وسط أزمة الأحداث الأخيرة أشيع إعلاميا مواجهة مصر خطر الإفلاس وهو أمر رغم انه يثير الدهشة إلا انه يثير أيضا ضرورات تحليلية للوضع الراهن. ان اجمالي الدين العام الخارجي علي مصر شهد تحسنا نسبيا في نهاية شهر ديسمبر 2011 حيث انخفضت نسبته إلي الناتج المحلي الاجمالي إلي 13,3% مقارنة ب4,81% في نهاية ديسمبر ،2010 وقد انخفض رصيد الدين الخارجي بنسبة 3,7% ليبلغ 33,7 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2011 مقابل نحو 35 مليار دولار في ديسمبر 2010. و هذه الارقام تؤكد علي ثلاث حقائق رئيسية وهي: ان الدين الخارجي علي مصر من معدلات الدين المتوسطة عالميا و ان اقتصاد مصر قوي بدليل تمكنه من أداء التزامات الدين الخارجي في مواعيده من اقساط وفوائد. واخيرا ان مصر رغما عن المتغيرات الحالية والتي لاشك أن لها تداعياتها علي الاقتصاد إلا انها مازالت قادرة علي الوفاء بمتطلبات المجتمع الداخلي واداء التزاماتها الخارجية. في هذا الاطار فان الدين الحكومي الخارجي وهو جزء من الدين العام الخارجي ، سجل نحو 25,7 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2011 بنسبة 10,1% من الناتج المحلي الاجمالي،كما ان صافي الدين العام المحلي الحكومي بلغت نسبته 58,5% من الناتج المحلي الاجمالي في نهاية ديسمبر 2011 وهو بكل المقاييس في الحدود الآمنة ولم نتجاوزها. نلاحظ أيضا ان معدلات انخفاض الاحتياطيات الدولية لمصر بدأت في التراجع التدريجي فبعد ان كان المعدل يدور حول مليار دولار شهريا ، فقد تراجع في مارس الماضي الي نحو 600 مليون دولار ، وهو في حد ذاته مؤشر علي تجاوز مصر الايام العصيبة للازمة الراهنة . ان الأزمة التي تواجه الاقتصاد المصري تتعلق بظروف طارئة تمر بها مصر بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وذلك لما تشهده مصر من تحول ديمقراطي، وهي ليست نابعة من اختلالات هيكلية في بنية الاقتصاد او اصابة ركائزه بأضرار، فالثورة المصرية لم تشهد اية عمليات تخريب او تدمير للقاعدة الانتاجية للاقتصاد القومي ،كما ان القطاع الانتاجي والخدمي يمكنه استعادة طاقته الانتاجية القصوي فور استقرار المجتمع وانتهاء مراحل الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور الجديد. من هذا المنطلق فإنه يمكن التأكيد علي ان مصر لا تواجه ابدا خطر الافلاس وهو ما يؤكده عدم تخلف الحكومة عن دفع اي اقساط او فوائد للدين العام المحلي والخارجي، كما تم سداد جميع اقساط مساهمات مصر في المنظمات الدولية للعام المالي الحالي وذلك من حرص مصر علي الوفاء بالتزاماتها الدولية. رغم ذلك فلا يمكن اغفال أن الاقتصاد المصري بالفعل يمر بأزمة عنيفة بسبب توقف عجلة الإنتاج لكنه، في الوقت نفسه، يتسم بالتماسك والقوة ولديه مقومات الانطلاق، والدليل أن هناك العديد من الدول في العالم مرت بنفس الظروف ولم يقال عنها إنها علي شفا الإفلاس أو حتي تتعرض له فالسوق المصري يعاني من جزءين رئيسيين هما غياب الاستقرار الأمني والهجوم علي المستثمرين ورجال الأعمال مما افقد الاقتصاد شهية النمو الاستثماري و هي أمور وقتية تتسق مع طبيعة المرحلة الانتقالية الحالية. كذلك فإن مصر تعاني من مشاكل اقتصادية كانخفاض الاحتياطي النقدي وتوقف بعض المصانع.. الا أن هذه المشاكل الاقتصادية لا تؤدي إلي مرحلة الافلاس وهناك فرق بين السياسات المالية والسياسات الاقتصادية كما أن مصر لم تصل إلي حالة الافلاس لامتلاكها القدرة علي السداد بل والاقتراض الخارجي مما يعني عدم افلاسها. أن القول بافلاس مصر يبدو ضربا من الخيال.. وذلك لقدرة مصر علي الايفاء بالتزاماتها واستمرار حركة الاستيراد فمصر لم ولن تتوقف عن سداد مديونياتها سواء كانت داخلية أو خارجية.. كما أن اذون الخزانة والسندات يتم سدادها في توقيت استحقاقاتها.. وبالتالي فلا معني للقول بافلاس مصر. و علي الرغم من انخفاض الاحتياطي النقدي فمازالت حركة الاستيراد من الخارج مستمرة ولدي الحكومة المقدرة علي سداد التزاماتها الخارجية موضحاً أن 90 في المائة من الاستيراد يتم عن طريق القطاع الخاص الذي يمتلك القدرة علي الوفاء بالديون. ان المؤشرات الاقتصادية تؤكد حتي الان أن خطر الافلاس غير وارد في الحالة المصرية ولا يدعو للقلق.. وذلك لتوافر المواد التموينية والاحتياطي النقدي يكفي وهناك مخزون استراتيجي جيد للسلع الاساسية. و رغم تأكيدنا علي أن افلاس مصر بعيد عن الواقع لما يمتلكه الاقتصاد المصري من مقومات وقدرة عالية.. الا أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم قدرة الحكومة علي اتخاذ قرارات جريئة ويدها مرتعشة بالاضافة إلي تخوف بعض المستثمرين من المستقبل. اتوقع إن مصر ستشهد خلال الفترة القادمة استثمارات أجنبية جادة، بعد إعلاء دولة القانون وليس الاستثمارات الفاسدة التي كانت موجودة في عهد النظام السابق قبل الثورة، والتي كانت تعتمد علي العلاقات الشخصية لرموزه و نشير هنا الي أن أغلب دوافع قيام ثورة 25 يناير ترجع إلي أسباب اقتصادية لرفع الأجور وتدني مستوي المعيشة وغيرها من الدوافع الاقتصادية، أما بعد سقوط النظام ومحاكمة الفاسدين ستعود الدولة إلي البداية وتحقيق تلك الأهداف الاقتصادية. إن نجاح الانتخابات الرئاسية ستؤدي إلي إنهاء الاعتصامات والمظاهرات في مصر، وستعمل علي عودة الإنتاج دون تعطيل العمل، مما يعوض بعض الخسائر التي تكبدها الاقتصاد خلال الفترة الأخيرة جراء أحداث الانفلات الأمني فالانفلات الامني و كثرة الاضرابات تسببا في خسائر كبيرة نتيجة تعطيل العمل مما يؤدي الي خسائر مادية كبيرة. وهذا ما وضع المؤشر الاقتصادي في حالة من عدم الاستقرار. فظاهرة الانفلات الأمني و الاضرابات المتكررة تؤثر علي الاقتصاد المصري تأثيرا كبيرا رغم الاعتراف بمشروعية الطلبات في كثير من الاحيان. هناك ضرورة أن يعم الاستقرار البلد حتي يسير المؤشر الاقتصادي بمعدل ثابت فالاضرابات التي تقع تتسبب في خسارة كبيرة نظرا لتعطل المصالح كما ان حالة الانفلات الأمني التي نشهدها حاليا كان لها تأثير سلبي علي تعاملات البورصة المصرية خاصة أن شرائح عديدة من المستثمرين فضلت الانتظار قبل اتخاذ أية قرارات شرائية لحين هدوء الأوضاع وانتهاء الأزمة فالبائع بالسوق يخشي البيع والمشتري خائف من ضخ أموال جديدة في ظل ضبابية الصورة.