة ان مقررات لجنة بازل قد طالبت البنوك بالاحتفاظ برأس مال لتغطية هذه المخاطر وهو ما يتطلب من البنوك القيام بما يلي: إعطاء أهمية خاصة لمحفظة المتاجرة Trading book والمخاطر التي تتعرض لها وتقييمها بصفة مستمرة وليس علي فترات متباعدة بحيث يتم التقييم اما طبقا لاسعار السوق Mark to market أو التقييم باستخدام احد النماذج Mark to model للوقوف علي القيمة الحالية للمحفظة واتخاذ القررات التي من شأنها ادارة مخاطر السوق والحد من الخسائر التي يمكن ان تتحقق في هذه المحفظة. العمل علي سرعة اقتناء الاساليب المتقدمة لقياس مخاطر السوق مثل اسلوب القيمة المعرضة للخطر وتدعيمه باختبارات الظروف المشددة أو غير العادية. وضع سياسة التوظيفات الخاصة بمحفظة المتاجرة فيما يتعلق بالحدود الخاصة بالتعاملات وفترات الاحتفاظ بالمراكز مفتوحة والاتجاه إلي التعامل علي عقود المشتقات المالية لإدارة هذه المخاطر وكنوع من التحوط. الاهتمام بنظم التقارير عن حجم المخاطر التي تتعرض لها المحفظة وعلي ان يتم التقرير علي اساس يومي للتعرف علي موقف المحفظة واتخاذ الاجراءات التصحيحية. بناء قواعد البيانات الخاصة بعوامل السوق فيما يتعلق بالتحركات اليومية في اسعار العائد واسعار الصرف واسعار الاوراق المالية والاصول الاخري لفترات زمنية لا تقل عن سنة. الاهتمام ببرامج التدريب الخاصة بمخاطر السوق واشراك عدد اكبر من مختلف المستويات ومختلف الادارات بالبنك خاصة موظفي حجرة المعاملات وادارات الاستثمار.