يوم الجمعة الحادي عشر من يناير ،2011 يوم عظيم في تاريخ الشعب المصري، لأنه حقق لأول مرة من خلال ثورة حقيقية إنهاء حكم شمولي حكم لثلاثين عاما. ولم أكن أشك لحظة في تحقيق هذه الثورة لمطالبها، وأولها تنحي الرئيس، ولم تخالجني أي هواجس باحتمالات فشلها، مثل العديدين الذين اربكتهم الجرأة والقوة والتصميم للشباب حيث فوجئوا به، فخافوا منه أو عليه.. وتجاذبتهم الدعاية الإعلامية ضد الثورة تارة، وعدم الثقة في قدرات هؤلاء أيا ما كانوا علي إحداث تغيير ونسج حلم في البلاد تارة أخري، فلم يصدقوهم، ولكني صدقتهم منذ يوم 25 لأني رأيت نبلهم. لقد قلتها واضحة ودون أدني تردد في الأسبوع الماضي في مقالي "إنها الثورة" لأني أدركت من تواجدي بين شباب 25 يناير أنهم بصدد صنع تاريخ جديد لمصر، يستمد ملامحه من أفكارهم هم وليس أفكار جيلي، أو أجيال سابقة، ومن إرادتهم هم لوحدهم دون أن يكونوا تحت ضغط قوي سياسية بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين. ومن حق الشباب الذين خرجوا للثورة، وحققوا حلما عظيما للشعب بكامله أن يقرروا ملامح المرحلة القادمة. لقد دعوت أصدقاء كثيرين إلي زيارة ميدان التحرير للاستماع إلي شباب 25 يناير، والحوار معهم إذا أرادوا ذلك حتي يطمئنوا.. أن الشباب ليسوا تافهين أبدا، ولهم "مخ يوزن بلد" مثلما يقول المثل، ومتحضرين جدا في أسلوب حواراتهم وأقنعتني طريقة تحليلهم، واعتمادهم علي "التلغرافات" في بعث الرسائل التي يريدونها من النظام، ومن الإعلام فهم يختصرون الحديث، ولا يعتمدون علي الخطب الرنانة والحماسية المطولة.. إنهم جيل جديد بزغ مع فجر جديد.. فليعترف بهم الجميع.. ولينضم إلينا من المصريين الطيبين الصامتين من كانوا قابعين في بيوتهم يحسبون بالورقة والقلم، وبالآلة الحاسبية الخسائر، وليفكروا في المكاسب التي تحققت والتي سوف تتحقق. إن ثورة 25 يناير ليست ثورة مصرية فقط بل هي عالمية، لأنها متحضرة بيضاء لم يحمل فيها الشباب سلاحا، بل دافعوا عنها بأجسادهم ودفعوا ثمنا لحرية المصريين أرواحهم الطاهرة، حافظوا علي الأخلاق في لحظات داس أنصار النظام وبلطجيته وقوات أمنه علي تلك الأخلاق وحتي بعد النصر حملوا "المقشات" ونظفوا ميدان التحرير وسطروا المزيد من الدروس والمبادئ في حب الوطن. لقد كانت ثورة غير مسبوقة، ولم نقرأ عنها في كتب التاريخ، ولا في التاريخ المعاصر، لأنها اعتمدت علي العلم أيضا، رغم ان النظام داس علي العلم عبر سنوات حكمه، وهمشه وهمش العلماء، لكن الشباب الثوار رغم ذلك التهميش المتعمد استفادوا من الثورة التكنولوجية العالمية، واستخدموا وسائلها العصرية في تغيير المشهد البائس الذي وصلت إليه مصر من فساد، وسرقة ومحسوبية وأمراض وبطالة وفقر وتهميش، وما إنجر عن ذلك من اكتئاب للناس وكفر بفرص التحسن خاصة في ظل مشاهدة ملف التوريث وهو يتحرك علي المسرح السياسي وتتقدم أوراقه تدريجيا للحصول علي التسويغ الداخلي والخارجي. وعندما كان يتم نفي تلك الأخبار كنت أشعر شخصيا بالسخرية والعبث، فمن خلال عملي كرئيسة تحرير برنامج "اتكلم" في التليفزيون المصري الذي أجري أول حوار لجمال مبارك في تليفزيون الدولة، أعرف جيدا ان سيناريو التوريث يتم تحضيره علي نار هادئة منذ أكثر من 5 سنوات وانه "سيقفز" إلي سدة الحكم في أول فرصة يغتنمها مبارك ورجاله ولم يعد خافيا علي أحد خلال السنوات الأخيرة ان مبارك وسوزان أصبح شغلهما الشاغل هو كيفية فرض هذه الحقيقة المفترضة.. وأذكر اني كتبت علي الفيس بوك تعليقا علي صورة لي مع جمال مبارك التقطتها في أول مقابلة معه.. هذا هو رئيس مصر القادم.. إذا نجحت عائلته في فرضه علي الناس. ولم يختلف معي الصديق العزيز جهاد الخازن، الكاتب في جريدة "الحياة" عندما أكد لي تلك الاستنتجات المبكرة، من ان جمال مبارك مشروع الرئيس القادم لمصر "إلا إذا رفضت أمريكا" هكذا قال جهاد.. قبل 6 أو 7 سنوات عندما حكيت له ما لاحظته خلال متابعة إجراءات الحوار مع جمال مبارك، مع مكتبه، الذي كان مسئولا عنه كريم حجاج، في ذلك الوقت وما لمسته من رعاية خاصة له من وزير الإعلام أنس الفقي، ومتابعة لكل التفاصيل من الرئيس مبارك بنفسه.. وحرصه علي معاودة الاتصال بالفقي قبل بدء الحوار مباشرة للتوصية والاهتمام الخارق من جميع المسئولين في الدولة بجمال مبارك.. ليس لمجرد انه نجل الرئيس، وإنما للمشروع القادم في تمكينه من السلطة. تلك الدلائل المبكرة جدا كانت توحي بأنه الرئيس القادم الذي يُجهّز له المسرح.. ولكن ثورة شباب 25 يناير أحبطت تلك المخططات.. وتحدت الجميع بما في ذلك أمريكا.. التي ظن صديقي جهاد الخازن أنها ربما ستكون الوحيدة القادرة علي قول "لا" للنظام.. علي العكس أمريكا وافقت بشرط أن يتم انتخابه في انتخابات رئاسية. من قال "لا" هم الشباب.. وهم الذين أطاحوا بكل المخططات الديكتاتورية الأخري التي تحاك ضد مصر، من أشخاص كان يفترض وطنيت