"الأسوأ لم يحدث بعد من الأزمة المالية" عبارة ترددت كثيرا في الأوساط الاقتصادية في الآونة الأخيرة وقلل البعض من أهميتها والبعض اعتبرها حقيقة واضحة لكن الذي لم يتوقعه أحد أن تحدث الأزمة بهذه السرعة وانتشرت بصورة عاتية لا تقل عن اعصار تكساس متخذة من الاقتصاد الأمريكي نواة لانطلاقها ومازال الكل يترقب الآثار الناجمة عنها وكيف سيتقبلها خاصة أن المشكلة ليست في تأثيرها المحدود في الأجل القصير ولكن في الكساد الذي سيتقبله العالم خلال الفترة القادمة في ضوء رؤية ضبابية لا يستطيع أحد أن يحصر حدود وآثار الأزمة. "الأسبوعي" فتح الملف وحاول استقراء الأحداث خلال الفترة القادمة وقياس تأثيرات هذه الأزمة علي القطاع المصرفي وخاصة فروع البنوك الأجنبية سواء كانت فروعا عاملة في السوق المصري أو كانت شركات مساهمة. والمعروف أن صندوق النقد الدولي قد تكهن في وقت سابق من العام الحالي بأن تصل الخسائر الناجمة عن أزمة الرهن العقاري إلي حوالي تريليون دولار إلا أن الخسائر التي تحملتها البنوك حتي الآن وصلت إلي 350 مليار دولار، وهي الأزمة التي أدت حتي الآن إلي اختفاء 11 بنكا من الساحة، من بينها بنك "إندي ماك" الذي يستحوذ علي أصول بقيمة 32 مليار دولار وودائع تصل إلي 19 مليار دولار، فيما يتوقع الخبراء أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنوك تصل قيمة أصولها إلي حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام المقبل، حيث يصل العدد الإجمالي لمؤسسات المال الواقعة تحت مظلة التأمين الفيدرالي إلي 1800 مؤسسة تستحوذ كلها علي ما يقرب من 13 تريليون دولار من الأصول والممتلكات. وكان العالم قد شهد العديد من الأزمات منذ حقبة تسعينيات القرن المنصرم فعلي الرغم من التقدم الملحوظ للعولمة في جانبها الاقتصادي بصفة خاصة منذ بداية التسعينيات إلا أن السنوات الأخيرة شهدت أزمات مالية في بعض الدول النامية أدت إلي ارتباك النظام المالي والاقتصادي العالمي، مثل: الأزمة الاقتصادية في المكسيك ،1994 والأزمة الآسيوية 1997 وفي البرازيل وروسيا ،1998 وقد جعلت هذه الأزمات الدول النامية تراجع حساباتها في قضية الاندماج في الاقتصاد العالمي وتسريع الخطي نحو اقتصادات العولمة، وكان هناك مثال واضح اتخذ خطوات عملية لحماية اقتصاده، وهو وضع ماليزيا التي فرضت قيودا علي سياساتها النقدية والمالية، وكذلك جهود مجموعة ال 15 من خلال اجتماعاتها المتكررة والمطالبة بشروط أفضل للدول النامية في التعاملات الاقتصادية والدولية ولم يتوقف الأمر علي ذلك بل شهدت الحقبة الأولي من الألفية الجديدة بعض الأزمات الجديدة مثل الأزمة المالية في الأرجنتين عام 2002 والتي اتسمت بمحدودية أثرها مقارنة بالأزمات السابقة هدأت الأوضاع لعدة سنوات حتي حدثت أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 2007 وامتدت آثارها حتي الآن. وقد قلل المصرفيون من الآثار المتوقعة للأزمة المالية علي القطاع المصرفي المصري علي الرغم من وصفهم للأزمة بأنها إعصار كبير إلا أن التفاؤل كان هو السمة الغالبة علي آرائهم التي استطلعها "الأسبوعي" حيث اوضح المصرفيون أن القطاع المصرفي يعمل بأنظمة مستقلة عن تلك المعمول بها في الخارج، مشيرين إلي البنوك الأجنبية في مصر لن تتأثر بالأحداث في الخارج معتمدين في رأيهم علي أن التنوع في الأسواق وتوسيع الرقعة الجغرافية أمر يدعم تقليص المخاطر، مشيرين إلي أن تعاملات البنوك المصرية مع البنوك المنهارة قد لا تذكر إلا أنه لا توجد بيانات رسمية تثبت وجود أي تعاملات مصرية مع هذه البنوك. احتواء الصدمات من جانبه أوضح هاني بدراوي العضو المنتدب لبنك الاتحاد الوطني أن الأزمة الأخيرة التي ألمت بالبنوك الأمريكية لا يمكن أن يكون لها تأثير مباشر علي القطاع المصرفي المصري بأي حال من الأحوال.. مشيرا إلي أن الاقتصاد المصري تحسن كثيرا وهذا ليس كلاما مرسلا بقدر ما هو حقيقة واضحة فالاقتصاد المصري بوجه عام والقطاع المصرفي بوجه خاص لديه قدرة أكبر علي احتواء أي صدمات بدليل أنه امتص الأزمة منذ بدايتها قبل أربعة عشر شهرا بأقل الأضرار. وحول مدي تأثر البنوك الأجنبية العاملة في السوق المصري بهذه الأزمة أوضح بدراوي أن هذه البنوك لديها أسواق متعددة ومراكز مالية قوية تساعدها علي تقليل تأثرها بالأزمات، مشيرا إلي أن فروع البنوك الأجنبية في مصر تعمل بأداء جيد ولا يتوقع أن تتضرر أبدا وأقرب مثال علي ذلك أزمة سوسيتيه جنرال التي حدثت قبل أشهر أن البنك لم يتأثر نهائيا في مصر بل علي العكس تماما فقد سار أداؤه بصورة جيدة وتصاعدت أرباحه ولم يتأثر بشيء. أشار إلي أن المخاوف المتنامية في المنطقة تعتمد بصورة أكبر علي العامل النفسي وليس علي أساس اقتصادي.. مضيفا أن القطاع المصرفي الذي يعمل تحت مظلة قوية للبنك المركزي لا يمكنه أن يتأثر بالأحداث الخارجية.. مشيرا إلي ضرورة أن يقوم الإعلام بطمأنة الشارع بأنه لا مخاوف من الأحداث الأخيرة لأن الشائعات والعامل النفسي قد تكون عاملا كبيرا في اشعال أزمات وهمية. وفي ذات السياق تؤكد لميس نجم نائب رئيس سيتي بنك أن البنوك العاملة في السوق المصري سواء العامة أو الأجنبية تعمل باستقلال عن الخارج وبنظم مصرفية مختلفة عن تلك السائدة في السوق المصرفي المصري ولا داعي لهذه المخاوف. أشارت نجم إلي متانة وقوة الاقتصاد المصري في تجاوز تبعات انهيار مصرف "ليمان براذرز" الأمريكي والاضطراب في الأسواق المالية الأمريكية.. وأضافت أنه لا يمكن حدوث أزمة للبنوك العاملة في السوق المصري بسبب أن البنوك والمؤسسات المالية المحلية لديها ملاءمة مالية كبيرة واحتياطيات نقدية ورؤوس أموال كبيرة، تقلل من هذه التداعيات فضلا عن الرقابة الصارمة التي يفرضها البنك المركزي والتي تعطي نوعا من الطمأنينة والاستقرار في السوق المصري.