مما لا شك فيه أن قيام ثورة في مصر كان أمرا غير متصور عند كل أجهزة جمع المعلومات بالعالم، تماما كما أن قرار طرد الخبراء السوفيت من مصر عام 1972 لم يكن أمرا متوقعا من كل أجهزة جمع المعلومات سواء عند الروس أو الأمريكيين. وجاءت ضربة السادات القاصمة كأول مسمار علني في نعش الامبراطورية الشيوعية بزعامة موسكو، فقد كانت الثورة في الخامس والعشرين من يناير هي جرس إنذار لم يدعون قراءة شفرة الضمير المصري . وليس سرا أن هناك شعبا سريا في مصر المحروسة، شعب لم تعرفه أجهزة حسني مبارك علي دقتها في سماع دبة النملة وهي تحمل قطعة من السكر علي ظهرها إلي مخبأها.. وهذا الشعب هو الذي نطق دون البرادعي ودون مجموعات الشباب "يسقط يسقط حسني مبارك"، وكل ائتلافات الشباب وكل من ساروا في المظاهرات طوال تلك الأيام لم يعلموا أن هذا الهتاف خرج دون سابق تنسيق من أحد، ولذلك لم يكن مطلب رحيل حسني مبارك هو أول مطالب الثوار في بداية أيام الثورة، بل تأخر هذا المطلب، وسبقته مطالب أخري لم يستجب لها نظام مبارك بالسرعة الواجبة لذلك كان سقوطه بطيئا، وفي وقت السقوط كانت فكرة رحيل النظام باكمله تكتمل، حتي صارت "الشعب يريد إسقاط النظام". وطبعا مر العام لتظهر علي الساحة ثلاثة قوي أساسية "الجيش الذي حما الثورة رغم أنف من يحاولون إنكار ذلك، والشباب والقوي السياسية التي كانت موجودة بالساحة، ثم جماعات الإسلام السياسي، تلك التي فازت بأكبر جزء من كعكة النفوذ في الانتخابات الأخيرة". وكل الدوي الصاعق الذي نعيشه حاليا هو عدم وجود موقع لأقدام الشباب في صناعة المستقبل السياسي، ولذلك فلابد للمجلس الاستشاري أن يوصي بوجود كيان للشباب يتولي ثلث المسئولية في إدارة البلاد، وأن تكون تلك المسئولية الشبابية برعاية ومشاركة القوات السياسية المتبقية علي الساحة، وهي الأحزاب السياسية وقوة التيار الإسلامي والجيش . وإن لم نتلفت إلي درجة من الاتفاق بين القوي الثلاث، فلا أظن أن الحال سيهدأ، ولكن الأمر المؤكد أن الولاياتالمتحدة ستكون الخاسر الأكبر هي ومجموع الدول التي تحاول التدخل في الشأن المصري، لأن الشعب السري سيحسب حسابه ليلقي إلي الكون بالمفاجأة التي يمكن أن تكون ثاني مسمار في نعش النفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط بأكمله.. ولست أعرف تفاصيل ميلاد هذا المسمار، ولكن سابق تجربة احتقار إرادة المصريين وهم يبحثون عن استقلال بلادهم بعد هزيمة يونيو هو الذي كان وراء طرد الخبراء الروس، ومحاولة التدخل بالمال السياسي في سوق الفوضي المصرية المعاصر، هو الذي سيلد المسمار الثاني في نعش الامبراطورية الأمريكية ونفوذها، خصوصا وأن المسمار الأول في هذا النعش تم ميلاده بثورات الشباب الأمريكي في مدن نيويورك وواشنطن، وعدد من عواصمالولاياتالأمريكية .