قبل ثلاثة عشر يوما من الان وتحديدا مع جلسة الثلاثاء الخامس من مايو الحالي كانت كل المؤشرات والتنبؤات ومعها التحليلات الفنية والتوقعات تشير إلي اقتراب المؤشر العام للبورصة المصرية من مستوي قياسي جديد ووصوله لمستوي 12 ألف نقطة وسط انتعاش غير عادي للتعاملات واداء جيد لأسهم الشركات المقيدة في السوق خاصة مع الاعلان عن نتائج أعمال الربع الأول من العام وتحقيق صافي أرباح مبشر لأغلبية شركات السوق. ومع اللحظات الأولي من جلسة تداولات الثلاثاء وبعد يوم واحد من قرارات الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار وبعض أسعار السلع الاخري تعويضا منها لما منحته من علاوة اجتماعية للموظفين بلغت 30% بدأت مؤشرات السوق والمستويات السعرية لأسهم البورصة المصرية باتخاذ منحني تراجعي.. غير أنه لم يكن لأي فرد بالسوق أن يتخيل أن تكون هذه التراجعات بداية لعمليات انهيار عاتية أو حتي تصحيح سعري فالكل رأي أنها مجرد عمليات جني أرباح عادية تتوسط أسبوع التداولات كسابقتها. وبجلسة تداولات الاربعاء والخميس من نفس الاسبوع قبل الماضي استمرت التراجعات في الاستمرار وافقدت المؤشر قرابة 250 نقطة ليعود إلي 11740 نقطة بعد أن كان قاب قوسين أو أدني من مستوي 12 ألف نقطة، غير أن توقعات الصعود كانت لم تزل تلوح في الافق وتؤكدها التوقعات. وفي بداية تعاملات الاسبوع الماضي خالفت البورصة كل التوقعات واستمرت في التراجع وبدأت الأمور تظهر بأن هناك عمليات من جني الارباح العنيفة التي بدأ المستثمرون الاجانب تحديدا في تنفيذها. بدأت علامات القلق تشوب تعاملات المستثمرين وبدأ القلق يسيطر علي النفوس خاصة وسط مبيعات مستمرة من الاجانب. وبين توقعات الارتداد الصعودي ومخاوف التراجع العنيف لوحت الحكومة متمثلة في وزير المالية يوسف بطرس غالي بأنها تعتزم تطبيق ضرائب علي تعاملات البورصة والسندات وأذون الخزانة مع التأكيد علي فرض ضرائب علي المناطق الحرة زعما منها بأن هذه القرارات ستواجه التزايد المفرط في حجم التضخم محليا. قرارات الحكومة العشوائية الفجائية لم تكن لمواجهة التضخم كما ادعت، بل جاءت لتعويض ما منحته للموظفين من علاوة اجتماعية بلغت 30%. وواجه سوق المال المصري قرارات حكومته بعشوائية مماثلة وبدأت الاسعا ر في الانهيار وبدأ السوق يتدهور خاسرا من يوم الاثنين وحتي يوم الخميس ما يربو علي 1000 نقطة في أكبر انهيار شهده السوق منذ فبراير 2006. مبيعات الاجانب كانت أكثر الامور تعبيرا عن حالة التذمر التي تسود السوق فضلا عن أنها كانت نقطة انطلاق لمبيعات مشابهة نفذها المصريون والعرب متبعين سياسة القطيع التي بكل حق كانت مبررة خاصة وسط حالة اللامبالاة التي واجه بها المسئولين في الحكومة انهيار السوق دون تبرير ما يحدث أو حتي نفي ما لمحت له من قرارات. وبطليعة يوم الاربعاء الماضي خرجت الصحف المصرية بتصريحات لرئيس مصلحة الضرائب بأنه لا نية لفرض ضرائب علي تعاملات البورصة في الوقت الحالي، لكن تلك التصريحات لم تكن كافية أو مانعة لما اتخذه المستثمرون من قرارات بيعية للخروج من السوق ليصاب السوق كله بحالة من الرعب والفزع والعشوائية في اتخاذ القرار الاستثماري ليفقد مار يربو علي 200 نقطة جديدة مقتربا من نقطة الدعم الاخيرة 10500. جاء الخميس حاملا تصريحات من وزير المالية بأنه لا نية لفرض ضرائب علي التعاملات الرأسمالية للبورصة في مصر لا في الوقت الحالي ولا مستقبلا اعتقادا منه بأن تلك الكلمات ستغير الاوضاع وستوجد ارتدادا صعوديا أو علي الاقل ستوقف نزيف أسعار أسهم السوق الذي بات ادراج الرياح تسيطر عليه الضبابية الشديدة. تصريحات وزير المالية جاءت متأخرة كثيرا بعد أن فات الاوان خاصة أن يوم الخميس كان يوما فاصلا بتعاملات السوق المتجه للهاوية.. وقبل مرور ساعة من تداولات جلسة الخميس كان المؤشر قد خسر 500 نقطة دفعة واحدة مواجها يوما اسود من الانهيارات كان هو الاصعب علي المستثمرين بكل المقاييس. حالة من الارتباك سادت المؤسسات المالية حتي الكبري منها ولم تفلح مشترياتهم في استيعاب الموقف وباتت الرؤية ضبابية للغاية مع مبيعات وخسائر عصفت بالاخضر واليابس إلي أن توقف المؤشر عند 1060 نقطة خاسرا قرابة 1900 نقطة في 7 جلسات تداول اطاحت بأرباح عام كامل. هناك وعلي بعد لحظات قليلة من انتهاء تداولات الخميس بدأت بعض الصناديق الاستثمارية الكبري في اتخاذ قرار شرائي وبدأت معها المراكز المالية للمستثمرين الاجانب في التحول من البيع إلي الشراء في خطوة أوجدت قليلا من الطمأنينة في نفوس بعض المستثمرين لكنها لم تكن لتنهي حالة الذعر وتحدد الاتجاهات المقبلة لسوق غاب عنه الصانع الحقيقي. ولعل أحداث مايو التي ستظل عالقة في اذهان كل مستثمري البورصة وسيتم تأريخها علي انها أقوي تراجعات شهدها السوق في تاريخه علي الاطلاق قد استوقفت الخبراء والمحللين للمطالبة بصانع سوق حقيقي يحمي البورصة من انهيارات مماثلة في أي وقت. ووضع أولئك المحللون بعض الاقتراحات للخروج من عنق الزجاجة والبحث عن حلول لما اصاب البورصة من انهيار، فمنهم من وجه مطالب للحكومة بالتدخل في حل الموقف ومنهم من توجه للصناديق والمؤسسات بالتدخل لانقاذ السوق ومنهم من رأي أن الحل الامثل لهذا الموقف المرعب هو خطاب رسمي يتم توجيهه للاجانب لإيجاد حالة من اعادة الثقة لهم بالبورصة المصرية. من جانبهم رأي الخبراء أن الحل الامثل لمثل هذه المواقف والازمات هو ما يسمي بالصناديق السيادية التي تتدخل في الوقت المناسب بالأسواق العربية والعالمية لانقاذ الموقف تلك التي لا تعرفها مصر حتي هذه اللحظة. الموقف الاستثماري الدقيق وعدم الانفعال في تنفيذ قرارات عشوائية كان علي رأس المطالب التي وجهها الخبراء للمستثمرين خاصة طوال الاسبوع الحالي مؤكدين ان عودة الثقة للمستثمرين وحالته النفسية من اكبر العوامل في تحديد مصير السوق خلال الاسبوع الجاري وطوال الفترة المقبلة. وبعيدا عما حدث بالبورصة المصرية من هبوط عشوائي مفزع فإن الايام القليلة المقبلة حتما ستكون حاسمة لمصير السوق واتجاهاته غير انها تفائلية وتلوح للاستقرار لكنها تتوقع العودة للمستويات السعرية السالفة بشكل بطيء يغلب عليه الحذر.