رغم الركود الاقتصادي الذي يعد الاسوأ من نوعه منذ الكساد العالمي الكبير عام 1929 أعلنت شركة كوكاكولا أخيرا عن نمو مبيعاتها بنسبة 3% خلال النصف الاول من عام 2009. وتقول مجلة "تايم" اننا لو رجعنا بذاكرتنا نحو ثمانين عاما إلي الوراء سنجد أن كوكاكولا في أول عام بعد كساد 1929 قد حققت زيادة في مبيعاتها بنفس النسبة 3% كما حققت رقما قياسيا في الارباح. ويبدو أن الناس عندما تعجز عن التمتع بشراء السلع غالية الثمن مثل السيارات الجديدة والملابس الجديدة تلجا إلي المتع رخيصة الثمن مثل المشروبات الباردة وييدو أن هذا المنطق البسيط يظل صحيحا علي الدوام حتي لو كانت كوكاكولا قد أصبحت أكبر وأعقد كثيرا مما كانت عليه من قبل ففي عام 1930 حققت كوكاكولا ارباحا قدرها 13 مليون دولار عن عملياتها في نحو 24 بلدا أو أكثر قليلا أما في العام الماضي 2008 فقد بلغت ارباح كوكاكولا 5.8 مليار دولار عن إيرادات حجمها 31.9 مليا دولار جنتها من عملياتها في أكثر من 200 بلد. ولأن كوكاكولا قد تعولمت منذ وقت مبكر جدا فإنها تعتمد بدرجة متزايدة علي مبيعاتها في مختلف أنحاء العالم خاصة أن مبيعاتها في أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية تكاد تكون جامدة وبشكل محدد مبيعات مشروبها الرئيسي كوكاكولا الذي يلقي منافسة من المشروبات العصرية ومن المياه المعبأة صحيح أن الشركة حاولت تعويض هذا بالاستحواذ علي ماركات مشروبات مثل "فيتامين وتر" ولكن الزيادة في مبيعاتها لم تتجاوز 2% في أسواق امريكا الشمالية في حين كانت 33% في السوق الهندية ونحو 14% في السوق الصينية خلال الربع الثاين من العام الحالي. لقد اعتادت كوكاكولا علي قياس مبيعاتها محسوبة علي اساس معدل استهلاك الفرد من العبوات سنويا وطبقا لهذا المعيار تعتبر الصين والهند مستودعات بكر. فإستهلاك القرد الامريكي من عبوات كوكاكولا يناهز 412 عبوة سنويا في المتوسط. بينما بنخفض الرقم إلي 28 عبوة للفرد في الصين وسبع عبوات فقط للفرد في الهند ولذلك يمكن القول إن مستقبل كوكاكولا موجود في هذين البلدين اللذين يبلغ مجموع تعداد سكانهما أكثر من 2.1 مليار نسمة. ولعل كثيرين لا يعرفو أن كوكاكولا دخلت الصين لأول مرة عام 1927 ثم خرجت منها بعد قيام الحكم الشيوعي عام 1949 وعادت الشركة مرة اخري إلي السوق الصينية عام 997_ مع بدء الانفتاح الاقتصادي في الصين علي يد دينج هسياوبنج. وفي عام 2001 أصبحت الصين سابع أكبر اسواق كوكاكولا والآن تحتل السوق الصينية المرتبة الثالثة بعد سوق الولاياتالمتحدة والمكسيك من حيث حجم مبيعات منتجات كوكاكولا. والحقيقة أن عمليات كوكاكولا في الصين في نمو مطرد من حيث عدد وحجم مصانع العبوات ومصانع التعبئة ومراكز التوزيع المنتشرة في كل انحاء الصين تقريبا وفي العام الماضي بلغ نصيب كوكاكولا 52.5% من سوق المشروبات المكربنة في الصين بينما كان نصيب شركة بيبسي 32.8% من نفس السوق ولأن كوكاكولا الشركة الاكبر والاقدم فقد أصبحت مشروباتها هي المشروبات المفضلة لدي كثير من الشباب الصيني ولاشك أن جزءاً مهماً من تفوق كوكاكولا يرجع إلي حملاتها الدعائية وتبنيها للفعاليات الرياضية في حين تعتمد بيبسي علي تبني الفعاليات الثقافية الصينية وتقول ارقام شركة الابحاث الاوروبية يورومونيتور انترناشيونال أن مشروب بيبسي الرئيس متفوق قليلا علي مشروب كوكاكولا الرئيسي حيث إن نصيب الاول 23% من السوق مقابل 22.4% للثاني أما المشروب القائد فهو سبريت حيث يبلغ نصيبه من السوق 23.4% ومعروف بالطبع أن سبرايت من انتاج كوكاكولا. أما في الهند فإن الصورة مختلفة فقد دخلت كوكاكولا الهند في خمسينيات القرن الماضي وكانت الشركة القائدة في سوق المشروبات الخفيفة الهندية من عام 1958 حتي عام 1977 وعندما طالبتها الحكومة الهندية بالكشف عن سر تركيبة كوكاكولا هربت من السوق كليا. وفي عام 1988 دخلت بيبسي سوق الهند كمشروع مشترك مع إحدي شركات مجموعة تاتا وانفردت به في غيبة كوكوكالا وراكمت لنفسها نصيباً طيبا من هذا السوق ولكن كوكاكولا عادت إلبي الهند في عام 1993 في ظل الانفتاح الهندي الجديد وفي غضون عشر سنوات استثمرت كوكاكولا مليار دولار في السوق الهندية وبدأت في تحقيق الارباح من هذه الاستثمارات اعتبار من عام 2001 ولكنها لم تستمتع طويلا بما حققه من نجاح ففي عام 2003 أعلنت منظمة هندية غير حكومية تسمي مركز العلوم والبيئة انها اجرت دراسة علي مشروبات كوكاكولا وبيبسي كولا أكدت أن هذه المشروبات تحتوي علي آثار مبيدات حشرية بنسب عالية تضر صحة الانسان وكان ذلك بمثابة ضربة قوية للشركتين في سمعتهما ومبيعاتهما وفي مؤتمر صحفي مشترك نفت الشركتان بشدة هذه الاتهام ولكن المركز عاد في عام 2006 إلي تكرارنفس التهمة وبالطبع تراجعت المبيعات مرة اخري. وقد اثبت لجنة علمية شكلتها وزارة الصحة والرعاية السكانية في الهند أن تحليلات هذه المنظمة الهندية غير الحكومية تفتقر إلي الدقة ولكن الشركتين لاتزالان تعانيان من آثار هذه الاتهام وتحاولان التغلب علي هذه الآثار بطرق متنوعة. وبوجه عام فإن كوكاكولا تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار في الصين نظرا لوجودها الذي لم ينقطع خلال الثلاثين سنة الاخيرة. وقد استثمرت الشركة هناك 1.6 مليار دولار حتي الآن وتخطط لاستثمار مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة وحدها ويذكر أن بيبسي كانت قد أعلنت في العام الماضي عن استثمار مليار دولار في الصين خلال السنوات الاربع التالية. وتحاول الشركتان تنويع منتجاته لإرضاء الاذواق المختلفة في المقاطعات الصينية المتنوعة ولهذا الغفرض افتتحت كوكاكولا مركز ابحاث في شنغهاي هذا العام تكلف انشاؤه 90 مليون دولار ومهمته الرئيسية تنويع المنتجات.