لاشك ان أعمال العنف والشغب التي اجتاحت لندن في مطلع اغسطس واستمرت لنحو ثلاثة أسابيع قد اساءت الي صورة العاصمة البريطانية التي تستعد لاستضافة الاوليمبياد الصيفي في العام القادم 2012 الي حد ان احدي المجلات المعروفة هناك قد نشرت علي غلافها صورة لهذه الاحداث التي تحولت في لحظة ما الي حرب شوارع وكتبت تحتها عبارة تقول "ان هذا هو أسوأ حفل افتتاح" عرفته الألعاب الاوليمبية اضف الي ذلك ان سجون لندن قد اكتظت بالنزلاء بعد ان اتجهت المحاكم الي اصدار احكام مشددة بشأن الجرائم المرتبطة بأحداث العنف الاخيرة وهو ما قد يستلزم تخفيف الاحكام في الأشهر المقبلة خشية انفجار السجون التي بلغ اجمالي عدد النزلاء فيها 87 الف سجين حتي الآن وهو ما يفوق طاقتها الاستيعابية . ومع ذلك فإن لندن تحاول ان تتجاوز هذه الجراح سريعا وان تزغلل اعين المستثمرين بقشرة ذهبية لعلهم يعتبرونها ملاذا آمنا لاموالهم وسط الازمات العالمية المتكاثرة خاصة ازمة الدين السيادي في دول منطقة اليورو التي تتفاقم وتتعقد يوما بعد يوم . وتقول مجلة "الايكونوميست" ان رئيسا سابقا لبنك الاحتياط الامريكي هو بول فولكر قد قارن ذات مرة بين أسواق المال وبين البحر الذي عادة ما يكون عرضة للعواصف العارضة مؤكدا انه من الافضل في البحر ان تركب سفينة كبيرة عندما تتلاطم الامواج ولكن الاحداث الاخيرة كذبت منطق هذا الرجل بل وقلبته علي رأسه فعواصف السوق صارت تتقاذف بعض سفن منطقة اليورو الاكبر حجما بما في ذلك ايطاليا واسبانيا وراح المستثمرون المهتاجون يقفزون الي الاسواق الاوروبية البعيدة عن المركز "المانيا وفرنسا" مثل اسواق السويد والدانمارك وحتي بريطانيا صحيح ان بريطانيا ليست ملاذا مناسبا بسبب ضعف اقتصادها وضخامة الدين الخاص فيها وارتفاع معدل التضخم وتورم العجز المالي خاصة عجز الموازنة إلا أن عوائد السندات الحكومية البريطانية العشرية اي تكلفة الاقتراض التي تدفعها الحكومة مقابل اقتراض النقود لمدة 10 سنوات قد انخفضت في اغسطس2011 لتصبح 2 .2% فقط سنويا وهو انخفاض قياسي . والحقيقة ان انخفاض عوائد السندات ليس في العادة شيئا محل ترحيب عظيم فهو يعكس في جزء منه التراجع المذعور عن الاوراق المالية ذات المخاطر الأعلي ويعكس في جزء اخر توقع استمرار الانخفاض في اسعار الفائدة الذي يستخدم كدواء للاقتصاد العالمي المريض لفترة اطول ولكن جورج اوزبورن وزير مالية بريطانيا سرعان ما ادعي ان انخفاض تكلفة القروض التي تحصل عليها الحكومة تشير الي ثقة الاسواق في خطة التقشف التي وضعها من اجل خفض العجز في الموازنة وعموما فإن كلام اوزبورن فيه بعض الصحة ففي اوائل العام الماضي 2010 عندما كانت سحب أزمة الدين العام لدول اليورو تتجمع كانت عوائد السندات البريطانية مساوية تقريبا لعوائد السندات الحكومية الإسبانية رغم أن إسبانيا كانت تعاني مثل بريطانيا عجزا كبيرا في الموازنة وإن كان حجم ديونها العامة أقل من حجم الديون العامة البريطانية ولكن المسارين سرعان ما افترقا بقوة فارتفعت عوائد السندات الإسبانية إلي 2 .6% قبل أن تهبط مرة أخري إلي 5% بينما تراجعت عوائد السندات البريطانية من نحو 4% لتصبح كما ذكرنا للتو 2 .2% فقط . ويبدو أن أسواق السندات قد تبنت إزاء بريطانيا وجهة نظر أو رؤية أكثر اعتدالا من تلك التي تبنتها إزاء إسبانيا . . فرغم أن معدل النمو في إجمالي الناتج القومي للبلدين في العام الماضي كان مجرد 7 .0% فإن خطة التقشف التي أعلن عنها أوزبورن لأول مرة في يونية 2010 قد أسهمت في إبعاد بريطانيا عن الاضطراب المالي الذي يجتاح دول منطقة اليورو . . ويمكن القول ببساطة بأنه ربما كانت اغلال دول اليورو هي التي ازعجت المستثمرين أكثر مما ازعجهم احتمال دخول هذه الدولة أو تلك مرحلة الخطر وما قد يسببه لهم ذلك من خسارة . ومع ذلك تنبه مجلة "الإيكونوميست" أنه من الخطأ أن نثق ثقة زائدة في هذا التحليل . . فعجز الموازنة في بريطانيا بلغ 10% من إجمالي ناتجها المحلي في العام الماضي الذي انتهي في إبريل 2010 ولم تحقق من دول الغرب