ارتفاع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية بنسبة 21.1% في مايو الماضي مقارنة بشهر مايو 2007 يثير العديد من التساؤلات، فالتضخم الشهري يتجه للارتفاع منذ بدء هذا العام كما أن السوق المصري شأنه شأن العديد من أسواق العالم استورد التضخم من الأسواق العالمية التي تمر بعديد من الأزمات المتشابكة كأزمة أسعار الغذاء والنفط والركود الاقتصادي والمتوقع استمرارها لفترة قادمة، فهل يصبح معدل 20% معدلا سنويا للتضخم في مصر، وكيف نخطط للاقتصاد في ظل هذه المرحلة الجديدة؟ المتابع لمؤشرات التضخم السنوية في الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين علي مدار السنوات الماضية يلاحظ أنها ظلت لفترات طويلة ومنذ عام 1994 في حدود معدل 10% باستثناء عام 1995 الذي سجل 15.9% ثم عام 2004 وهو العام الذي شهد بداية حكومة د.أحمد نظيف وسياستها الاصلاحية وارتفع فيه إلي 16.5% أما الارتفاعات الأخيرة في التضخم التي وصلت إلي 21.1% في مايو الماضي فتأتي متزامنة مع أزمة التضخم العالمي وحزمة السياسات التحررية المحلية التي بدأت مع بداية هذا العام برفع أسعار السولار وكان آخرها مايو الماضي بمجوعة السياسات التي تهدف إلي رفع أسعار الطاقة والغاء اعفاءات ضريبية لتدبير موارد للعلاوة الاجتماعية، فهل يستمر التضخم في التصاعد مع تفاقم أزمة التضخم العالمي؟ "معدلات التضخم الحالية ذكرتني بأحوال الاقتصاد المصري في الثمانينيات" كما قالت د.ضحي عبدالحميد أستاذة التمويل بالجامعة الأمريكية في اشارة إلي ارتفاع معدل التضخم إلي أكثر من 20% نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات تأثرا بعجز الموازنة وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي أما في الوقت الحالي فأتوقع أن يصل التضخم السنوي إلي ما بين 20 و30% خلال السنوات الثلاث القادمة كما أوضحت د. ضحي معللة ذلك بأزمة الغذاءالعاملية باعتبارها أحد أسباب التضخم المحلي الرئيسية والتي يتوقع لها أن يستمر للعماين القادمين علي الأقل. غموض المستقبل وبحسب رأي د.شيرين الشواربي الاستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فإنه لا توجد دراسات كافية توضح لنا أي العوامل التي تؤثر في تفاقم التضخم في مصر وتذكر منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية 30% منذ مايو الماضي خاصة أن مصر دولة متوسطة الدخل والانفاق علي الغذاء فيها يمثل أكثر من 40% من إجمالي الانفاق بما يجعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤثرا للغاية علي زيادة التضخم. هناك عنصر آخر تلفت له د.شيرين هو تدفق الاستثمار الأجنبي والذي يبدو ايجابيا للكثيرين ولكن الواقع يؤدي إلي ارتفاع نمو النقود بشكل أكبر من المتاح من المنتجات مما يؤدي إلي تغذية التضخم مضيفة: إذا استمرت الأزمة العالمية واستمررنا في تلقي تدفقات استثمارية أجنبية مرتفعة فلن نشاهد معدلات تضخم سنويا أقل من 10% في الفترة القادمة. وعلي صعيد التوقعات أيضا يؤكد د.عبدالله شحاتة أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أنه من الصعب توقع مستقبل التضخم ولا النمو في مصر مشيرا إلي أن هناك عوامل عدة قد تغير في تطوراتها المستقبلية فمن ناحية فاجأت المملكة السعودية باعلانها عن زيادة ضخها للبترول بدءا من الشهر القادم وهو ما قد يؤثر ايجابيا علي خفض التضخم العالمي ومن ناحية أخري فإن مصر مقبلة علي موسم الصيف وهو موسم رواج اقتصادي قد يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتجنب تباطؤ السوق. وفي ظل توقعات تفاقم التضخم يثار تساؤل حول مخاطر استمراره علي هذا النحو المرتفع فهذا الوضع يهدد بركود اقتصادي بحسب رأي د.شحاتة نظرا إلي أن ارتفاعات الاسعار الأخيرة ساهمت في تغير سلوك المستهلكين والاتجاه إلي الترشيد واستمرار تفاقم الاسعار قد يصيب الاسواق بالشلل مضيفا: "نحن لم ندخل في مرحلة التضخم الجامح بعد ولكن زيادة التضخم علي 5% سنويا يرفع من مخاطر السوق ويزيد من تردد المستثمرين في اتخاذ قرارات بالتوسع في استثماراتهم". وفي هذا الاطار توضح د.ضحي عبدالحميد أن التضخم الحالي يؤثر علي القطاعات القائدة للنمو في مصر لاعتماد الكثير منها علي مدخلات مستوردة أو محلية تتأثر بالاسعار العالمية مما يقلل من توقعات النمو في مصر والتي كانت تتراوح بين 8.1% إلي 10% خلال السنوات القادمة لتبقي في حدود 7.1% خلال هذا العام مضيفة: لقد شهد العالم تصاعد التضخم إلي أضعاف معدلات التضخم المصري في تجارب مثل شيلي وبوليفيا، وتركيا، حتي إنه تعدي في بعض الحالات 100% سنويا والسبب الرئيسي كان اعتمادهم علي الاستيراد بشكل رئيسي وعدم انضباط السوق داخليا. ويري المراقبون أن للحكومة دوراً مهماً في الاعلان عن توقعات التضخم في الفترات قادمة حتي يتمكن المستثمر من رسم سياساته المستقبلية بشكل أكثر رشادة وكذلك حتي نتجنب اضطرابات السلوك الاستهلاكي للمواطنين والذي يمثل ضغطا علي الاسواق في ظل الأزمات.