هذا السؤال الذي يتضمنه عنوان المقال يمكن أن يتسبب في اشعال حريق أو إثارة معركة ربما تنتهي بإصابات وكدمات ورضوض تستوجب النقل العاجل الي قسم الحوادث أو الطوارئ بقصر العيني، لكنه أدي إلي إثارة حوار بالغ الثراء، بل والعذوبة أيضا في بعض الأحيان، عندما تم طرحه علي مائدة حوار "منتدي جاردن سيتي" الذي ضم كوكبه من كبار رجال أعمال مصر ونخبة من كبار كتابها ومفكريها. عندما طرح أحمد المسلماني مدير هذا الصالون الثقافي الجديد السؤال المستفز - بهدوئه المعتاد وابتسامته البريئة والخجولة- أمسك عمر مهنا ببداية الخيط لينفي وجود علاقة شرطية بين الثراء وبين القرصنة، ويدلل علي ذلك بالعديد من الأمثلة التاريخية والنماذج الحية مصرية وأجنبية. ويستنتج من ذلك أن هذه الصورة "الشعبية" السائدة عن رجل الأعمال، التي لا تخلو في الدراما التليفزيونية بالذات من جوانب سلبية أهمها دمغه بالجشع والاستغلال والسلب والنهب، سببها نظرة شائعة خاطئة موازية دأبت في سنوات معينة علي اقناع المصريين بأن الربح "حرام" أو علي الأقل "مكروه" وغير أخلاقي. وهذا يؤدي بالضرورة إلي التعامل مع رجل الأعمال الناجح، أي الذي يحقق أرباحاً تزيد أو تقل، باعتباره لصاً. ممدوح البلتاجي اعترض بدوره علي الربط بين رجال الأعمال وبين الفساد قائلا إنه ربط متعسف، علي الأقل من زاوية أن الفساد دائرته أوسع بكثير من رجال الأعمال والذي يمكن أن يتورط فيه بعضهم وينأي معظمهم عن الوقوع في براثنه بينما يغرق في مستنقعه حتي الأذنين بعض كبار البيروقراطيين في الحكومة وكبار المسئولين من غير رجال الأعمال. نبيل زكي قال إنه ليس شرطا لرجل الأعمال أن يكون لصا حتي يحقق النجاح والثراء، فهناك أبواب أخري غير السرقة مثل الزواج بين المال والسلطة (تراجيديا عبارة الموت المشئومة نموذجا) ومثل تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار زهيدة والحصول منها علي أرباح فلكية بعد "التسقيع". وفي كل الأحوال فإن هناك نماذج حية في المجتمع تؤكد وجود هذه النوعية السيئة التي تسعي إلي تحقيق الربح السريع حتي لو كان ذلك بالاتجار في صحة الملايين من البشر. محمود عوض عارض فرضية عمر مهنا القائلة بكراهية المصريين للربح من حيث المبدأ، قائلا إن الثقافة الشعبية المصرية تمجد "الربح الحلال"، وباستثناء الماركسية استقر في الضمير المصري أن العيب ليس في الثراء وإنما في الطريق الذي يؤدي إليه في بعض الأحيان. والمشكلة في الحالة المصرية أننا بدأنا الرواية من آخرها. فالنماذج التي تم الترويج لها مع بداية عصر الانفتاح تصرخ بأعلي الصوت أنها عنوان للفساد، فظهرت في أيام الرئيس الراحل أنور السادات شخصيات عجيبة مثل "شيال" في الميناء تحول إلي حوت كبير أو سمكة من اسماك القرش المفترسة ومع ذلك فإن السادات كان يوصيه علي الإسكندرية! ومثل شخص آخر كان نكرة ولا شيء ثم أصبح مليونيرا شهيرا لا لشيء إلا لمتاجرته في الأغذية الفاسدة تحت رعاية أحد كبار المسئولين، ومثل صاحب العبارة المنكوبة الذي تدل كل تفاصيل قصة حياته من أولها إلي آخرها علي التواطؤ المروع بين أقطاب من عالم السياسة وبين نوعية ملتوية ومتلونة من رجال الأعمال تتسلل في الخفاء وتحصل علي الاستثناءات غير القانونية التي تؤدي في النهاية الي كوارث تحل بالبشر وبالاقتصاد الوطني علي السواء. هذه النماذج السيئة تجعل الناس تعمم الحكم علي جميع رجال الأعمال. ومع أن الأصل في الأشياء أن يكسب من يعمل، فإن المشكلة هي أن الناس قد رأت شخصا كان بالأمس "شحاتا" وأصبح مليونيرا بين عشية وضحاها لا لشيء إلا لأنه استطاع أن يقيم علاقة غير شرعية مع أحد الفاسدين في دهاليز السلطة. ثم جاءت الخصخصة لتزيد الطين بلة. وكان المفروض أن يكون رجال الأعمال المصريين أول المعارضين لبرامجها بشكلها الحالي. أسامة الغزالي حرب رأي ان كلمة "رجل أعمال" أصبحت مثل كلمة "فنان" حيث ان كلا من الكلمتين عباءة فضفاضة يختفي خلفها كل من هب ودب دون ضابط أو رابط. وأن الأصل في الاقتصاد الحر هم أولئك الذين يطلق عليهم لقب entrepreneurs أو "رواد الأعمال" أو أصحاب المبادرة الفردية.