هل نحن في حاجة إلي هذا العدد الكبير من سفاراتنا الموجودة بالخارج وفي دول ربما لم نسمع بها أبدا ولا يوجد معها "تعاون من أي نوع"! وفي زمن تغيرت وتقدمت فيه وسائل المواصلات والاتصالات وأصبح التواصل قائما بين الشعوب قبل الحكومات وعلي كل المستويات فإن دور السفارات والجدوي من وجودها أصبح مثاراً للكثير من التساولات خاصة مع التكلفة المادية الهائلة لوجود السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية التي يعمل بها جيش جرار من دبلوماسيين وإداريين وموظفي أمن يتقاضون جميعا مرتبات مرتفعة ويتمتعون بالعديد من الامتيازات التي تتحملها أيضا الدولة سواء من حيث الاعفاءات الجمركية أو مصروفات التعليم في مدارس رفيعة المستوي، والكثير من الامتيازات التي لا تتفق في أحيان كثيرة مع الأوضاع الاقتصادية السائدة في البلد الأم. إن هذا العدد الكبير من البعثات الدبلوماسية والسفارات في الخارج أدي إلي تعيين سفراء ودبلوماسيين لا يملكون المؤهلات أو الصفات أو الشخصية الملائمة لتمثيل مصر في الخارج، وأدي أيضا إلي تحول العمل الدبلوماسي إلي وسيلة للتربح والثراء بدلا من العطاء والتمثيل المشرف لمصر..! وأذكر هنا علي سبيل المثال أن أحد سفرائنا في منطقة الخليج كان لا يجد ما يفعله فالعلاقات بين الدولة الموجود فيها ومصر علاقات ممتازة دائما ونادرا ما توجد مشكلات فردية ولا توجد عوائق أوحواجز في الاتصالات المباشرة بين مسئولي البلدين، فكان لذلك ضيفا دائما في كل الموائد والحفلات ودعوات المجاملة، وبعد ذلك انتقل إلي مرحلة أخري من الانتشار حيث أصبح ضيفا مستديما ومعروفا وبارعا في قاعات فنادق الدرجة الثالثة المعروفة بتجاوزاتها وانفلاتها والتي لا يرتادها في كثير من الأحيان إلا الباحثون عن المتعة وعن الفرفشة..! ولم يكن غريبا ازاء ضعف أداء وثقافة بعض هؤلاء الدبلوماسيين ان نجد منهم هروبا في الأزمات وتقاعسا عن الظهور الإعلامي لشرح سياسات مصر ودور مصر والرد علي المشككين في هذا الدور بحزم وفهم ووعي. ويتعلل بعض هؤلاء أن التوجهات لم تصلهم من وزارتهم لهذا النوع من التحرك الاعلامي وانهم غير مطالبين باالرد علي كل من يكتب أو يتجاوز في تصريحاته ضد مصر، وهي دفوعات مرفوضة وغير مقبولة أو منطقية، فليس علي السفير أو الدبلوماسي ان يقول أكثر مما يقوله وزير خارجيته تكرارا مرارا، وليس عليه أن يدلي برأيه الشخصي وانما يتحدث عن سياسات دولة معلنة وثابتة وواضحة ويحتاج الناس احيانا إلي من يذكرها بها ويعيدها عليهم ويوقف بذلك المزايدة علي الدولة ودورها. وفي الأزمة الاخيرة في غزة تعرضت بعض سفاراتنا في عدد من الدول العربية لتجمعات غاضبة مدفوعة من قوي المعارضة بهذه الدول وبمصالح أخري لا علاقة لها بالقضية، وكان الموج عاليا ضد مصر ومع ذلك لم نجد أن أيا من هذه السفارات قد حمل راية الحق وذهب يعلن موقف مصر في أجهزة الاعلام بهذه الدول ويمارس دورا تنويريا أساسيا هو من ضروريات وجود هذه البعثات الدبلوماسية وربما هو أيضا الهدف من وجودها. وقد يقول البعض ان هذا ليس دور السفارات وانما هو دور المكاتب الإعلامية المصرية التابعة للهيئة العامة للاستعلامات والموجودة بالعديد من الدول. وهو قول ايضا مرفوض لأن هذه المكاتب الاعلامية ليست إلا نوعاً من التواجد الشكلي الذي لا قيمة له في كثير من الاحيان، ويعمل بهذه المكاتب عدد من المواظفين الذين سافروا علي سبيل المكافأة وربما كان بعضهم لم يسبق له العمل في القاهرة قبل أن يسافر للعمل في الخارج حيث أتوابه من مكاتب المحافظات إلي العمل بالاعلام الخارجي مباشرة! ان هذه المنظومة من العمل الخارجي سواء للبعثات الدبلوماسية او الاعلامية، في حاجة إلي عملية مراجعة شاملة وتدقيق في الاختيارات والاجابة علي الاسئلة المثارة. هل ما يقوم به كل هؤلاء من عمل يتوازي مع ما ينفق عليهم؟ وهل هؤلاء فعلا يصلحون لتمثيل مصر والتحدث باسمها.. وهل هم لديهم المقدرة علي ذلك؟!!