ربما كان أفضل ما قام به وزير التعليم الجديد د. أحمد زكي بدر هو قراره الأخير بفصل أحد طلبة مدرسة بور فؤاد الثانوية العسكرية بمحافظة بورسعيد فصلا نهائيا لاتهامه بالتعدي علي مدرس التربية الفنية وسبه كما جاء ببيان الوزارة. طبعا هناك من سيقول إن المدرس أكيد أهان الطالب أو زجره أو عنفه.. وأيا كان ما فعل المدرس فإن فصل الطالب "نهائيا" هو ردع هام في وقت تسيبت فيه الأمور، وانهارت فيه الأخلاقيات ولم يعد هناك ضابط أو رابط في العلاقة بين المدرس والتلميذ. وأسباب ذلك كثيرة منها انهيار منظومة القيم والأخلاق في المجتمع عموما، ومنها انخراط العديد من المدرسين في الدروس الخصوصية التي جعلت المدرس يتكسب من أهل الطالب وبالتالي فإن "أكل عيشه" مرتبط برضاه.. ومنها سوء أحوال المدرسين أنفسهم وتراجع هيبتهم أمام تلاميذهم، الأمر الذي أدي إلي تجرؤ التلاميذ عليهم. طبعاً هذا الطالب أو غيره لم يسمعوا أبدا بقصة المدرس الذي "كاد أن يكون رسولا" فالقضية أن التعدي علي المدرس أصبح شطارة، بل بلطجة قد يدعمها بعض الأهل، فالهدف لم يعد التعليم وإنما فقط تمرير السنين.. أي النجاح بالتمرير كما اكتشفنا مؤخرا. حكاية الطالب والمدرس ما هي إلا جزء من منظومة التعليم المهترئة التي لا يبدو لها حل في بلادنا، فالمدرس مهما رفعت من أجره لايزال ضعيفا، كما أنه يعمل ضمن منظومة مليئة بالثغرات من مناهج تكرس التجهيل والأمية الحديثة إلي مبان تعليمية تكتظ بالتلاميذ "80 تلميذا في الفصل الواحد"، ومدارس بلا أحواش أو صالات رياضية، مرورا بنظام يتغير كل سنة طبقا لحال الوزير الجديد. ولا أعرف أين نهاية هذا النفق المظلم.. فحتي المدارس الدولية لم تنجح في إخراج جيل أفضل، لأنها ببساطة تخرج جيلا لايعرف الفرق بين حسني عبد ربه "لاعب الكرة" وبطل الحرب والسلام "كما جاء في أحد الاختبارات".. جيل لا علاقة له بالوطن أو تاريخه أو لغته سوي الاسم فقط. وما بين النظامين يضيع الآباء غير القادرين والقادرين أيضا.. وكأن الأمر لغز إغريقي يحتاج لكل سحرة العالم لفك طلاسمه. من المفيد أن يفصل الوزير الطالب ردعا وضبطا للأمور، وربما يكون من الردع أيضا أن يقيل مساعدي الوزير السابق فلا هم قدموا شيئا ولا غيروا في مسار التعليم لا هم ولا وزيرهم.. لكن الأهم من كل هذه القرارات "الانضباطية" هو التعليم نفسه.. ماذا سيحدث فيه؟! كيف سيطوره؟! إلي أين وبكم وما الأهداف؟.. المهم هو المضمون وليس النظام والانضباط فقط.. نقطة فاصلة الغريب أن الطالب المفصول في مدرسة ثانوية عسكرية أي أنها من المفترض مثال للانضباط.. فما بالك بالمدارس العادية غير العسكرية؟! أكيد أنها "هيصة". المدرس المعتدي عليه مدرس تربية فنية.. علامة تعجب أخري.. هو لسة فيه تربية فنية؟!.