لا أدري لماذا تشدني مكتبة الاسكندرية من الواقع الذي أراه مزريا، إلي الأمل الذي اتمناه وهاجا. ومن المؤكد ان لعمارة المكتبة دخل بذلك فهي تبعث علي الهدوء وتثير القدرة علي التفكير. وبما أن اسماعيل سراج الدين يلعب دور النحلة التي تدور بين عواصم الافكار ليلتقط ما يضيف إلي المكتبة كنوزا ورؤي، وما تبعثه طبيعة العمل اليومي في المكتبة من نشاط يجبر حتي الكسول أو المتواطئ علي أن يعطي افضل ما عنده. ومادام العالم ينظر اليها شرقه وغربه وشماليه وجنوبه كواحة نستظل تحت افكارنا الساخنة فيها فتمتلك تلك الافكار درجة من الهدوء المنتبه القادر علي رصد الواقع ثم استنباط الطريق إلي المستقبل دون أن تسمح لنفسها بالسياحة بين امواج الغوغوئية السياسية التي تحكم كل منظمات العمل السياسي في مصر وفي العالم أجمع، لكل ذلك يظل القلب مشتاقا معظم الوقت للتواجد في تلك المكتبة وفي رحاب ابحاثها ومراكزها، فمن ذا الذي يمكن ان يتعالي علي فهم طبيعة السلام كحلم بشري من خلال الدراسات العلمية الجادة التي يقودها السفير علي ماهر في معهد دراسات السلام هناك؟ ومن ذا الذي يمكن أن يركن إلي كسل وهو يري منحة تهدف إلي إعادة نشر المتميز من التراث الاسلامي، إلي مناقشة الموت كقضية علمية اخذت منا في مصر المحروسة الكثير من التأرجح، حيث نهاب وقوعنا بين أنياب تجار اعضاء الانسان، ونرغب في صيانة الحياة، فضلا عن تلك المناقشة التي دارت حول "اخلاقيات الطب المعاصر"، وكلها قضايا تكاد تبرز فيها لعنة عصر نسبح في نسيج أمواجه ليبتلع انسانية الانسان، واعني به محيط الاقتصاد الحر الذي راح يمرح في شبق الربح دون منهج اخلاقي، علي الرغم من ان مبتدع الاقتصاد الحر وهو آدم سميث اصر علي ضرورة ربط الحرية الاقتصادية بالاخلاقيات الانسانية المتفق عليها، ولكن في رحلة نسيان المسئوليات الاخلاقية وجدنا منطقة الخليج وهي تلعب دور الممول الاساسي لصناعة السلاح في الغرب، بينما يزرع الغرب كل يوم من الخطط ما يحفظ لشركاته العملاقة قدرات تطوير واقعها عبر التصدير لنا. بينما نرفل نحن في سحابات الغياب، إلي الدرجة التي أتذكر فيها قول استاذي العظيم الروائي الراحل فتحي غانم: "اخشي ان نتحول إلي قرود يشاهدون سلوكنا عبر الاقمار الصناعية، ويزورون بلادنا ليستمتعوا برؤية من كانوا ذات يوم ينتمون لفصيلة الانسان، وحين نسوا العلم وربطه بالعمل وصلوا إلي ذلك الحضيض". لكل ذلك أشتاق إلي الجلوس لمناقشة الواقع والمستقبل دون تخدير للنفس ودون ضجيج سياسي يزرع أشواك الاحباط في القلب. في انتظار مؤتمر الشباب القادم في فبراير، وأرجو أن أري نموذجا لتعاون الاجيال في المكتبة وهي تمهد الطريق إلي هذا المؤتمر، فقد اطمأن قلبي حين علمت ان الاستاذة هبة الرافعي ذهبت إلي مدربها الاساسي د. محسن يوسف تسأله الرأي، وأثق أنه لن يبخل عليها، لأني احلم ان يكون مؤتمر الشباب القادم نقطة تحول في الرؤية، فبدلا من الغرق في اليأس الحزين الذي تسبح فيه اجيال قادمة يمكن لنا ان نجد وهج فجر مختلف يستغني عن لعنة ما فات ويستشرف الواقع ليرسم ما هو آت. ومدد ياشيخ اسماعيل سراج الدين.. مدد.