نشرت "العالم اليوم" تقريرا إخباريا مهما كتبته الزميلة نجلاء الرفاعي يوم الجمعة الماضي عن اجتماع لجنة تسمي "لجنة تيسير الحدود بين مصر والسودان"، وأن هذا الاجتماع الذي سينعقد في غضون هذا الأسبوع سيكون الأول من نوعه، وأنه سيكون مكرسا لبحث مشاكل تجارة الحدود بين البلدين وإزالة المعوقات التي تواجهها، علي أن يقوم الجانب المصري بدعوة نظيره السوداني خلال الأيام المقبلة تمهيدا لعقد أول اجتماعات اللجنة المشتركة لتنظيم تجارة الحدود. وكشفت الزميلة الدءوبة نجلاء الرفاعي النقاب عن أن الاجتماع الوشيك سيبحث ورقة العمل التي تقدم بها السودان والتي تضمنت المشاكل التي يري أنها تعترض انسياب تجارة الحدود، وفي مقدمتها السماح ببقاء التاجر السوداني لمدة أسبوع واحد في شلاتين، وهي مدة يراها السودانيون غير كافية لتصريف سلعته واستيراد السلع المصرية المطلوبة. كما تتضمن هذه المشاكل عدم السماح بمرور الشاحنات المحملة بالبضائع السودانية إلي حدود مصر وتفريغها لنقلها بسيارات مصرية. أضف إلي ذلك عدم السماح للرعاة وأصحاب الإبل المرافقين لتلك السيارات بالدخول إلي الأسواق المصرية القريبة من الحدود وإلزام السلطات المصرية لهم بنقل هذه الإبل علي شاحنات وليس سيرا علي الأقدام، فضلا عن المشاكل الأخري التي يواجهها السائقون السودانيون في منفذ شلاتين، حيث تلزم السلطات المصرية هؤلاء السائقين بالرجوع إلي الأراضي السودانية بعد يوم واحد، وفي حالة تخلف أحد السائقين مدة يومين يتم حرمانه من الدخول لمنفذ شلاتين لمدة شهرين، وإذا تخلف ثلاثة أيام يتم حرمانه من الدخول لمدة ستة أشهر، وهي فترة كافية لشطبه من السجل الخاص بالسائقين بالمنفذ، والذي يضم ألف شخص فقط منذ عام 1996 دون إجراء أي تعديلات عليه. ورغم إأن الجانب المصري لم يرد بعد علي شكاوي الجانب السوداني.. ورغم أنه ليس من الصعب استنتاج أن معظم هذه الشكاوي ناجمة عن أسباب تتعلق بالأمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة "تذكرنا بفيلم الحدود بطولة الفنان السوري دريد لحام"، فإن مجرد وجودها كاف لتبيان البطء الشديد الذي تعانية مبادرات تعزيز التبادل التجاري بين البلدان العربية، ناهيك عن إقامة سوق عربية مشتركة، نتحدث عنها كثيرا منذ عقود من الزمان لكننا نبتعد عن مقوماتها الأساسية عاما بعد آخر. وإذا كان هذا هو حال العلاقات التجاربة بين مصر والسودان، اللذين تعودنا أن نطلق عليهما اسم "شطري وادي النيل" تعبيرا عن متانة الأساس التاريخي والجغرافي والحضاري لهذه العلاقات، فما بالك بالعلاقات مع باقي الدول العربية. وإذا كان جدول أعمالنا - ونحن في عام 2008 - تتصدره أمور مثل إقامة تجار السودان في شلاتين لمدة أسبوع وليس أكثر، أو تحركات الرعاة وأصحاب الإبل، أو مدة وجود السائق السوداني علي الجانب المصري من الحدود بالساعة والثانية. إذا كان ذلك كذلك، ففي أي قرن سنناقش القضايا الجوهرية للتعاون الاقتصادي والتجاري. وما موقع مثل هذه القضايا العجيبة من الإعراب علي خلفية "الحريات الأربع" الشهيرة؟ وليس المقصود بالطبع الحريات الأربع التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين ديلانو روزفلت في خطابه الشهير في يناير 1941 إبان الحرب العالمية الثانية وهي: * حرية التعبير عن الرأي في جميع أنحاء العالم. * حرية كل شخص في عبادة الله بطريقته الخاصة في جميع أنحاء العالم. * الحرية من الفقر، والتي تعني عند ترجمتها إلي تعبيرات عالمية التفاهمات الاقتصادية التي تضمن لكل دولة حياة سليمة صحية لسكانها في جميع أنحاء العالم. * الحرية من الخوف، والتي تعني عند ترجمتها إلي تعبيرات عالمية تخفيضا عالمي النطاق في الأسلحة إلي درجة لا تكون فيها أي دولة في موقف يسمح لها بارتكاب عدوان ضد أي دولة مجاورة في جميع أنحاء العالم. وهي حريات أربع لم تلتزم بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة قطُّ. المقصود - بالأحري - الاتفاقات التي حملت اسم "الحريات الأربع" التي وقعتها مصر والسودان في ابريل عام 2004 في مجالات التملك والتنقل والإقامة والعمل والتي وصفها صفوت الشريف - وزير الإعلام وقتها - "بأنها تتيح فرصا كبيرة لتفعيل حقيقي للتكامل بين الشعبين الشقيقين علي جميع المحاور، وتمثل تطلعات الشعبين المصري والسوداني في تكامل حقيقي في كل المجالات". وها هي السنوات قد مرت لنري أننا مازلنا في مرحلة الجدل في أمور ثانوية للغاية مثل مدة إقامة التاجر السوداني في شلاتين أو عدد الساعات التي يقضيها السائق السوداني علي الجانب المصري من الحدود. والمشكلة لا تتمثل فقط في بطء السلحفاة الذي تسير به خطوات تفعيل العلاقات بين الشعبين الشقيقين خصوصا، والشعوب العربية عموما، بل إن المشكلة الأكبر تتمثل في أن هذا البطء القاتل لأي طموح ولأي أمل يحدث في وقت يسير فيه العالم بسرعة الصاروخ لإزالة الحدود والحواجز من أجل تسهيل التعاون الاقتصادي. وعلي سبيل المثال، فإن أوروبا شهدت في مطلع هذا العام، أي منذ أيام قلائل، توسيع منطقة "شنجن" التي تتلاشي فيها الحدود في الاتحاد الأوروبي لتشمل تسع دول جديدة، هي بولندا وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفينيا ومالطا ولاتفيا وليتوانيا واستونيا، وهي أعضاء في الاتحاد الأوروبي بالفعل منذ عام ،2004 أضيفت إلي دول مجموعة شنجن الأصليين البالغ عدد أعضائها 15 دولة والتي تضم الدول الأوروبية الأساسية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج وغيرها. وبناء علي ذلك، تم تفكيك نقاط التفتيش ونقاط الجمارك الواقعة علي الحدود بين هذه البلدان الأربعة والعشرين، ونشأت منطقة تمثل ثلث مساحة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتسمح لنحو 400 مليون شخص بالتنقل الحر بدون جواز سفر في منطقة تمتد 4000 كيلومتر من استونيا إلي البرتغال. وبالطبع فإن مثل هذه الخطوة تنطوي علي مخاطر أمنية، منها إمكانيات اتساع نطاق الهجرة غير الشرعية وتحدي المخدرات وتحدي الإرهاب، لكن الاعتراف بهذه التحديات لم يكن سببا للإحجام عن هذه الخطوة الجبارة، وإنما جعلت الناس تفكر في أساليب لمواجهة هذه الأخطار بأساليب مبتكرة وعصرية، بحيث لا تكون الهواجس الأمنية عائقا للفوائد الكبيرة التي تنجم عن تسهيل السفر عبر الحدود وتحرك آلاف الأشخاص من دول مثل لاتفيا ولتوانيا وبولندا للعمل في باقي البلدان المشار إليها. هكذا يفعلون في أوروبا، بينما نناقش نحن هنا شروط ومواصفات وعدد ساعات قيادة رعاة الإبل لدوابهم علي الحدود المصرية - السودانية. هل هذا معقول؟ [email protected]