تذهب حكومة وتأتي حكومة.. وتبقي دائماً "العشوائيات" تخرج لسانها للمصريين وكأنها أصبحت من الظواهر المصرية المتوطنة مثلها مثل البلهارسيا والكبد الوبائي وأمراض السكر وضغط الدم.. وأخيراً أنفلونزا الطيور. وقبل خمس سنوات قال د. أحمد نظيف رئيس الحكومة الحالية في تصريح له بعد شهرين من توليه منصبه إنه لا توجد مشكلة غير قابلة للحل وأن مشكلات مصر تحل بالاستثمار، ووضعت وزارة الإسكان في عام 2005 برنامجا قوميا للقضاء علي العشوائيات العمرانية بحلول عام 2025 وذلك بميزانية 5 مليارات جنيه. وتمر الأعوام حتي وقعت كارثة الدويقة ليتم إعلان إنشاء صندوق تطوير العشوائيات بميزانية 500 مليون جنيه، ويصبح التعايش مع العشوائيات نوعاً من التعود، ولا ننتبه إلا مع انفجار في إحدي مناطقها.. ولا نحترس أبداً من حدوث الانفجار الكبير الذي سيكون مثل الطوفان لن يبقي ولن يذر! "الأسبوعي" فتحت الملف.. وستجعله مفتوحاً لكل الآراء.. والردود والتعليقات. تعود مشكلة المناطق العشوائية إلي نهاية القرن العشرين مع التوسع العمراني السريع للمدن الكبري في مصر مع توافر فرص العمل في هذه المدن نتيجة تمركز المصالح الحكومية فيها أو كنتيجة لظهور العديد من الصناعات الحديثة بها وأدي ذلك إلي زيادة الهجرة الداخلية للأفراد والنزوح من الريف إلي المدن سعيا وراء فرص العمل ومع سعي هؤلاء النازحين من الريف للحصول علي المسكن الملائم حسب مواردهم الضئيلة داخل الكتلة السكانية للمدن لجأوا إلي أطراف المدن حيث الأراضي الزراعية فأقيمت المساكن العشوائية بتكاليف أقل وبلا أدني خدمات ولم تنتبه أجهزة الدولة لخطورة المشكلة في حينه ولم يتم اتخاذ أي إجراءات لمواجهتها منذ البداية وترك الإسكان العشوائي ينمو وينتشر بطريقة سرطانية. وكما يشير تقرير رسمي صادر عن مجلس الشوري فقد تضاعفت مساحات المناطق العشوائية بالقاهرة الكبري حيث تضاعف 18 مرة خلال الفترة من 1950 إلي 2006 ووصول تلك المساحات العشوائية إلي نحو 54.119 كيلو متر مربع عام 7002 وأوضح التقرير أنه يوجد 1221 منطقة عشوائية علي مستوي الجمهورية يسكنها نحو 2.12 مليون نسمة في حين تبلغ المناطق العشوائية بالقاهرة الكبري 184 منطقة يقطن بها 5.6 مليون نسمة يمثلون 25% من جملة سكان المناطق العشوائية بالجمهورية. وكشفت دراسة حديثة صادرة عن جامعة القاهرة ارتفاع نسبة مخالفات البناء في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، مشيرة إلي أن نسبة مخالفات المباني في مصر وصلت إلي 90% من اجمالي العقارات الموجودة حيث وصلت في حي المطرية إلي 8.92% وحي السلام إلي 94% ووصل اجمالي محاضر المخالفات التي تم تحريرها عشرة أضعاف تراخيص البناء وفي عين شمس 96% بإجمالي عدد مخالفات 5030 مخالفة وفي الدرب الأحمر 70% وفي حي الجمالية 50% وفي مدينة الإسكندرية أعدت المحافظة دراسة أكدت أن هناك 57 ألف قرار إزالة أصدرت ولم يتم تنفيذها. الخبراء من جانبهم أكدوا أن حكومة نظيف لم تقدم أي شيء يذكر لحل مشكلة العشوائيات علي مدار السنوات الخمس الماضية هي عمر هذه الحكومة، مضيفين أن الجهات الرسمية تختلف فيما بينها حول عدد المناطق العشوائية ويعود هذا التباين إلي عدم اتفاق الجهات الحكومية علي تعريف موحد للمنطقة العشوائية ولكن الشيء المؤكد أن هذه المناطق تتنامي في ظل عدم قدرة الحكومات المتعاقبة علي مواجهتها حتي الآن، مشيرين إلي أن ما تقوم به الحكومة الحالية مجرد اجتهادات وإذا قالت إنها قدمت شيئا فهو لا يمثل نقطة في محيط لأن العشوائيات قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار في أي لحظة مؤكدين أن الحل الوحيد يتمثل في إنشاء هيئة مستقلة لشئون العشوائيات علي غرار هيئة السد العالي يكون دورها العمل الفوري علي تنفيذ الدراسات والتوصيات العديدة الخاصة بهذا القطاع. بداية يوضح دكتور أحمد رشدي مدير مركز استشارات وبحوث كلية التخطيط العمراني جامعة القاهرة ومدير مشروع تحزيم العشوائيات أن الخطوة الوحيدة التي اتخذتها حكومة نظيف علي مدار الخمسة أعوام الماضية هي قرار إنشاء صندوق لتطوير العشوائيات وبميزانية قدرها 500 مليون جنيه بحيث يكون جهة مستقلة مسئولة عن عملية التطوير بمشاركة كل من رجال الأعمال والمجتمع المدني بجانب الحكومة مضيفا أن القرار تم اتخاذه منذ عام في أعقاب كارثة الدويقة وإلي الآن لم تظهر له أي نتائج ملموسة ونحن ننتظر تفعيل عمله خاصة أن هذا الصندوق يعتبر الحل الوحيد في الفترة الحالية لأنه لن تجدي أي حلول أخري بديلة.