تشهد أوساط البيزنس المصري اتجاها رئيسيا إلي تنويع معظم مؤسسات الأعمال الكبري لاستثماراتها في مجالات عمل متفرقة ومتنوعة.. القطاعات بعضها ناجح للغاية.. ومعظمها علي العكس تماما ويشير ذلك الاتجاه الذي يأخذ اتجاها يمكن وصفه بالعمومية تساؤلات حول جدوي هذه الظاهرة وهل يمكن وصفها بأنها تطور طبيعي للنشاط وخصائص السوق وأحوال الاقتصاد، أم أنها توزيع للمخاطر من أجل حماية البيزنس ورؤوس الأموال.. ويبقي الخيار الأخير وهو الفشل في تحقيق التكامل الرأسي في القطاع وتوسيع النشاط؟! هذا التساؤل الرئيسي طرحته "الاسبوعي" علي عدد من رجال الأعمال.. وخبراء هذه الظاهرة، وفي الوقت الذي رأه البعض اتجاها عالميا ولكنه لا يعتمد علي رجل الأعمال "الكشكول" الذي يعمل في كل قطاع ويفهم أسرار بيزنس كل نشاط بقدر ما يعتمد علي فصل الملكية عن الادارة، أما آخرون فأكدوا أن ذلك يعكس مأزق القطاع الخاص المصري الذي بدأ نشاطه عن طريق التجربة والخطأ وفي ظل غياب المعلومات السوقية والانتاجية، كما أنه يعبر عن عدم تأصل التقاليد الصناعية. في البداية يوضح عادل العزبي نائب رئيس الشعبة العامة للمستثمرين بالاتحاد العام للغرف التجارية أن أصحاب الأموال في مصر أغلبهم غير متخصصين في مجالات معينة، ولكنهم باحثون عن مجالات لتوظيف أموالهم لتحقيق الأرباح، ويلجأ هؤلاء عادة إلي شراء الخبرة لإدارة استثماراتهم سواء من خلال المكاتب أو الشركات المتخصصة أو من خلال العاملين لديهم، ويوجد إلي جوار هؤلاء مستثمرون متخصصون في مجالات محددة وهو ما يظهر في بعض المجالات مثل الكمبيوتر ونظم المعلومات وإلي حد ما في الصناعات التكنولوجية. وينتقد العزبي اتجاه بعض رجال الأعمال في مصر إلي التوسع الأفقي شبه العشوائي في الاستثمار والذي يتجه فيه رجل الأعمال إلي الجمع بين مجالات لها رابط بينها فنجده يجمع بين صناعة الالكترونيات إلي جانب صناعة الاثاث إلي جانب الاتجار في الأراضي ومشروعات الاسكان دون أن يتجه إلي التوسع الرأسي في نشاط محدد وتعميقه وأوضح أن هذا التشتت يقلل من القيمة المضافة المتحققة من الأعمال ويعكس عدم وجود رؤية واضحة تنبئ عن نهضة حقيقية وتنمية واضحة. كما ينتقد عادل العزبي أيضا اعتماد بعض رجال الأعمال المصريين علي ما يسمي باقتصاد المحاكاة والذي يقوم علي إقامة مشروعه تقليدا لمشروع آخر حقق نجاحا، وهو ما يؤدي لأن يسحب من الشريحة التسويقية للآخرين دون اضافة وتنمية حقيقية، وهو الأمر الذي قد يؤثر علي نجاح هذه المشروعات. ويرجع العزبي هذه الظاهرة إلي أن القطاع الخاص في مصر بدأ بالتجربة والخطأ ولم يقم علي دراسات علمية أو استنادا إلي خبرات موجودة ومتوارثة كما يحدث في الدول المتقدمة والذي عادة ما تلعب البنوك فيها دورا محوريا في توجيه المشروعات وتشكل سياجا مهما لحمايتها، بالاضافة إلي ما تملكه هذه الدول من قاعدة بيانات واضحة تساعد المستثمرين في اتخاذ القرارات الاستثمارية. مسألة تقاليد أما جمال بيومي أمين عام اتحاد المستثمرين العرب فيري أن التقاليد الصناعية للقطاع الخاص في مصر لم تتأصل بعد، حيث كانت الدولة هي المتحكمة في النشاط الاقتصادي لسنوات طويلة وأرجع بيومي عدم اتجاه القطاع الخاص للتوسع الرأسي في نشاط محدد وتطويره إلي الحماية المبالغ فيها علي الصناعة المصرية وعدم وجود حافز أمام المستثمر لتطوير انتاجه ويشير إلي أن الصناعة المصرية مازالت لا تصدر أكثر من 6% من إنتاجها كما يفرض المستثمر انتاجه أيا كان نوعه وسعره علي السوق المحلي اعتمادا علي هذه الحماية، وعندما تحدث هزة في السوق المحلي يقفز علي قطاع استثماري جديد لا يتعلق بمجاله الأصلي علي الاطلاق وبالتالي لا يقيم تكاملا استثماريا لا رأسيا ولا أفقيا، وهو الأمر الذي اتضح في الفترة التي اتجه فيها معظم رجال لأعمال لدينا للاستثمار العقاري، وهو الأمر الذي يري معه بيومي أن عدم تنويع القاعدة الصناعية كان السبب الاساسي وراء عدم تنمية للتجارة البينية بين الدول العربية. ظاهرة خليجية ومن جانبه يؤكد د.محمود عبدالحي مدير المعهد القومي للتخطيط وجود ظاهرة جمع رجل الأعمال في مصر بين استثمارات متنوعة لا يوجد فيما بينها أي تكامل تفتقد القدرة علي الإدارة السليمة ويشير إلي أن معظم هذه الاستثمارات هي "استثمارات عائلية" مما يعني أن المستثمر سيقوم علي إدارة هذه الأعمال المتفرقة بما يتنافي مع مباديء الادارة السليمة التي تتطلب التركيز والتفرغ. ويري د.عبدالحي أن ذلك يرجع إلي اقتراب هؤلاء المستثمرين من نمط الاستثمار الخليجي الذي يقوم علي امتلاك المستثمر للمال والذي يعمل علي تنويع محفظة الأوراق المالية لتنويع المخاطر ويشير في المقابل إلي أن رجال الأعمال ذوي الصلة بالمجتمعات الصناعية يركزون عادة علي التخصص والتوسع الرأسي في مجال معين والعمل علي تطويره. التنوع الناجح أما اسماعيل عثمان الرئيس الأسبق لشركة المقاولون العرب ورئيس مجموعة شركات عثمان فيوضح أن قيام رجل الأعمال بتنويع استثماراته أمر لا غبار عليه إذا قام بدراسة جيدة للمجالات التي ينوي الاستثمار فيها وبشرط أن يأتي بالادارة المتخصصة لكل مجال ويكون دوره هو امتلاك رأس المال أما أن ينفرد رجل واحد بالادارة في مجالات مختلفة ومتفرقة فلن تكون نتيجته سوي التعثر. ويرصد د.أمين مبارك رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب أن الاستثمارات العملاقة في كل مكان في العالم تتجه إلي التنوع ويوضح علي سبيل المثال أن شركة سيمنز الألمانية العالمية تعمل في مجال الاتصالات ومحطات كهرباء وكذلك جنرال الكتريك الأمريكية التي امتلكت مؤخرا محطة تليفزيون عملاقة ويوضح أن الفيصل في الحكم علي ذلك هو فصل الادارة عن الملكية مشيرا إلي أن لجوء رجل الأعمال إلي قطاع استثماري واعد يعد أمرا جيدا بشرط أن يوكل هذا الاستثمار للمتخصصين فيه. أما فيما يتعلق بعدم اتجاه رجال الأعمال في مصر للتوسع الرأسي في مجالهم الاساسي فيري الدكتور أمين مبارك أنه يرجع إلي عدم الاهتمام بالابحاث والتطوير التي تساعد علي تعميق التخصص.