للمترو في حياتنا حكاية تستحق أن تروي وأن نتأملها.. فقد كان عهدنا بالترماي أو الترام بعيدا وقد ألفناه وألفنا من الألفة نراه في العتبة الخضراء وفي كثير من شوارعنا ونشاهد ركابه وسائقه وربما نشير إليه بالتوقف فيقف لنا كي نلحق به وكان جرس الترماي أو الترام شهيراً وعلمنا من أحد أفلام اسماعيل يس أن السنجة التي كانت تسيره بالكهرباء كثيرا ما كانت تقع.. ولكننا أيضا تعودنا علي ذلك وتعايشنا معه.. المهم أن الترماي أو الترام كان يسير فوق الأرض مع غيره من وسائل النقل الأخري مثل الترولي باس والأتوبيس.. ثم شهدنا مترو مصر الجديدة بفروعه الثلاث مترو عبدالعزيز فهمي ومترو المرغني ومترو الحجاز وقد كان يخدم ضاحية مصر الجديدة علي وجه الخصوص وظل أيضا رغم ما كان يمثله من تطوير كبير يسير فوق الأرض.. ثم جاء عهدنا بمترو الانفاق.. في البداية ترددنا وتأخرنا حتي تمت الدراسات واتخذت القرارات وكان ثمن ذلك طبعا زيادة التكلفة ولكننا تحملناها وتعاقدنا مع شركات أجنبية متخصصة قامت بتنفيذ هذا الانجاز الحضاري.. وسعدنا به أيما سعادة لعدة أسباب في مقدمتها ذلك التنظيم الذي صاحب تشغيله وإدارته والذي وجدناه في منتهي الانضباط وضربنا به الأمثال وقلنا هؤلاء هم المصريون عندما وجدوا مرفقا حضاريا ومنظما استجابوا للنظام والقواعد الموضوعة بكل دقة واحترام.. وكنا كذلك معجبين بنظافة وصيانة هذا المرفق وجمال محطاته وكان حتي بعض أصحاب السيارات الخاصة عندما يجدون أن المترو يغطي بشبكته المنطقة التي يريدون الذهاب إليها لا يترددون في استخدامه.. وكان ضيوف مصر من السياح وبعض السياسيين يبدون اعجابهم بكل المنظومة التي تحيط بمترو الانفاق وتشغيله وإدارته بل إننا كمصريين كنا ومازلنا نأمل في امتداد واتساع شبكات المترو أكثر وأكثر حتي تشكل الوسيلة الأكثر انتشارا وكان اعجابنا بمترو لندن ومترو باريس لهذا الاتساع والانتشار الذي كنا نحلم به ومازلنا بالنسبة لمترو القاهرة. باختصار أيها السادة كنا ومازلنا سعداء بهذا المرفق المهم والحضاري عندنا وهو "مترو الانفاق".. وكانت تقع بعض الأحداث هنا أو هناك فيتعطل المترو ولكننا كنا نراها أحداثا عادية وظلت الأمور في عقولنا ونظرنا تستحق كل التقدير والاعجاب بإدارة هذا المرفق المهم.. وقد حدث أخيرا ما أعتبره خروجا عن هذا الخط وأمرا يستحق كل الاهتمام وهو ما وقع لمترو حلوان ليس بالنظر إلي نتيجة ما حدث فالحمد لله لم تكن الاصابات تشكل كارثة ولكن الأمر الذي يشكل كارثة أن لا نقف عند أسباب ما حدث لعدة اعتبارات أساسية في هذا الموضوع لعل من أهمها ما يلي: أولا أن القضية ليست في أن 48 شخصا قد أصيب في الحادث تماثل معظمهم للشفاء.. ولكن القضية في أسباب خروج المترو عن مساره وإذا كانت النيابة تقوم بفحص مكابح القطار وتفريغ الشريط الأسود الموجود بالكابينة وكذلك تشكيل لجنة فنية لفحص القضبان وتحديد سرعة القطار لحظة دخوله محطة حلوان.. فإننا لا نريد أن ننتظر طويلا حتي تنتهي تلك الجهات من عملها بعد فحص شريط التحكم الآلي وفحص وثائق تسجيل بيانات القطار لتحديد المسئولية والمسئولين عن الحادث ولكن لابد أن نهتم لهذا الأمر وأن نهتم به.. ولم يعجبني في يوم من الأيام أن يقوم منهج تناولنا لمثل هذه الحوادث علي التهوين كما لا أرتاح لأن يكون منهجنا في ذلك قائم علي التهويل.. ان مخاطبة الرأي العام يجب أن تلتزم بالحقائق وأن تكون لغة التخاطب معه تظهر مدي الاهتمام والعناية مهما كان عدد المصابين قليلاً ومهما كانت الاصابات بسيطة لأن الاهتمام هو الذي يعصم من الزلل وهو الذي يطمئن الناس. ثانيا: إذا كان المهندس وزير النقل محمد منصور قد قام بصرف التعويضات للمصابين في إطار قواعد واضحة وشفافة فإن ذلك أمر محمود منه ونتوقع أن يولي كل العناية لتحديد أسباب ما حدث وهل هو اهمال من السائق؟ أم مشاغبات من الاطفال شغلت السائق كما قال بعض المصابين أم هي عيوب في الفرامل إلي غير ذلك من الاسباب.. ونحن علي ثقة من أن هذا الأمر سينال الاهتمام الواجب من الوزير فالرجل أثبت كل الجدية في التعامل مع قضية النقل وهي قضية فيها مشكلات تراكمت وتراكمت ولكنه يقتحهما بكل شجاعة ومصداقية نحييه عليها. ثالثا: ونطلب أيضا من المهندس مجدي العزب رئيس الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو أن يتابع عن كثب تقرير اللجنة التي تقوم بفحص شريط التحكم الآلي في مسيرة القطار وأن ترفع تقريرها خلال المدة التي حددها سيادته وهي 48 ساعة إلي النيابة العامة لتحديد المسئولية. أيها السادة ان ما يدفعنا للاهتمام بهذا الأمر هو في المقام الأول حرصنا علي أن يظل مرفق مترو الانفاق له تلك الصورة الذهنية الراقية عندنا وأن يقوم بالاستمرار في أداء خدماته للمواطنين بكل أمان وكفاءة وأن تظل الادارة المسئولة عن هذا المرافق مهتمة بكل أمر من الأمور.. وسوف ننتظر من الجميع ما تسفر عنه التحقيقات وتقارير اللجان لكي تتضح الحقائق وتوضع الأمور في نصابها ويظل مرفق مترو الانفاق في تقدم وأمان وتختفي مع حياتنا أسباب ومظاهر أي اهمال.. وألا نعود إلي ما قد علق بذهننا قديما من مقولات مثل اننا نجحنا في إدارة قناة السويس وفشلنا في إدارة مستشفي قصر العيني فالادارة أيها السادة ليست لغزا وليس مقدورا علينا ولا هو من طبائع الأمور أن نفشل في إدارة أي مرفق من مرافقنا الحيوية.. والادارة في النهاية حرفة لها أهلها الاكفاء والذين يمكن أن نستعين بهم ونعطي لهم الصلاحيات الكافية والامكانيات اللازمة لكي تمضي أمور حياتنا نحو الأفضل والأجود ولا تخرج أي عجلات عن مكانها أو أية أوضاع عن صوابها.. ولا نضطر لبيع كل مرافقنا الحيوية لأننا لم نستطع إدارتها علي نحو سليم وعلينا أن نعهد بها لغيرنا فهذا منهج لا يستقيم ونحن لسنا هكذا.