تلقيت طوال الأسبوع الماضي ردود أفعال عديدة حول الأسئلة التي طرحناها عن بيع بنك القاهرة ومدي ملاءمة طرح البنك في التوقيت الحالي في ضوء تراجع الأسواق العالمية والقائمة المتنافسة المختصرة التي وصلنا إليها. تضمنت كثير من هذه الردود تساؤلات تدور حول الهدف من بيع البنك، ما إذا كان من الأفضل أن نبيع حصة فيه لبعض الصناديق السيادية (مثل الصناديق العربية) التي تستخدم الوفرة النفطية الحالية لشراء حصص من بنوك دولية (صناديق الكويت وأبوظبي وغيرها) واستخدام ذلك في النهاية لتمويل مشاريع طويلة الأجل، وما إذا كنا نحتاج في الحقيقة إلي بنك تجاري أم بنك استثماري ينافس الموجود حاليا ويحرك السيولة الراكدة. غير أنني أظن أن الوقت الآن ربما لم يعد ملائما لطرح كل ذلك. فالحكومة عازمة علي الاستمرار في طريقها لطرح البنك، بل ومقتنعة بأن القائمة المتنافسة هي الأفضل في ضوء عوامل عديدة، لذا فالنقاش هنا يجب أن يتحول إلي طريق آخر. ذلك هو ماذا نريد من هذا الوافد الجديد إلي السوق، هل من سلطاتنا ونحن نختار البنك أو نبيع له حصة المال العام أن نملي عليه بعض الشروط نضمنها في عقود البيع وتصب في النهاية في صالح ما نراه من سياسة مصرفية مصرية، ذلك هو الأهم الآن. ماذا نريد من الوافد الجديد الذي سيشتري بنكا انفقت الدولة عليه مبالغ طائلة لتنظيف محفظته الائتمانية (أو علي الأقل لنقلها لبنك مصر) ولديه 230 فرعا في أنحاء مصر كلها؟ هل نريده بنكا تقليديا ينافس الموجود ويراكم السيولة المصرفية كما هو حادث الآن داخل مصارفنا ثم يتحول بعد ذلك إلي مصرف يتعامل فقط في الإقراض للسيارات وإصدار بطاقات الائتمان؟! بالتأكيد ليس هذا ما نريد! ما نريده وما يجب أن يشترط عليه صانع السياسة المصرفية هو بنك يضع خطة عمل واضحة لفترة ما بين 3 - 5 سنوات، وتركز في الأساس - بجانب الأدوات الأخري - علي تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتتحمس بشكل أكبر للتمويل طويل الأجل سواء في التمويل العقاري أو غيره، كما تهتم بتوفير الخدمات المصرفية في المناطق الريفية وبخاصة في الصعيد. ما نريده هو إدارة تدرك أن قوتها في فروع منتشرة في كافة أنحاء الجمهورية، يمكنها أن تقدم للمستثمر المصري خدمة لم يحصل عليها من قبل، لأن البنوك المحلية ماتزال إما خائفة من الاقراض أو مرعوبة من كابوس نواب القروض.. نريد وافدا جديدا يتحلل من هذا الكابوس وينظر إلي المستقبل. مرة اخري ليس الهدف من البيع هو الحصول علي حصيلة نسد بها عجز الموازنة -أو هكذا قالوا لنا - وبالتالي فإن الهدف هو أعادة احياء بنك كان تقريبا مات، بل كلفنا خسائر فادحة وديونا متراكمة.. الهدف هو إضافة جديدة للسوق المصرفي.. لمنها يجب أن تكون إضافة محسوبة. مازال السؤال حول التوقيت قائما ومشروعا، ومازال مثال تأجيل طرح الرخصة الثالثة للمحمول ماثلا أمامنا كما ذكرنا من قبل لكن علي الأقل إذا كان لابد من المضي قدما في البيع أرجوكم فلتكن لديكم خطة واضحة لذلك. * نقطة فاصلة: يبدو أن ما كتبته الأسبوع الماضي بخصوص البنك المركزي آثار حفيظة بعض المدافعين عنه، وقد لفتوا نظري إلي أمرين - دون رغبة في ذكر اسمائهم وسأحترم ذلك - أولهما أن الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري هو بالفعل متنوع في سلة من العملات تعكس بوضوح وبالنسب هيكل الدين الحكومي المصري، وبالتالي فلا قلق من انخفاض الدولار لأن الاحتياطي ليس كله بالدولار وإن كان مقوما به. أما النقطة الثانية فتدور حول قبعات محافظ المركزي وتضارب المصالح الذي طالما اختلفت حوله.. وفي هذا فإن قانون البنوك ينص في المادة 93 أن قرار اندماج البنك العام أو تقييمه لا يكون نافذا إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، هكذا - كما قال محدثي - فإن القبعة الوحيدة التي يرتديها محافظ المركزي في حال بيع البنك هي قبعة الرقيب - رغم أن أنه هو نفسه رئيس الجمعية العمومية للبنوك العامة. ومما سبق تبدو لي ملاحظتان، أولهما أن الجميع يغسل يده من قضية بنك القاهرة، فلا نجد مدافعا عن بيع البنك أو متحدثا في هذه القضية سوي رئيس بنك مصر أو رئيس لجنة البيع، فلا الحكومة تتحدث بشأنه، كما أن محافظ المركزي الذي هو رئيس الجمعية العمومية للبنوك العامة يبتعد عن ذلك، رغم أن القانون في مادة أخري (79) يعطيه كافة الصلاحيات للتدخل. ثانيا: رغم احترامي للرد الذي وصلني، إلا أنني أعلم أن د. فاروق العقدة شخصيا ليس راضيا عن هذا التضارب وأنه - كما قال لي من قبل - سينهي هذا الأمر في نهاية 2008 بعد الانتهاء من خطة إعادة هيكلة البنوك العامة. ونحن في الانتظار.