هل يستفيد الاقتصاد المصري من تخفيض سعر صرف الجنيه؟؟ وهل يؤدي مثل هذا الإجراء إلي تنشيط الصادرات المصرية، أو الحد من انخفاضها علي الأقل بسبب الانكماش المتزايد للطلب في الأسواق العالمية نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة؟؟ لقد أصبح تخفيض قيمة الجنيه مطلبا مطروحا علي نطاق واسع من جانب عدد كبير من رجال الأعمال المشتغلين بالتصدير خلال الفترة الأخيرة، بل ومن جانب بعض الخبراءالاقتصاديين.. إذ يري هؤلاء في تخفيض سعر الصرف سبيلا لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات المصرية وبالتالي تجنيب المشروعات الإنتاجية القائمة علي التصدير أو المعتمدة عليه بنسبة كبيرة مخاطر الركود، ومن ثم تفادي مخاطر الاستغناء عن العمالة ويضيفون إلي هذا مكاسب متوقعة للسياحة التي يؤكدون أن من شأن هذا الإجراء أن يحد من تقلصها المتزايد منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية. ويطالب هذا الفريق ودوائر أخري أوسع بمطالب أخري في مقدمتها خفض سعر الفائدة علي القروض والودائع المصرفية وخفض أو الغاء الرسوم الجمركية علي السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج اللازمة لصناعات عديدة، وفرض رسوم إغراق علي سلع أخري، بدون منطق واضح تحكمه المصالح العامة للاقتصاد المصري وينطبق علي جميع هذه المطالب، الأمر الذي يوجب علي الدولة والخبراء الاقتصاديين وأهل الرأي دراسة تلك المطالب بدقة شديدة، وتحديدأبعاد المصالح التي تخدمها وتأثيرها علي مصالح بقية قطاعات الاقتصاد وفئات السكان، حتي لا تنفرد جماعات مصالح عالية الصوت بفرض مصالحها علي الجميع، وحتي لا يتم تحميل آثار الأزمة الاقتصادية للفئات الاجتماعية الأضعف وجماعات المصالح الأقل نفوذا.. لأن هذا لن يمثل مزيدا من الاجحاف بالعدالة الاجتماعية المختلة أصلا فحسب، بل ستكون له أيضا آثاره الاقتصادية الوخيمة التي سيدفع الجميع ثمنها، والتي ستزيد من عمق الأزمة وتلحق أضرارا فادحة بقدرة اقتصادنا علي مواجهتها وتجاوزها. أضرار فادحة وبالنسبة لخفض سعر صرف الجنيه فقد أشار كثير من كبار الخبراء الاقتصاديين في مقدمتهم محافظ البنك المركزي إلي أنه سيعني زيادة التضخم بنفس نسبة الخفض تقريبا، حيث إن كمية السلع والخدمات المعروضة ستظل ثابتة، وسيتطلب الحصول عليها كمية أكبر من النقود التي لن يكون هناك مفر من طبعها.. وبما أن لدينا فجوة غذائية ضخمة، وخاصة في القمح.. وبما أن لدينا عجزا تجاريا هائلا فإن قيمة كل السلع المستوردة "بالدولار أساسا" سترتفع بنفس نسبة تخفيض سعر صرف الجنيه، وسيتبع ذلك حتما ارتفاع فوري في أسعار السلع والخدمات المحلية "بنفس النسبة تقريبا" بحكم ارتفاع أسعار السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج، وبالتالي المنتجات النهائية.. فضلا عن احتياج الجميع لرفع أسعار منتجاتهم وخدماتهم ليستطيعوا بدورهم اشباع احتياجاتهم. ** وبفرض قيام الدولة وأرباب الأعمال بزيادة الأجور بنفس النسبة "وهو فرض مستحيل التحقق" فإن قطار التضخم سيدهس العاطلين والهامشيين وأرباب المعاشات وصغارالفلاحين وغيرهم من الفئات الاجتماعية الفقيرة.. أما إذا لم تزد الأجور بنفس نسبة انخفاض قيمة الجنيه فإن قطار التضخم سيدهس فئات اجتماعية أوسع. ** ومع القفزة المتوقعة للتضخم فإن أصحاب الودائع المصرفية سيفقدون نفس النسبة من قيمة ودائعهم سواء كانوا مودعين صغارا أم كبارا.. الأمر الذي يمثل كارثة اقتصادية اجتماعية لفئات أخري. ** وبديهي أن البنوك ستضطر لرفع أسعار الفائدة علي الإقراض، وإلا تعرضت لخسائر فادحة.. وكذلك علي الإيداع وإلا تعرضت لحركات سحب واسعة.. فما جدوي احتفاظ الناس بودائع يأكلها التضخم؟! والاحتمال الثاني وربما كان الأرجح -هو أن يشهد الاقتصاد حركة دولرة واسعة ، لأنه حتي في ظل سعر فائدة صفري ، فإن أصل الوديعة يظل محتفظا بقيمته أوقريبا منها. ومن شأن مثل هذا التوجه أن يزيد الضغط علي سعر صرف الجنيه بصورة مستمرة وبما يعرضه لتدهور يصعب إيقافه.