كشف تقرير حديث لوحدة ابحاث بنك ?اتش اس بي سي? البريطاني، في رصده عن الواقع الاقتصادي المصري، أن الأوضاع في مصر غير مشجعة اذا استمرت الاضطرابات السياسية والتناحر بين القوي علي حالها كما هو الآن، بينما قد يكون الوضع افضل بكثير في حال انتهاء الأزمات المتتابعة. وكشف التقرير أن هذه الاضطرابات تكلف الاقتصاد المصري الكثير، وقد يكون هو العامل الرئيسي في تضييق الخناق علي أي نمو اقتصادي في مصر، في الوقت الذي انطلقت فيه دول عربية أخري نحو تسجيل معدلات نمو كبيرة للغاية. وأظهر التقرير الصادر عن مجموعة ?إتش إس بي سي? أن دول الخليج الغنية بالبترول وعلي رأسها قطر والسعودية، تعمل علي توسيع فجوة ثرائها مقابل الدول المستوردة للطاقة في المنطقة، وعلي النقيض تتسبب الاضطرابات السياسية في بعض الدول بدءا من مصر وحتي لبنان في تضييق الخناق علي أي نمو اقتصادي لهذه الدول. وأشار التقرير، الذي نشرته شبكة ?بلومبرج? الإخبارية إلي أن المؤشرات تدل علي اتساع اقتصادات كل من السعودية وقطر والكويت بشكل أكبر خلال هذا العام، فيما جاءت توقعات البنك خروج كل من مصر ولبنان والأردن. وأوضح التقرير أنه في الوقت الذي تودع فيه السعودية مدخرات بقيمة مليار دولار اسبوعيا، تعمل مصر علي احصاء ما تبقي لها من مخزون القمح يوميا، مشيراً إلي ان اتساع الفائض بمجلس التعاون الخليجي يتعارض مع الصعوبات الموجودة خارجه، وزيادة معدلات النمو تناقض الانكماش والبطء في الجهة الاخري. وذكر تقرير البنك أن أمراء الامارات والدول العربية قاموا بضخ مليارات الدولارات داخل اقتصادات دولهم لإيجاد فرص عمل ومنع أي اضطرابات قد تطيح بالحكومات مثلما حدث في مصر وليبيا وتونس. وهذا التفاوت أضعف من قوة مصر السياسية وزيادة اعتمادها علي مزيد من المساعدات من دول مثل قطر لمنع انهيار اقتصادها. وتوقع التقرير ارتفاع اقتصادات قطر بنسبة 6.5% خلال العام الجاري والتي تعد علي رأس دول العالم المصدرة للغاز الطبيعي المسال، بعد ان كان قد أصدر توقعات بنسبة نمو 5.2% في الربع الماضي، مشيراً إلي أن نسبة عجز الموازنة في مصر قد تصل إلي 11% من الناتج المحلي الاجمالي، خاصة مع ضعف الاقتصاد بسبب زيادة حدة المعارضة ضد الرئيس محمد مرسي، وهو ما يؤجل محادثات قرض صندوق النقد الدولي، ويهدد الاحتياطي النقدي، وأضاف تقرير مجموعة ?إتش إس بي سي?، أن الفرصة المحدودة منذ قيام الثورة المصرية لتحقيق انتقال سياسي منظم واستقرار الوضع الاقتصادي يبدو أنها قد أغلقت بسبب التدهور الكبير الذي تشهده الدولة في الربع الأخير . واعتبر التقرير أن الازمة الاقتصادية في مصر اساسها أزمة سياسية، مشيراً إلي أن الأزمة الاقتصادية التي تعاينها مصر منذ عامين هي في جوهرها أزمة سياسية، والدليل أنه في الأعوام الستة الأخيرة من حكم مبارك، شهدت مصر مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وكانت مصدر استقطاب شديد للاستثمار الأجنبي، وكانت تصنف في خانة الاقتصادات الناشئة، وذلك برغم المشكلات التي تعاينها البلاد في العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل، لكن منذ اندلاع الثورة، أدت العملية الانتقالية السياسية الحافلة بالاضطرابات إلي تراجع اقتصادي حاد، وتململ اجتماعي واسع النطاق، وتسببت في تردي الأوضاع الداخلية علي مستوي الأمن، إلي درجة أن مصر صُنفت مؤخراً بعد باكستان وتشاد واليمن علي هذا الصعيد. وأوضح التقرير أنه في ظل التركيز بشكل رئيسي علي الجوانب الاقتصادية للأزمة الراهنة، وعدم التطرق بشكل كاف لجذورها السياسية، فإن من شأن أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي أن يعرض الاستقرار الاقتصادي والسياسي معاً إلي مزيد من الخطر، ويدفع بالبلاد أكثر فأكثر نحو الهاوية، فمعدلات التضخم والفقر والبطالة تواصل ارتفاعها بصورة خطيرة بعد الثورة، نتيجة استمرار الأزمة السياسية الداخلية التي أرهقت كاهل الاقتصاد.