هوك جو وون واحد من ابرز علماء الاجتماع في كوريا الجنوبية واستاذ بجامعة سونج كونك كوات الكورية، العالم اليوم "الاسبوعي" التقت به خلال المؤتمر الوطني للسياسة الاجتماعية الذي أعدته وزارة التضامن الاجتماعي الاسبوع الماضي وتناقشت معه حول تجربة كوريا الناجحة في خلق توازن بين تأسيس سوق حر وبناء نظام رعاية اجتماعية متكامل كما طرحنا عليه أبرز المشكلات المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي في مصر وتأثيرها علي حركة النمو الاقتصادي؟ * كوريا الجنوبية واحدة من الدول التي طبقت نماذج ناجحة في الحماية الاجتماعية ما مفهومكم للحماية الاجتماعية؟ ** نحن نتبع سياسة دولة الرفاه التي تقوم علي مبدأ اساسي وهو ان تحقيق النمو الاقتصادي سيكون من خلال السياسات الاجتماعية وعندما نتحدث عن الحماية الاجتماعية لا نتحدث فقط عن اعانة الفقراء لحمايتهم من مخاطر اوضاعهم الاقتصادية، ولكننا نتحدث ايضا عن مساعدتهم لإعادتهم إلي سوق العمل، والحقوق المجتمعية عموما ترتكز علي توفير خدمات مثل الصحة والتعليم والسكن لكل مواطن ولكن يختلف مستوي هذه الخدمة من بلد لبلد طبقا لقدراته المادية فإذا تعذر مثلا توفير السكن لشريحة واسعة من المواطنين علي الأقل يجب أن توفر الدولة السكن لمن يعيشون في العراء، وهذه الحقوق الاجتماعية ليست رفاهية ولا عبئا علي الاقتصاد الوطني وانما هي ضرورة لتحقيق النمو الاقتصادي فلا نتصور مثلا ان هناك تنمية اقتصادية ستحدث في ظل انتشار مرض معين بين المواطنين. سوق حر * ولكن توفير موارد للدولة يرتبط بنمو اقتصادها وهو ما يتطلب التخطيط لمستقبلها الاقتصادي.. فيكف نعد خطة اقتصادية في ظل سوق حر؟ خاصة واننا نعاني في مصر من عدم تنفيذ القطاع الخاص للدور المنتظر منه في الخطة الخمسية؟ ** بالطبع لقد تغير نمط التخطيط الاقتصادي الآن عن الستينات في العالم كله، ففي الستينات كانت هناك دولة مركزية تضع خطة وعلي الجميع الالتزام بها الآن تضع الحكومات سيناريوهات للمستقبل ولكي تضمن تفاعل مجتمعها مع هذه السيناريوهات وقيامه بالدور المطلوب من المجتمع في هذه السيناريوهات يجب ان تتسع مساحة المشاركة في اعداد الخطة وان تدور مناقشات كثيرة حولها بين جميع اطراف المجتمع قبل اقرارها فمصالح القطاع الخاص ليست منفصلة عن مصالح المجتمع وهو يتأثر بنقص موارد الدولة لأنه لا يستطيع ان يبني المرافق الاساسية كالطرق والمطارات. * ولكن هذه المشاركة تتطلب ايجاد ثقافة ووعي في المجتمع للاهتمام بالشأن العام؟ ** بالطبع فنحن في كوريا خلقنا هذه الثقافة بشكل تراكمي منذ الستينات ورجل الاعمال في كوريا يعلم انه اذا لم يحصل المجتمع علي حقوقه فأعماله سيصيبها الضرر وعلي الرغم من ان السوق الكوري اتجه للتحرر الا انه مازال هناك حس قوي لدي الجميع. * طبقت مصر مؤخرا قانونا جديدا لضريبة الدخل جعل متوسط الضريبة 20% فهل تري هذه النسبة كافية لتغطية مسئوليات الدولة الاجتماعية؟ ** هي نسبة عالية ولكنها بمقاييس احتياجاتكم قد تكون قليلة ولكن القضية ليست في نسبة الضريبة في القدرة علي جمعها وفي القدرة ايضا علي تحقيق العدالة في جمعها من كل المواطنين وعدم استثناء أي فرد منها بسبب عدم قدرة الدولة علي جمعها منه، ولكن أود ان أشير إلي أن الضريبة في حد ذاتها ليست العنصر الوحيد المؤثر في التنمية المجتمعية فالعوائد الضريبية ستظل منخفضة اذا كانت معدلات النمو الاقتصاديةمنخفضة ومعدلات النمو لن ترتفع اذا لم يكن هناك تنمية مجتمعية حقيقية تعطي للناس حقوقهم وتنمي مهاراتهم.. هي اذن حلقة متصلة ببعضها البعض. * في تجربة كوريا ركزتم علي تطوير التعليم بشكل كبير.. فكيف وفرتم الموارد لذلك؟ ** التعليم في كوريا لا يخلو من المشاكل فالناس تعترض عليه بسبب صعوبته وعدم جودة خدماته اذا ما قورنت بأمريكا أو أوروبا ولكن كوريا في تخطيطها للتعليم كانت حريصة علي أن يتعلم الجميع حتي وان كان تعليما رخيصا وينقصه بعض الجودة المهم ان يصل التعليم للجميع وهذا ما كان له مردود ايجابي علي الاقتصاد ويكفي ان اضرب لك مثالا علي ذلك بالتطور الكبير الذي حدث في صناعة التكنولوجيا IT في كوريا والتي بنيت علي قاعدة واسعة من الكوادر البشرية التي تعلمت مهارات هذه الصناعة من خلال النظام التعليمي، فالتعليم هو استثمار وأن ظن البعض ان الدولة قد توفر بعض الموارد من وراء تقصيرها في الانفاق علي التعليم فهي ستوفر مبالغ ضئيلة اذا ما قورنت بالعائد الذي ستجنيه علي المدي البعيد من الانفاق علي التعليم.