رغم كل الأمال التي كان يبنيها الكثيرون في كل أنحاء العالم علي خطة الانقاذ الأمريكية لم يؤد إقرار الكونجرس الأمريكي لها إلي تحقيق أي معدل من الاستقرار المأمول في أسواق المال العالمية، وحدث العكس حيث شهدت تذبذبات حادة وواسعة انعكست علي الأسواق العربية ومن بينها السوق المصري. ولم تتوقف الأزمة عند الحدود الأمريكية وانتقلت العدوي المدمرة إلي الاقتصادات الأوروبية ولما دار الجدل حول خطة الانقاذ الأمريكية حدث جدل مماثل حول الخطط المثيلة الأوروبية. ويبقي السؤال: متي يمكن أن تستقر أسواق المال العالمية، وهل تكفي خطة الانقاذ الأمريكية لتحقيق ذلك، أم أن هناك إجراءات وتغييرات أخري مطلوبة في الاقتصاد الأمريكي نفسه لمعالجة أخطاء وخطايا أصابت الاقتصاد العالمي كله بهذه الكارثة؟ طرحنا ذلك السؤال علي نخبة من المحللين والخبراء وهكذا كانت قرارتهم لما حدث وتصورهم لما سيحدث في المستقبل. وقد كان الجدل حول فاعلية خطة الانقاذ الأمريكية بعد إقرارها في الكونجرس أحد الأسباب الرئيسية في الانخفاضات التي شهدتها أسواق المال العالمية الأيام الماضية كما قال لنا د.أحمد النجار رئيس قسم البحوث بشركة بريميير لتداول الأوراق المالية وهو ما انعكس علي البورصة المصرية يومي الثلاثاء والأربعاء بسبب الانخفاضات الحادة في شهادات الإيداع الدولية وأبرز مثال علي ذلك سهم شركة أوراسكوم للإنشاء والذي وصل في الاثنين قبل الماضي في البورصة المصرية إلي 311 جنيها ووصل في بورصة لندن يوم الاثنين إلي ما يعادل 246 جنيها فانخفض في أول يوم لفتح البورصة في مصر إلي 250 جنيها إضافة إلي دور عمليات بيع الأجانب الواسعة في هبوط البورصة والتي وصلت يوم الثلاثاء إلي حوالي 150 مليون جنيه والأربعاء إلي 244 مليون جنيه هذا إلي جانب العامل النفسي في هلع المستثمرين من تطورات الاقتصادات العالمية، وجاء ارتفاع البورصة المصرية وارتفاعات الأسواق العربية يوم الخميس أيضا تأثراً باستقرار البورصات العالمية الذي جاء مدفوعا باتجاه سبعة بنوك مركزية كبري في العالم تخفيض معدل سعر الفائدة لديها بنصف نقطة بالمائة. ويقول النجار إن خطوة البنك المركزي المصري بسحب نحو 23.5 مليار جنيه من السوق المحلية خطوة غير مفهومه في ظل تجاه البنوك المركزية العالمية لضخ سيولة في أسواقها لمواجهة تبعات الأزمة المالية. العاطفي والعقلاني وبسؤال علوي تيمور العضو المنتدب بفاروس القابضة عن توقعاته لمستقبل الأسواق العالمية قال "أنا متشائم" وأضاف أن إصلاح السوق الأمريكي لا يتوقف فقط علي خطة الانقاذ ولكن هناك إصلاحات أكبر مطلوبة تتعدي هذه الخطة. ويتوقع تيمور أن يظل الاتجاه العام لأسواق المال هو الانخفاض لعامين قادمين وليس ستة أشهر فقط كما يتوقع البعض. ويشير علوي إلي أن سلوك صناديق الاستثمار في الأسواق الناشئة أصبح عاطفيا أكثر منه عقلانيا حيث كانت تقوم بعمليات بيع للأسهم الجيدة وتشتري أذون خزانة أمريكية وهو ما سيكون له انعكاس علي السوق المصري إضافة أيضا إلي أن الانخفاضات الكبيرة في أسواق المال العربية الأيام الماضية قد يدفع بعض المستثمرين الخليجيين إلي الاتجاه لأسواق بلادهم واستغلال الفرص الجيدة فيها بدلا من الاستثمار في السوق المصري. أوضاع أمريكية ويري عمر مهنا رئيس غرفة التجارة الأمريكية أنه علي الرغم من إقرار الكونجرس الأمريكي لخطة الانقاذ إلا أنه مازالت هناك أزمة ثقة حقيقية فهناك من يعتبر أن خطة الإنقاذ كانت رد فعل متأخر وهناك من يري أنها لم تكن كافية وأن هناك حاجة إلي 500 مليار دولار إضافية وهناك من يلوم الإدارة الأمريكية علي تركها بنك ليمان براذرز ينهار ولم تنقذه قبل انهياره، ويضيف مهنا أن هناك اتجاها قوياً في أمريكا لتحقيق إصلاحات هيكلية تصحح السياسات المالية والنقدية المتبعة منذ عهد الرئيس رونالد ريجان والتي تقوم علي تهميش دور الدولة وإطلاق يد السوق لينظم نفسه بنفسه.. ويلفت مهنا إلي أن بعض المحللين يتوقعون أن يستمر الكساد إلي 18 شهراً من بداية 2009 أو لعامين قادمين ويري أن حالة التذبذب في وول ستريت ستستمر حتي يناير المقبل وأن انتخاب رئيس أمريكي جديد سيلعب دورا مهما في تحسين الأوضاع.