علي الرغم من ضخامة ملف الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر منذ اندلاع ثورة "25يناير"، والذي رفع إلي الدكتور محمد مرسي فور انتخابه رئيساً للجمهورية، للبت فيه باعتبار أن ذلك الملف ليس بالأمر الهين وهو الشغل الشاغل لرئيس الجمهورية حالياً وللمجتمع كله، بعد الصعوبات التي واجهتها الصناعة المصرية والسياحة وارتفاع الدين المحلي وتراجع الدخول، وتآكل الاحتياطي النقدي، وضعف السيولة. جاءت تصريحات المسئول الاقتصادي لجماعة "الإخوان المسلمين" عبد الحافظ الصاوي، وأكدها المتحدث المؤقت باسم رئاسة الجمهورية الدكتور ياسر علي، بشأن ضخ 200 مليار دولار في صورة استثمارات إلي مصر خلال الفترة المقبلة، كانت الجماعة قد اتفقت عليها مع مستثمرين أجانب من خلال لقاءات واجتماعات مكثفة في الفترة الماضية، مما قد يكون طوق نجاة للخروج بالبلاد إلي بر الأمان، وبرغم حاجة البلاد إلي تلك الاستثمارات فعلياً بسبب ما نعانيه من أزمات اقتصادية كبيرة. إلا أن تلك التصريحات قابلها مراقبون واقتصاديون باستغراب وتوجس شديد، إذ شكك أغلبهم في امكانية استقطاب مصر لهذا المبلغ خاصة في ظل الظروف المالية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد العالمي حالياً، والركود التجاري والمالي الذي يشهده العالم بأكمله بسبب المشكلات والأزمات المالية المتلاحقة، ويعد أبرزها أزمة الديون بمنطقة "اليورو"، وما تسببت فيه من عواقب اقتصادية كارثية، جعلت اكبر الدول الاقتصادية تعجز عن توفير غطاء مالي لإنقاذ الدول التي تراكمت عليها الديون. الخبراء قالوا في تصريحات إلي "العالم اليوم" إن ضبابية الموقف بشأن استقطاب ال 200 مليار دولار، وعدم الكشف عن مصادرها ونوعية المشروعات المقرر ضخ تلك الأموال فيها، يلقي بمزيد من الشكوك حول صحة تلك الأنباء، أو قد يكون الأمر مجرد تصريحات الغرض منها اللعب علي "مشاعر" الجمهور. من جهته أكد الخبير القانوني بجامعة عين شمس الدكتور حسام عيسي، أن عدم تحديد تلك نوعية وتلك المشروعات والجهة التي تأتي منها تلك الاستثمارات، والتي اعلن عنها بأنها 200 مليار دولار، إضافة إلي تحديد نوعية هذه المشروعات، ومن هم هؤلاء المستثمرون، يلقي بمزيد من الضبابية حول الامر خاصة في الظروف الحالية التي يعيشها العالم، معبراً عن استغرابه وخوفه من أن يكون الأمر مجرد تصريحات فقط، وإن كان يأمل أن يكون هذا الكلام في محله وحقيقي، لأنه اذا ما تحقق سيكون له مردود اقتصادي واجتماعي كبيرين علي البلاد ومن شأنه أن ينقل مصر نقلة حضارية واجتماعية وثقافية هائلة في سنوات قليلة. من جهته أكد الخبير الاقتصادي نائب مدير معهد التخطيط القومي المصري الدكتور سمير مصطفي، صعوبة استقطاب استثمارات إلي مصر بهذا الحجم والذي أعلن عنه في حدود 200 مليار دولار، خاصة في ظل ما تعانيه دول العالم من ازمات مالية متلاحقة بدأت منذ عام 2008 وحتي اليوم. وأضاف مصطفي استحالة ضخ ذلك الرقم، مشيرا إلي أن العالم العربي بأكمله حقق أقصي استيعاب له بقيمة 63 مليار دولار عام 2008 في أوقات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت آنذاك، مشيراً إلي أن ذلك الأمر قد يكون منطقياً إذا ما توجهت تلك الاستثمارات إلي الأنشطة سريعة الربح كالمطاعم والتوكيلات التجارية بالإضافة إلي الأنشطة العقارية بنوعيها العقاري العام والسياحي، بالتزامن مع عودة الأنشطة السياحية وخصوصًا السياحة العربية. من جانبه أكد أمين عام اتحاد المستثمرين العرب الدكتور جمال بيومي أن مصر لا يمكنها استيعاب تلك الاستثمارات حتي خلال 5 سنوات، واستيعابها قد يستغرق 25 عاما، قائلا: "إذا تم ضخ تلك الاستثمارات فلا يوجد لدينا ما يباع مقابلها، كما أن الاستثمارات تحتاج إلي بنية أساسية، ومرافق وكباري وخامات، غير متوافرة لدينا، لافتا إلي أن إجمالي الناتج القومي المصري 216 مليار دولار. ووصف بيومي تلك التصريحات ب"اللعب علي مشاعر الجماهير" بحسب قوله، محذرا من خطورتها لأنها تبعث برسالة سلبية مضمونها "الناس تنتظر حتي تمطر السماء ذهبا"، مطالبا بتصريحات عن الوضع الحقيقي ودعوات للعمل، بجانب الكشف عن الجهات المستثمرة، وفي أي المجالات تعمل بدلاً من الغموض الذي يكتنفها. وقال أمين عام اتحاد المستثمرين العرب: إذا كانت أكبر دول العالم اقتصاديا قد فشلت في جمع 480 مليار دولار في آخر اجتماعاتها الأيام الماضية، ولم تستطع سوي تجميع 420 مليارا فقط فكيف لمصر وحدها أن تضخ بها استثمارات أجنبية ب 200 مليار دولار. من جهته أكد عميد كلية التجارة بجامعة الزقازيق الدكتور محمد الغرباوي، أن جماعة "الإخوان المسلمين"، لديها أموال كثيرة بالخارج واستثمارات ضخمة، ونأمل أن تكون استثمارات حقيقية ورائدة في الصناعةالمصرية، وأعرب عن أمله في نجاح الرئيس المنتخب الجديد في تحقيق طفرة اقتصادية حقيقية تفتح الآفاق أمام الشباب لإيجاد فرص عمل حقيقية والنهوض بالأمة وتكامل الاقتصاد المصري وليس تابعيته لأي دولة أخري، مشيراً إلي أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة سيتضح الكثير من هذه البرامج غير المحددة الملامح حتي الآن. وكان رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة عبد الحافظ الصاوي، قد أكد أن عددا من اللقاءات تم خلال الفترة الماضية، بين الحزب ومستثمرين من أمريكا وأوروبا الشرقية ودول عربية. واسفرت عن الاتفاق علي ضخ استثمارات بمصر تصل إلي 200 مليار دولار. وأضاف إن وعود المستثمرين كلها لم تدخل في حيز التنفيذ، لأن حزب الحرية والعدالة ليس له صفة رسمية، والجهة الوحيدة المنوطة بالتنفيذ هي الحكومة. وأكد الصاوي أن المستثمرين يرون أن السوق المصري واعدة لأن بها نحو 90 مليون مستهلك، كما أننا مشاركون في عدد من الاتفاقيات الإقليمية مثل اتفاقية الكوميسا والتجارة العربية، والشراكة الأوروبية، وهو ما يوفر لهم إمكانية التصنيع والتصدير عبر تلك الاتفاقيات، مشيرا إلي أن اللجنة الاقتصادية بالحزب كانت تطلب من جميع المستثمرين طلبين رئيسيين هما عودة السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة لحل مشكلات البطالة والفقر. وأوضح الصاوي أن اللجنة اشترطت في ضوء تلك الأولويات أن يوفر المستثمر أكبر قدر من رأس المال، فلا يجوز أن يوفر أقل من 15% لبدء مشروع ضخم معتمدا في التمويل علي الاقتراض من البنك المركزي المصري، لأنه بذلك سوف يزاحم القطاع الخاص المصري، كما اشترطت اللجنة أن تكون الاستثمارات في مجال الصناعات كثيفة العمالة في الفترة الأولي، والاعتماد علي استخدام التكنولوجيا الحديثة، والتصدير من خلال مصر، وعدم مزاحمة المشروعات المصرية القائمة بالفعل.