فى مملكة البحرين هذه الدولة الخليجية الصغيرة التى كانت دوما هادئة ورمزا للأمان والاستقرار ومركزا للبنوك والمؤسسات الاقتصادية العالمية -نوع من الاحتجاجات العنيفة التى تبتعد عن نطاق الثورات الشعبية وتدخل فى نطاق الصراعات الطائفية. فالأزمة البحرينية هى أزمة تاريخية متأزمة تبحث عن حلول جذرية منذ عقود وقرون حيث تنقسم البحرين فى تركيبتها السكانية ما بين الشيعة والسنة. ولأن السنة هم الذين يحكمون البحرين من خلال أسرة آل خليفة المدعومة من السعودية وبقية دول الخليج العربى فإن الشيعة الذين تدعمهم إيران يحاولون تغيير تركيبة ونظام الحكم من خلال مظاهرات واحتجاجات تأخذ أحيانا شكلا سلميا وتتطور فى مراحل أخرى إلى نوع من المصادمات مع رجال الأمن التى ينجم عنها فى العديد من الحالات سقوط مصابين وأحيانا قتلى من الجانبين. وأزمة البحرين لا يمكن حلها من خلال الاحتجاجات والمواجهات والثورات، فالسنة الذين تجمعوا بجميع طوائفهم خلف القيادة السنية لآل خليفة لن يسمحوا بقيام دولة شيعية فى البحرين مهما يكن الثمن والتضحيات التى يمكن أن تحدث. والشيعة يقولون إنهم لا يبحثون عن الحكم ولكنهم يتحدثون عن إصلاحات سياسية واجتماعية وهى عبارات قد تكون مقبولة خارجيا إلا أنها مرفوضة داخليا لأنها لا تعنى فى حقيقة الأمر إلا الوصول إلى السلطة. والحل هو فى الحوار والتفاهم وبناء جسور للثقة يمكن معها إيجاد صيغة للتعايش ترضى السنة والشيعة دون تعريض البلاد لنوع من الانقسام طويل الأمد، والذى بدأت ملامحه تتضح فى زيادة الفجوة فى التعامل الإنسانى والاجتماعى بين السنة والشيعة بحيث أصبح كل منهما يتوجس من الآخر وربما يرفض التعامل معه مع أنهما من نسيج اجتماعى وثقافى ودينى واحد والخلاف فى المذهب وليس فى الدين. والمشكلة فى هذا الحوار هو أنه يحتاج إلى وسيط مضمون ومقبول للطرفين يستطيع أن ينال ثقتيهما وأن يحقق نوعا من التواصل لوضع خارطة طريق تخرج بالبحرين من هذا النفق المظلم. والوسيط الأمريكى مكروه.. والوسيط البريطانى مشكوك فى أمره.. وإيران بالطبع لا تصلح وسيطا.. والسعودية كانت كلمتها مسموعة فيما مضى.. والكويت بعيدة عن ساحة التأثير الفعلى.. والإمارات غير معنية بالأزمة كثيرا.. وقطر لا يمكن السماح لها بالتدخل فى الشأن الداخلى للبحرين أيا كان الثمن. والوسيط الوحيد الذى يمكن أن يتدخل وأن يكون مسموعا يجب أن يكون من بين عقلاء وحكماء البحرين أنفسهم. والبحرين غنية برجالات من هذا النوع؛ من وجهاء الشيعة والسنة؛ ومن القيادات الدينية التى تقود الشارع؛ ومن رجال الأعمال والتجارة الذين يمثلون قوة ومكانة لا يستهان بهما ومن شباب البحرين الذين هم الأكثر انفتاحا وتأقلما واندماجا مع العالم الجديد. البحرين لا تحتاج إلا إلى وقفة مصارحة ومكاشفة مع النفس ليسأل كل الأطراف أنفسهم: وماذا بعد؟ هل ندمر البحرين بأنفسنا، أم أن هذا هو وقت التنازلات من الجميع لكى يمكن إزالة الاحتقان وعودة الأمن والأمان لبلد يعيش ويحيا على السياحة والاقتصاد والتجارة؟!