ماذا يعني ذهاب السلطة الفلسطينية إلي مجلس الأمن في سبتمبر المقبل لطلب عضوية كاملة في الأممالمتحدة بالنسبة لإسرائيل؟ هذا السؤال يؤرق صناع القرار في الدولة العبرية ويقض مضاجعهم ليس لأن العنصرية وسياسة الاحتلال الأبدي هي عقيدتهم الراسخة ولكن لأن اعترافاً من هذا النوع يعني وجود كيان فلسطيني حر معترف به، وأنهم كدولة احتلال لابد من الإقرار بحقهم في الحدود والوجود وعودة اللاجئين والتعويض والأمن، وهي الأمور التي تلتف عليها إسرائيل منذ عقود وترفض الاعتراف بها أو إيجاد حلول لها للذهاب إلي مجلس الأمن بالنسبة لإسرائيل يعني أن إسرائيل ستكون في حل من أي اتفاق أبرم بين الجانبين فالخطوة الفلسطينية من وجهة نظرها معناها خرق جميع الاتفاقيات الموقعة وإعلان وفاة اتفاقية أوسلو. إسرائيل لا تعي أن شهادة وفاة اتفاق أوسلو قد استخرجت منذ زمن، وأن الاتفاق لم يعد ذا قيمة وأن المفاوضات لم تأت إلا بالمزيد من المستوطنات التي قضمت معظم الاراضي الفلسطينية، لذا كان لابد من وقفة لوضع حد فاصل بين ممارسات إسرائيل علي أرض الواقع وما تدعيه في وسائل الاعلام المساندة لها حول العالم. السلطة الفلسطينية كما هو معروف استنفدت طاقاتها في مفاوضات ماراثونية مع إسرائيل لم تأت إلا بالمزيد من الاستيطان وانتهاك الاراضي والاستيلاء عليها وتقليص حجم المبادئ المتفق عليها في أوسلو ،1993 بل إن المفاوضات جعلت الفلسطينيين يقدمون التنازل تلو الآخر دون أي استحقاقات في المقابل من الجانب الاسرائيلي، وفي كل تنازل تحاول إسرائيل اكتساب المزيد من المزايا والانتقاص من الحقوق الفلسطينية مدعمة بتأييد الادارة الامريكية، والمجتمع الدولي، ومن هنا كان لابد للسلطة الفلسطينية وسط هذا الإجحاف الاسرائيلي ايجاد البدائل التي تحفاظ علي الحقوق الفلسطينية من النهب الاسرائيلي المتواصل وصمت المجتمع الدولي والدعم الامريكي الكامل. لم يكن امام إسرائيل في ضوء الحراك الفلسطيني والسعي الدؤوب من جانبها لانتزاع الشرعية الفلسطينية والاعتراف بالدولة، سوي التهديد بالغاء اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، بعد تزايد عدد الدول الاوروبية التي اعترفت بفلسطين كدولة مستقلة عاصمتها القدسالشرقية، الأمر الذي زاد من مخاوف إسرائيل بذهاب السلطة الفلسطينية إلي الاممالمتحدة لاكتساب شرعية هذا الاعتراف، رغم التقليل من أهميته واعتباره مجرد وهم وخدعة، فمازالت إسرائيل مصرة علي بيع الوهم للعالم بأن هناك امكانية للوصول إلي اتفاق سلام مع الفلسطينيين في الاشهر القريبة، وادعاءها بأن الفجوات بين الجانبين هي فجوات نفسية وليست جوهرية، وفي ذلك تعتمد إسرائيل كالعادة علي حق النقد "الفيتو" الامريكي ضد طلب الفلسطينيين في مجلس الامن فأي قرار يحصل عليه الفلسطينيون في هذه الحالة فارغ المضمون، ولن يتمتع بصلاحية قانونية، وسيبقي القرار حبرا علي ورق. إسرائيل تخشي من هذه الخطوة فقدان طابعها اليهودي والديمقراطي خاصة في حال استمر الجمود السياسي، وربما بذلك تتحول إلي دولة ثنائية القومية التي ستسير بها إلي الهاوية وتصطدم بالحائط الذي سيجعلها تخسر دولتها اليهودية التي طالما طالبت بها ومازالت. أصبح الآن الموقف الامريكي أكثر وضوحا بعد التلويح للسلطة الفلسطينية والتهديد المبطن بعدم الاعتراف بهذه الدولة واستخدامها حق النقد "الفيتو" الذي يعول عليه الاسرائيليون كثيرا، وتسعي جاهدة علي أمل اعادة المفاوضات بين الجانبين قبل شهر سبتمبر، وتعتبر واشنطن أن ترسيم الحدود مع تبادل أرض متفق عليه سيعني الانتهاء من الكثير من العقبات امام بدء مفاوضات السلام، وطريقة أيضا لتهدئة الفلسطينيين واقناعهم بعدم التوجه إلي الاممالمتحدة واحراج الولاياتالمتحدة، كما تعتبر الاسابيع المقبلة حاسمة من حيث استعادة وتيرة التفاوض، وعدم السماح للاضطرابات في المنطقة كي لا تكون حجة لوقف جهود إحياء عملية السلام. غير أن السلطة الفلسطينية التي باتت مقتنعة وواثقة من عبثية المفاوضات التي استنفدت الوقت واستهلكت الطاقات تعتزم توجيه رسالة إلي الامين العام للامم المتحدة بان كي مون للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود عام ،1967 واتخاذ الخطوات الملائمة من أجل البحث بصورة ايجابية في طلب قبول فلسطين كدولة عضو في الامم