هل الخلل فينا أم في طريقة معيشتنا الاستهلاكية؟ أم في عدم الحفاظ علي المال وصرفه في الكماليات؟ أم الخلل كامن في حكومتنا لصرفنا بهم الذين حتي لا نطالبها بحقوقنا؟ أم هو ذلك كله؟ وجدنا من خلال احتكاكنا المباشر مع الناس أن أكثر الهموم التي تجوب خاطرهم هي هم الدين، وإن تعددت مقاصدهم في تراكم الديون، فهناك من يستدين ليدفع فاتروة الكهرباء وهناك من يستدين ليشتري سيارة، وآخر يقصد البنك ليشتري منزلا له، وآخر يستدين ليتزوج، وهناك من يستدين ليسافر، وآخرون يستدينون لشراء بعض اللوازم المهمة في حياتهم، ظنا منهم بعدم الاستغناء عنها.. إلخ. ومن هذا المنطلق دخلنا عدة مصارف وجلسنا علي أحد الكراسي الموجودة فيها، وقمنا بملاحظة الناس الموجودين في تلك البنوك، وتحدثنا مع بعض الأخوة والأخوات عن سبب مجيئهم إلي هذه البنوك في محادثات ودية، وإننا لا نبالغ في هذا المقام إذا قلنا إن أكثر الموجودين يعيشون علي جدولة الديون، أو ما نسميه تراكم الديون، وقدومهم إلي البنك في أكثر الأحيان يكون للجدولة أو تجديد قرض أو طلب قرض! ويؤثر تراكم الديون علي الفرد في حياته الاجتماعية والاقتصادية، فنجد كثرة الخلافات الأسرية لعدم توافر المال الذي يسد الاحتياجات الرئيسية وغير الرئيسية، وأيضا نجد أن غالبية الآباء يبتعدون عن الأسرة حتي لا تطالبهم بالاحتياجات فيغدون أسري لمقاهي الشيشة التي تؤجل المدفوعات لآخر الشهر!. كل هذه الديون تتراكم يوما بعد يوم وترهق صاحبها، بحيث يستطعم مرارة الدنيا وقسوتها عليه، وتبعث فيه الكثير من المشاعر السلبية والسيئة التي تؤثر علي حياته الاجتماعية مع أهله وصحبه، والتي في أحيان كثيرة تجعله أسيرا للأمراض النفسية وعلي رأسها الاكتئاب. وفي بعض الأحيان أيضا يزيد تراكم الديون من الفجوات بين الزوج وزوجته أو الزوج وأبنائه، لأنه يسقط همومه في استعجاله باتخاذ قرار الزواج وإنشاء أسرة.. ومن هنا تنبثق حالات الطلاق والهجر الزواجي والتصدع الأسري. وفي هذه الأيام نجد هناك بعض الديون المغلفة بمسميات جميلة، ألا وهي "الفيزا كارد"! التي تجعل المواطن يعيش أحلام السفر والسيارة والكماليات، وفجأة يفتح عينيه علي هم جديد في بحر الدين. وبعد أن لاحظت الحكومة الأزمة التي يعيشها المواطن من تراكم الديون، عمدت - وهي مشكورة علي ذلك - إلي خفض الطلب علي طلبات القروض وجدولتها أو تجديدها، ووقف الكثير عن إدمانهم في الجدولة وزيادة الديون، من خلال الشروط والضوابط التي وضعها البنك المركزي للحد من تفاقم المشكلة مثل اشتراط البنك عدم تجاوز تسديد القرض عن نصف الراتب، ليستطيع أن يتحمل أعباء الشهر بالنصف الآخر من الراتب. ولكن كل هذا لا يكفي لاحتواء مشكلة تراكم الديون، فالكل يحاول أن يسدد الدين بطريقة مختلفة، مثل الحصول علي كارت باسم الأم أو الزوجة أو الأبن، وذلك لزيادة الدخل وتسديد جزء من الديون، أو إيجاد عمل ثان بعد العمل الرسمي الذي يقوم به، والذي يؤدي إلي تصدع الأسرة بسبب عدم وجود الفرد داخل المنزل بعد العمل الرسمي. من الضروريات التي يجب أن تقوم بها الحكومة في الحد من تراكم الديون التي أتعبتنا، زيادة الشروط علي المواطنين في عمليات القروض والديون، ووضع الخطط علي مدي العشر سنوات المقبلة، لتخليص الشعب من هم الديون التي قضت مضجعه، وجعلته في دوامة التسديد يوما بعد يوم، بحيث إنه مشغول بها أكثر من تربية الأبناء أنفسهم!.