أكد الدكتور أحمد جلال مدير منتدي البحوث الاقتصادية أن نموذج التنمية الذي طبقه النظام السابق كان نموذجا معيبا حيث كان منحازا للطبقة الحاكمة وللأغنياء وقد منح النموذج امتيازات لأصحاب رؤوس الأموال علي حساب العمال والفلاحين والمستهلكين واعتمد بشكل مبالغ فيه علي آليات السوق دون اتخاذ الإجراءات الفعالة التي من شأنها الحد من سوء استغلال قوي السوق أو منع الفساد أو الحد من الفقر المدقع. لفت جلال في ورقة العمل التي طرحها علي الحوار الوطني تحت عنوان "مصر بعد 25 يناير 2011 رؤية مستقبلية للاقتصاد المصري". إلي أن من كانوا يتولون السلطة في مصر حتي 11 فبراير 2011 لم يكونوا ممثلين لغالبية الشعب المصري ولم يكونوا خاضعين للمساءلة والمحاسبة بشكل فعلي، فقد سعوا وراء نموذج تنمية يخدم مصالحهم ومصالح الدائرة الضيقة المحيطة بهم حيث ركز هذا النموذج في المقام الأول علي زيادة الاستثمار بشقيه الأجنبي والمحلي والنمو الاقتصادي بالاعتماد علي نظام السوق والقطاع الخاص مع أقل قدر من تدخل الدولة وكان يعتقد بناء علي تجربة شرق آسيا أن النمو الاقتصادي السريع يتحقق من خلال عدد من كبار رجال الأعمال، وبالتالي تم ايجاد طبقة من رجال الأعمال تتمتع بغني فاحش ونفوذ مذهل وقد بلغ هذا النموذج ذروته في مصر عندما تحول بعض كبار رجال الأعمال إلي مسئولين سياسيين فجمعوا بين الثروة والسلطة. وقال جلال إن الزعم السائد في هذا النموذج هو أن عوائد النمو الاقتصادي السريع ستتساقط وتصل للطبقات الأدني في نهاية المطاف من خلال عدد من القنوات وأهمها اتاحة فرص العمل ونظرا لبطء هذا التساقط استشعر النظام ضرورة أن يبدو وكأنه يفعل شيئا ما للحد من الفقر المدقع، ومثال علي ذلك ما يسمي بمشروع أفقر 1000 قرية والذي استهدف تخفيض الفقر في تلك القري خلال خمس سنوات متجاهلين المدي الزمني الذي قد يستغرقه هذا التحول وتكلفته والأخذ في الاعتبار بأولويات الفقراء حيث ركز البرنامج علي استمرار دعم المواد الغذائية والطاقة رغم أن الدراسات أوضحت أن هذا الدعم لا يستهدف الفقراء وأنه يتضمن أشكالا خطيرة من التسرب ولا يصل كله إلي المستفيدين الشرعيين لكن النظام السابق قام بالاعلان عن النموذج المذكور في الداخل والخارج باعتباره نجاحا باهرا، وباركته المؤسسات المالية الدولية، وكان النجاح يقاس بشكل أساسي بحجم تدفقات رأس المال، ويتراكم الاحتياطيات من العمالة الصعبة لدي البنك المركزي والأهم من ذلك كله معدلات النمو الاقتصادي، لكن الخلل الأهم في هذا النموذج التنموي هو أنه لم يشرك النسبة الأكبر من المصريين في عوائد النمو بحيث أصبح السؤال: أين ذهبت عوائد النمو المرتفع؟ وفي الحقيقة فليس هناك بيانات كافية لقياس ما حدث لتوزيع الدخل والثروة في مصر إما لأن هذه البيانات لم يتم جمعها بتعمد أو لأنها غير متاحة للاستخدام. المنطق الرشيد ويري أن النموذج الذي يناسب مصر في هذه الظروف والذي يبدو أن الاسواق الناشئة الأكثر نجاحا قد اتبعته وهو السعي وراء ما يسمي ب"المنطق الرشيد" وتتميز أهم ملامح هذا النموذج الاقتصادي من أن النمو الاقتصادي شرط ضروري لكنه غير كاف لتحقيق الرجاء علي نطاق واسع يشمل طبقات المجتمع المختلفة لذلك لابد من إصلاح التعليم والصحة والقطاعات الاجتماعية، وأهمية دور الدولة في تيسير مل الاسواق من خلال انقاذ العقود وحماية حقوق الملكية ومنع الممارسات الاحتكارية وجود آليات سوق تسمح بالمنافسة ووجود القطاع الخاص المبتكر المنتج، وضع قواعد لحماية حقوق المستهلك والعمال في العمل وعدالة في الأجور وهذا النموذج المقترح المصري لا يعلي من قيمة الاسواق علي حساب الحكومات ولا العكس أيضا. وكشف أحمد جلال أن الشهور القليلة القادمة تمثل مرحلة حرجة بسبب التوقعات الهائلة بخصوص جني مكاسب الثورة بشكل فوري في الوقت الحالي الذي يتراجع فيه معدل النمو، وترتفع البطالة وترتفع تكلفة اقتراض الحكومة كذلك من المتوقع استمرار أسعار الغذاء والوقود عند مستويات مرتفعة وزيادة الديون المتعثرة وتعرض ميزان المدفوعات لضغوط متزايدة بسبب الزيادة المتوقعة في عجز الحساب الجاري، وعزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في مصر حتي يتم إجراء الانتخابات القادمة مؤكدا أن الخطوة الأولي والاساسية لوقف تدهور الوضع الاقتصادي ليس بأيدي الاقتصاديين بل بأيدي السياسيين وهناك حاجة ماسة وسريعة إلي استعادة أمن الافراد والممتلكات.