أضحيت أشعر أني أصرخ وحدي دون أن يسمعني أحد.. وكأني في غرفة حالكة الظلام لا نافذة فيها ولا باب.. فهل هذا هو ما يعرف باليأس!!؟؟ فطوال حياتي لم أشعر بهذا الإحساس.. فأنا بطبيعتي أكره الفشل.. ولكني الآن وفي ظل الأحداث المتلاحقة التي تحيط بنا كافة.. أخشي أن يصل بي الأمر في النهاية إلي ما لم أكن أعرفه في السابق وهو.. اليأس!! فقد صرخت وصرخت ومازلت أصرخ محذرا من كوارث محققة علي الاقتصاد وحتي قبل حدوثها وللأسف لم يسمعني أحد.. وبالطبع لم يسمعني أحد لأني اتحدث فيما لا يهم الشارع.. فإذا تحدثت عزيزي القارئ في أي شيء بعيدا عن السياسة.. فأنت أحد شخصين: إما من الفلول أو جاهل لا تستحق مجرد الالتفات إليك!!.. علما بأن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة.. ولكن للأسف.. لا حياة لمن تنادي. ودون الخوض في تحذيراتنا التي تحققت علي مدار الأشهر الماضية سواء فيما يتعلق بانخفاض قيمة الجنيه وتراجع قيمة الاحتياطي النقدي وهروب المستثمرين المصريين والأجانب ومطالبتنا بعودة وزارة الاستثمار للحفاظ علي ما تبقي من استثمارات وضرورة تشريع قانون للتصالح ما بين الحكومة والمستثمرين فيما يتعلق بالعقود المبرمة في ظل النظام السابق وغيره وغيره.. فأكثر ما يؤلمني حقيقة هو ما حدث يوم السبت الماضي والمتعلق بحكم محكمة القضاء الإداري ببطلان عقد بيع شركة النيل لحليج الأقطان وإعادتها لقطاع الأعمال.. فلم يمر أكثر من أسابيع قليلة علي ما كتبته هنا تحت عنوان "احترس.. لا تشتري هذا العقار ففيه سم قاتل" وتحديدا فيما يتعلق بفوضي رفع الدعاوي القضائية وتبعاتها.. ولاسيما الجزء الآتي. "أضحي العديد من هواة الشهرة" يبحث ويمحص في القوانين لإيجاد ثغرة تمكنه من رفع دعوي قضائية علي أي من الشركات واتهامها بالاستيلاء علي أراضي الدولة بأبخس الأسعار ومن ثم يحقق الشهرة المزعومة.. ولما لا وقد لاقي أول من قام برفع مثل هذا النوع من الدعاوي شهرة تفوق نجوم السينما والكرة لدرجة وصلت بالبعض للمطالبة في أن يكون ضمن أعضاء المجلس الرئاسي الذي ينادي به بعض الثوار!! وأعتقد أنه في ظل فوضي الدعاوي القضائية أضحت هناك ضرورة ملحة لإيجاد حل "دستوري" من قبل الحكومة أو المجلس العسكري أو حتي مجلس الشعب بعد انتهاء الانتخابات الحالية.. بضرورة إيجاد تشريع ينص علي عدم جواز رفع الدعاوي القضائية فيما يتعلق بقضايا الصالح العام سوي من قبل هيئات محددة أو الملاك أنفسهم "في القضايا المتعلقة بالقطاع العقاري" أو حتي الحكومة نفسها وليس من غير ذي صفة.. وأعتقد أننا في مصر نمتلك العديد من فقهاء القانون القادرون علي إيجاد مخرج قانوني ودستوري لإنهاء هذه الفوضي. والغريب أن من قام برفع هذه الدعوي هو ذات الشخص صاحب الضجة الشهيرة في قضية "مدينتي" وأخشي بهذا عزيزي القارئ أن تتصور أني ضد محاربة الفساد.. فأنا في الأصل رجل قانون.. ولكني دائما ما أفضل ميزان العقل.. فلا مانع علي الاطلاق من محاربة الفساد ولكن دون الإضرار بمصالح الآخرين أو إحداث أضرار أكبر من مجرد تصحيح عقد. ولا أدل علي هذا من قضية "مدينتي" وما كان من الممكن أن تؤول إليه الأمور لقدر الله إذا ما قبلت محكمة القضاء الإداري الدعوي الأخيرة وقضت ببطلان العقد الجديد.. فلك أن تتصور كم المدخرات التي كانت ستفقد إذا ما كان ألغي مشروع بهذا الحجم. وإذا ما عدنا لقضية النيل لحليج الأقطان.. وكما علمت أنه ليس هناك بندا في العقد يتيح اللجوء للتحكيم الدولي مما يخفف نسبيا من وطأة الكارثة.. فقد كان من الممكن أن يلجأ إليه المشتري مطالبا بتعويض ضخم يفوق في قيمته ثمن الشركة!! عدا عن السمعة السيئة التي سيتم الترويج لها خارجيا كما حدث في الحكم السابق بإعادة ثلاث شركات لقطاع الأعمال والذي صوره الإعلام الغربي علي أن مصر قد عادت إلي عهد التأميم الأمر الذي قطعا سيضاعف من المسافة بين الاستثمارات الأجنبية وبين السوق المصري. وما أخشاه فعليا.. إذا ما قامت الحكومة بالطعن علي الحكم أمام الإدارية العليا ورفض الطعن.. وبهذا يضحي حكم بطلان عقد بيع النيل لحليج الأقطان قرينة لإلغاء عقود بيع مماثلة لشركات أخري سواء في ذات القطاع أو في قطاعات أخري.. وفي هذا الصدد أذكر أيضا أني قد كتبت منذ بضعة أشهر عن خطورة امتداد الأحكام القضائية بإلغاء عقود البيع السابقة من قبل الحكومة إلي شركات تابعة لقطاعات استراتيجية كقطاع الأسمنت علي سبيل المثال فبعيدا