يخدع نفسه من يظن أن أمريكا قد فشلت في مسعاها الهادف إلي إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان لفترة محدودة لم تتعد التسعين يوما، ذلك أن أمريكا لو أرادت تحقيق مسعاها هذا لكانت قد شرعت باستخدام الورقة التي سبق ل"بوش" الأب أن استخدمها قبل مؤتمر "مدريد" للسلام عندما هدد إسرائيل بحجب ضمانات القروض البالغة عشرة مليارات دولار، فلقد أراد يومها الضغط علي إسرائيل من أجل إنجاح مشروعه بحل مشكلة الشرق الأوسط فكان أن رفض منح إسرائيل ضمانات القروض ليبرهن علي صدق نوايا أمريكا في حل المشكلة الفلسطينية. ** أمريكا والطريق إلي وأد القضية اليوم الأمر مختلف كلية، فإدارة أوباما لم تفشل في مسعاها لوقف الاستيطان كما بدا للبعض ولكنها كانت غير معنية بإيجاد حل عادل ومنصف للقضية، ولهذا غسلت يديها منها كلية وأدخلتها في مرحلة باتت معها قاب قوسين أو أدني من التصفية، مضت أمريكا في عدوانيتها للعرب والفلسطينيين، فكل تحركاتها أكدت عزمها علي وأد القضية من خلال مواقف مستهجنة اتخذتها كان من بينها قرار مجلس النواب الأمريكي الخميس الماضي الذي تضمن رفض إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، ودعا إدارة أوباما إلي استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد أي تحرك دولي في هذا الاتجاه، بل ودعا الحكومات الأجنبية إلي عدم منح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فلقد غضبت أمريكا عندما أعلنت البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وأرجواي الاعتراف بقيام دولة فلسطينية من العام القادم، وعليه جاء قرار مجلس النواب الأمريكي ليؤكد الانحياز المطلق لإسرائيل وللإحتلال، لقد وجه القرار ضربة قاضية لأي توجه نحو مجلس الأمن من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية علي حدود سنة ،67 وكأنما أراد تشجيع إسرائيل علي مواصلة سياستها المناهضة للسلام تحت الحماية الأمريكية، ولاشك أن القرار المذكور لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا، فكل المؤشرات تشي بأن أمريكا لم تكن جادة في مسعي السلام الذي تبنته والذي لم يكن إلا واجهة لرفع العتب. ** كلام لا أفعال المفارقة أن أوباما الذي منح جائزة نوبل للسلام دون أن يحقق أي سلام سعي من خلال إدارته إلي تحريض أوروبا علي عدم الاعتراف بدولة فلسطينية وتبني بذلك منطق إسرائيل الرافض لأي حديث عن دولة لا تأتي عبر التفاوض، ولهذا رأينا الاتحاد الأوروبي يتماهي مع أمريكا في موقفها من القضية الفلسطينية، فكلاهما ساعد علي وأدها، وكلاهما لجأ إلي التغطية علي ذلك بتصريحات نسمعها منذ "أوسلو" تتحدث عن عزم الجميع علي التحرك صوب إقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة، فكل ما طفا علي السطح هو الكلام بينما غاب الالتزام بجدول زمني أو بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية إذا ما أعلنت من طرف واحد. ** تغليب المصالح علي الشرعية الدولية أمريكا التي تقود المسيرة تسعي لإضاعة الوقت ولهذا وجدنا "ميتشل" في جولته الأخيرة في المنطقة يطرح مصطلحا مغايرا للمفاوضات المباشرة وغير المباشرة ألا وهو محادثات موازية من الطرفين - الفلسطيني والإسرائيلي - مع أمريكا علي مدي ستة أسابيع ولعله لم يطرح ذلك إلا لثقته بأن القيادة الفلسطينية ودولا عربية ستقبل به علي أساس التجربة ومن أجل عدم إضاعة الفرصة، أما ما أردته أمريكا من ذلك فهو تغليب المصالح الداخلية الأمريكية علي القانون والشرعية الدولية. ** أمن إسرائيل هو الأساس ان كل ما يعني الغرب في المقاوم الأول هو أمن إسرائيل والهواجس المشروعة حياله، أما القضية الفلسطينية والأرض المحتلة فلا تعنيه في شيء، ولهذا تسترت دولة تحت عباءة التصريحات المكررة والمعادة علي مدي عقدين والتي تتحدث عن العمل بشكل حازم من أجل إحراز تقدم نحو السلام الإسرائيلي الفلسطيني وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة تتمتع بالسيادة إلي جانب دولة إسرائيلية تتمتع بالأمن، ولهذا لم يكن غريبا أن نري أمريكا والاتحاد الأوروبي غير معنيين بمسألة الاستيطان الإسرائيلي الذي يمضي بوتيرة متصاعدة تقضم الأرض وتنسف كلية فكرة